في جل المعارك الحوثية اللاحقة لثورة فبراير 2011 كان الخطاب السياسي والإعلامي لتلك المواجهات ينفرد بذكر حزب الإصلاح دوناً عن بقية شركاء المرحلة الانتقالية بمن فيهم شريك النصف في الحكومة –الفاشلة- وثلاثة أرباع الأجهزة التنفيذية والمجالس المحلية (المؤتمر الشعبي وحلفاؤه)، حتى بقية الفرقاء ممن طابت لهم مشاهدة ذلك الفيلم المثير وانبروا للتقرير والتحليل بأن المعركة لا تخصهم من قريب ولا من بعيد وأنها بين فريقين في إشارة إلى الحوثي وحزب الإصلاح، إلى أن كاد الأخير أن يصدق ذلك ويحاول الوقوف منفرداً في وجه (البلدوزر) المدجج بالمظلومية وشعارات خلف الحدود ويعمل بأولويات خارج الاهتمام المحلي والوطني وبتوقيت متصل بمدارات اقليمية ودولية!، وكانت المواجهات في عمران كفيلة بتنبيه الإصلاحيين لذلك. تحركت عجلة الأحداث في العاصمة وبنفس التركيز في الخطاب مع تغير تكتيكي في ذكر المبررات والأسباب، وبذات الجلبة من التحليلات والتصريحات والكتابات التي تصب في اتجاه يفيد بأن المعركة بين طرفين، وبدا الصراع محتدماً من طرف الحوثي وإذا بالاعتصامات التي وصفها بالسلمية تتحول إلى أرتال من المسلحين يجوبون شوارع العاصمة بأنواع الأسلحة بحثاً عن (الجُرعة) التي تم التوافق على الغاءها، ثم بحثاً عن (دواعش) اتضح لاحقاً أنهم لم يعرفوا الطريق إلى العاصمة، ولن نتحدث عن حكومة الكفاءات التي يطالب بها الحوثي إلا إذا كان يقصد ممن حوله من الكفاءات كتاجر السلاح فارس مناع أو كتاجر المبيدات دغسان، ثم أسفر الحوثي عن أهدافه الحقيقية التي تبدأ بالبحث عن المكامن المحتملة لقوة الإصلاح حتى لو كانت مواقع عسكرية ومبانٍ حكومية ومنشآت تعليمية أهلية ومقرات اتضح أيضاً أنها ليست معنية بما يريده الحوثي، وسط صمت رسمي في ما يخص حماية المواقع والمنشآت الحكومية السيادية، وتم تفسير هذا الصمت على أنه حكمة وحرصاً على عدم إراقة الدماء!
موقف الإصلاح الأخير من وجهة نظري كان كبيرا وجديرا بالتقدير، ليس لأنه كان أذكى من الوقوع في فخ المواجهة المسلحة وقد سيق إليها بكل الوسائل والطرق ومنذ وقت مبكر، ولكن لأنه جنّب الوطن مزلق العنف الذي كان ينتظر الجميع، وما يزال البعض يستفز الإصلاحيين للانخراط في انفعالات رد الفعل، وكأنهم المعنيين حصراً بالدفاع عن سيادة الدولة ومنشآتها، رغم أنهم لم يدافعوا حتى عن مقراتهم ومساكن بعض قياداتهم وحلفائهم!
ما يقال عن السلطة والرئيس تحديداً يختلف تماما عن ما يقال عن الإصلاح، ذاك حزب سياسي مثل غيره من الأحزاب بحدود امكاناته ورؤاه وتصوراته وممارسته السياسية، أما السلطة فقد قصّرت في واجباتها الوطنية حد التواطؤ، فلم تحترم ولم تلتزم السلطة بما قررته المبادرة الخليجية التي تكونت على أساسها وآليتها، ولم تُلقي بالاً لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني ككل لا يتجزأ، بل تلاشت روح المبادرة والجاهزية للقيام بالواجبات والمسؤوليات كما يجب، وما قيل ويقال عن حكومة باسندوة أولى أن ينسحب على الرئاسة، بل إن الرئاسة تفوقت على الحكومة في الفشل، فكيف سقطت الحكومة وهي توليفة من فرقاء المشهد السياسي وخرجت الرئاسة منفردة تفاخر الجميع بعجزها وفشلها أمام التحديات، لماذا تم احتساب فشل الرئاسة نجاحاً في حين تم احتساب فشل الحكومة اخفاقا ذريعا يستوجب الهجوم والإسقاط الشعبي والسياسي والمليشاوي؟!
لقد قرأ الجميع ما حدث مؤخراً على أنه استهداف لحزب الإصلاح تأسيساً على القراءة السابقة لبداية المواجهات المسلحة التي وُضِع الإصلاح في مرماها (ولو إعلامياً) لتصبح حقيقة على الأرض، في حين كان بإمكان طُهاة هذه الطبخة استخدام طرق أخرى تمثل في مجملها بدائل للقضاء على حزب الإصلاح دون التمكين للحوثي، مثل أن تجرى انتخابات نيابية محسوبة ومحسومة سلفاً لإخراج الإصلاحيين من المعادلة السياسية في السلطة وربما من المشهد السياسي برمته!. أو أن يعاد دعم الرئيس السابق لمواجهتهم سياسياً وعسكرياً وتحجيم دورهم، دون الحاجة إلى صياغة مشهد جديد على أنقاض المبادرة الخليجية التي تحوّلت إلى أشبه بصنم من تمر يُعبد في البداية ويؤكل في النهاية!. مع يقيننا الجازم بأن اليمن لن يتسع إلا لجميع أبنائه، وأن مصفوفة الإقصاء والفساد وتجارة الحروب التي أفرزت ثورة التغيير في 2011 إن بقيتْ فستفرز ثورات متتالية!
ما عاشته العاصمة خلال الأيام القليلة الماضية لم يكن بعيداً عن مخيلة وتوقعات بعض المتابعين ممن شهدوا سقوط محافظة عمران بيد الحوثيين في يوليو-رمضان الفائت، وممن يقرأون خارطة الاهتمامات والتحالفات السياسية على مستوى الإقليم والعالم، لكن المثير هو رداءة الإخراج الذي كان أشبه ببرنامج (الكاميرا الخفية) مع فارق أن الضحية اكتشف الأمر في بداية المشهد وتمادى في تغابيه حتى النهاية!. ربما تجا الإصلاح من الوقوع في الفخ، ولكن المهم هل سينجو الوطن؟ وكيف؟!