أفلت عبد ربه منصور هادي من قبضة زمرة الشر والإجرام وتوجه رأساً إلى عدن، هادي الذي حصد أصوات 6 ملايين ناخب، واستقال تحت الضغوطات ووضع تحت الإقامة القسرية من قبل الميليشيا المسلحة، عاد حراً طليقاً اليوم وعدل عن استقالته، فهل يستطيع الرجل السبعيني محاصرة محاصريه وإحكام الطوق حولهم؟ أم يسعى لفصل الجنوب؟ تفنن هادي طيلة مدة رئاسته المأزومة لليمن – عن سوء تقدير أو تواطؤ - في زيادة قهر الشعب وتجويعه، لعب بالنار فاحترق بها، فمنذ تنازل عن هيبة الدولة طوعاً أو كرهاً، وسمح للمليشيا أن تستبيح صنعاء أرضاً وشعباً ومؤسسات، حكم على نفسه بالفشل، وغادر التاريخ دون أن يترك بصمة.
خروج هادي إلى عدن وعودته عن الاستقالة يمهد ربما لقلب الطاولة على الحوثيين، تماماً كما كانت استقالته، وسيعيد خلط الأوراق ويبدأ اللاعبين الداخليين والإقلميين والدوليين من نقطة الصفر مرة أخرى.
نقرأ تأثيرات الحدث المهم بناء على ما يقدم عليه الرئيس هادي من خطوات اجرائية، والتأييد المتوقع أن يحصل عليه سيكون كبيراً، بعد أن أعلن تمسكه بالمبادرة الخليجية، في بلد يعيش أهوال سيطرة مليشيا إجرامية قادمة من ثقافة الكهوف، ومخاوف الغرق في وحل حرب أهلية التي لو اشتعلت فلن تنتهي.
خيار المواجهة السياسية والعسكرية بين هادي والحوثيين ربما يتكشف أكثر في الأيام والأسابيع المقبلة، واستعادة الدولة المخطوفة من مليشيا الحوثي الإرهابية وحليفه المخلوع ودولته العميقة، مسنوداً بغالبية الشعب والعالم أجمع باستثناء طهران.
خيار المواجهة يبدأ من إعلان صنعاء عاصمة محتلة وإعلان عدن عاصمة للدولة الاتحادية، ومحاصرة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في إقليم أزال، ثم الاستفتاء على الدستور الاتحادي الجديد، وإقرار نظام الأقاليم.
كل مقومات نجاح الخيار متوفرة على أرض الواقع، فداخلياً المجتمع اليمني وصل إلى قناعة تامة أن مصير اليمن سيكون الدمار على يد المليشيا وأي ثمن يتوجب دفعه للتخلص من المليشيات سيكون وبكل تأكيد أفضل من استمرارهم في الحكم والسيطرة، وخارجياً رفض العالم أجمع الاعتراف بالقوى الانقلابية، ويمثل هذا الخيار فرصة مواتية لإعادة اليمن إلى المجتمع الدولي وباعث استقرار في المنطقة والعالم.
الخيار الثاني سيكون مواصلة الجري في الحلقة الدائرية بالعودة إلى المفاوضات العبثية مع حاملي السلاح غير الشرعي والقبول بهم بعد الكم الهائل من الجرائم والانتهاكات بحق الدولة والإنسان، هذا الخيار يفقد هادي واليمنيين من خلفه عدن كما أفقدهم صنعاء، فالحوار مع مليشيا لا عهد لها ولا ميثاق وتوقع الوصول إلى نتائج وطنية ومرضية ضرب من ضروب الخيال، ووهم عاش اليمنيون فصوله منذ قبول جلوس حاملي السلاح على طاولة الحوار الوطني، هذا الخيار سيكون أحد الخيارات المفضلة للحوثي والمخلوع لأنه يوفر فرص جديدة لهم للمراوغة.
خيار المفاوضات لن يجد الدعم الداخلي أو الشعبية للازمة لنجاحه وذلك لكفر اليمنيين في نتائج كل المفاوضات السابقة التي خاضتها الدولة أو المكونات السياسية مع الحوثيين، ولقناعة الإقليم بأن الفكر الإيراني المراوغ والماثل أمام العين في لبنان أو العراق أو سوريا لن يتغيير أو يتبدل في اليمن.
الخيار الأخير هو القفز إلى المجهول وإعلان الانفصال، فنظرياً سيكون الجنوب لهادي والشمال للحوثيين، وهذا الخيار خطير جداً فداخلياً الجنوب لن يسلم لهادي بسهولة وستشعل الحروب الداخلية بين الفصائل الجنوبية المختلفة سعياً وراء السلطة وبحثاً عن زيادة القوة، بينما يجدها المخلوع ويتبعه الحوثي الفرصة لضم الجنوب للشمال بالقوة، وبالمقابل المجتمع الدولي لن يقدم على تأييد خطوة الانفصال، وإنهاء الشرعية القائمة والدولة اليمنية المعترف بها.
إجمالاً جميع الخيارات السابقة صعبه ومكلفة، ويجب على مكونات المجتمع اليمني ودول الخليج دراسة الخيارات المتاحة جميعاً، بإعادة إحياء المبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني، والإتعاض من أخطاء الماضي وإخراج اليمن من النفق المظلم، وعدم ترك الرئيس هادي يبحر بنا وحده بخياله الضيق وتفكيره المحدود، ونتمنى ألا يخرج علينا بخطه الأحمر المشهور فيلحق عدنبصنعاء ومن قبلها عمران.