بعد أن فرضت جماعة الحوثي حصارها على مداخل العاصمة يعيش سكان صنعاء حالة من القلق خاصة بعد أن نصبت العديد من مخيمات الاعتصام بالقرب من بعض المنشآت الحيوية الهامة، وصعّدت من مسيراتها اليوميه باتجاهات مختلفه تم على اثرها قطع بعض الشوارع الرئسية في مناطق العاصمة. هذا التصعيد ترجع جماعة الحوثي أسبابه الى قيام الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي كان يمثل20٪من موازنة الدولة (خمس الموازنه)، فاستغلت الجماعه هذا القرار وحركت الشارع ضد الحكومة، وبررت ذلك بأنها مطالب شعبية مشروعة حددتها بالثلاثة المطالب المعروفة، وعزفت الجماعة علي أوتار هذه المطالب وتعاملت معها السلطة بنوع من الرزانة وأرسلت لجنة رئاسية الى صعدة للالتقاء بقائد الجماعة والتفاوض والبحث عن مخرج حقيقي للأزمة. وبعد اخذ ورد من الطرفين عادت اللجنه الى صنعاء وقدمت تقريرها علناً أمام اللقاء الموسع الذي أواصاها بمواصلة جهودها حتى خرجت بمبادرة وطنية أيدتها كل القوى السياسية والمجتمعية بالإجماع، وهذه المبادرة تتضمن تخفيض سعر المشتقات النفطية بحيث تصل قيمة الدبة الديزل والبنزين الى 3500-3400 ريال على التوالي وتشكيل حكومة وحدة وطنية علي أساس الكفاءة والنزاهة والشراكة الوطنية ورفع الاعتصامات وانسحاب جماعه الحوثي من عمران والجوف، وتسليم أسلحتها الى جانب العديد من البنود التي تضمنتها المبادرة وتصب جميعاً في خدمة الوطن.
ولم يمضِ سوى ساعات من إعلان المبادرة الوطنية التي حظيت بترحيب وبمباركة الجميع حتى سارعت جماعة الحوثي وعبر ناطقها الرسمي برفضها المطلق لهذه المبادرة واعتبرته التفافاً على مطالب الشعب، وجاء هذا الرد في الوقت الذي كان المبعوث الرئاسي عبد القادر هلال يجري لقاءته مع زعيم الجماعة في صعدة وعاد ولم يحقق اي تقدم في سبيل إقناع الجماعة بالقبول بالمبادرة كونها لبت جميع مطالبهم، واستمرت الجماعة بما تسميه التصعيد السلمي بمرحلته الثالثة لإسقاط الحكومة، وبالتالي بات الجميع يتساءل: ما هي الدوافع الحقيقية وغير المعلنة لهذه الجماعة في تصعيدها المزعج، خاصة وان مسألة المطالبة برحيل الحكومة التي تطالب بها تلك الجماعة اصبحت حتمية، حتى ولو لم توافق الجماعة على المبادرة وبالتالي فالجميع بات يدرك الدوافع الحقيقية وغير المعلنة التي تسعى من ورائها هذه الجماعة للوصول اليها، وهي إسقاط النظام الجمهوري بتركيبته الحالية واستبداله بنظام جمهوري آخر علي الطريقه الإيرانيه التي تكون المرجعية هي من تمسك بزمام الأمور.
وبالتالي لا غرابة في ان نجد تلك الجماعة تبدي استعدادها ولو شكلياً لبقاء النطام الجمهوري ويصبح المواطن هو الغلبان، ففي الوقت الذي يبحث عن عودة "الخمس" المنزوع من الدولة (وهو المبلغ الذي كانت تدعم به المشتقات النفطية الذي كان يمثل 20٪ من الموازنة)، كما أشرنا، ها هو يخشي من عودة الخُمس ليس خُمس الدولة الذي أشرنا، ولكن خمس الجماعة التي تفرضه على المواطنين ويكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.