السادة الأفاضل والزملاء الأعزاء أعضاء اللجنة الإعلامية العليا المحترمون تحية الزمالة وبعد
بلا مقدمات، اسمحوا لي أن أعبر عن بالغ الأسف وعظيم الأسى والحزن لما بات عليه حالنا كصحافيين ومنتسبين لمهنة المتاعب منذ مجيء لجنتكم الإعلامية الموقرة لتؤدي مهاماً سرية وأدواراً كواليسية في سبيل تقويض الحريات الصحافية وتقليص بقايا الهامش الديمقراطي الذي منحه الدستور والقانون للصحف..
واسمحوا لي أيضاً، أن أزف إلى حضراتكم باقة تهنئة بمناسبة النجاحات العظيمة التي أنجزتها اللجنة خلال مسيرتها القصيرة المظفرة، والتي توجت بإعادة الحريات الصحافية لأجواء ما قبل الوحدة والتعددية السياسية والحزبية..
السادة الأفاضل، رغم إدراكي لحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقكم لتحقيق غاية تطهير الوطن من الصحافة الحرة، وكذا مستوى انشغالاتكم ووقتكم المزدحم بإعداد الخطط وتدبيج التقارير ورفع المقترحات الكفيلة بتخليص الفاسدين من كابوس الصحافيين الأحرار، غير أنني استميحكم عذراً في استقطاع بضع دقائق من برنامجكم اليومي الحافل بالمسؤوليات، لعرض جوانب من جحيم المعاناة الذي تسببتم في إحداثه وصنعه (بحسن نية) لعشرات من زملائكم الصحافيين!
السادة الأفاضل، ندرك جيداً مدى الضغوطات التي تتعرضون لها لإنفاذ توصيات الاعتقال والمصادرة والحجب، وإقرار خطط الدفاع والهجوم والمواجهة والتعبئة، وندرك أيضاً أن بعض قراراتكم صدرت على طريقة "ما حيلة المضطر إلا اتخاذها!" لاعتبارات تتصل بالحفاظ على المنصب والمخصص، والخشية من الرفض، والخوف من تبعات التحفظ..!
إدراكنا لكل ذلك يستلزم بالضرورة، أن لا نطالبكم بما يعد مساساً بثوابت اللجنة! كالتوقف مثلاً عن رفض بعض التقارير -عفواً- أقصد التوصيات، والكف عن إصدار بعض القرارات المجحفة، كل ما نريده منكم هو الاستماع إلى أنيننا فقط، والإنصات لآهات القهر علها تجد طريقها إلى قلوب خفتت فيها مؤشرات الحمية والتعاطف بفعل بريق السلطة الطاغي..
أيها الأفاضل، لقد أدى نجاح لجنتكم الموقرة في مهام أعمالها إلى أوضاع كارثية، نثق أنكم تسببتم في إحداثها دون قصد..! ولم يكن سبق الإصرار والترصد حاضراً عند ذلك التسبب!
فأنتم قطعاً حين أعددتم التوصيات وأحلتم المقترحات إلى "جهات الاختصاص" لم تقصدوا إيذاء محمد المقالح أو مضاعفة آلام هشام باشراحيل..!
لقد كان التفسير من قبل "جهات الاختصاص" لتوصياتكم ومقترحاتكم خاطئاً! بهدف تحميلكم المسؤولية وإحراجكم أمام زملائكم وبالأخص أولئك الذين باتوا على علم بأمر لجنتكم الأسطورية..
وأنتم أمام ذلك التفسير الخاطئ قطعاً، لن تعلنوا الاحتجاج أو تعليق أعمال اللجنة وذلك حرصاً على ألاّ يأخذ مُلاك السلطة الفعليين، انطباعاً سيئاً يعزز الاعتقاد السلطوي السائد بأن الصحافيين لا يصلحوا لتبوّء مهام رسمية حساسة..
البحث عن المبررات والذرائع لتبرير ذلك التفسير الخاطئ، سيكون دائماً البديل الأمثل! إذ ربما أساءت "جهات الاختصاص" تقدير درجة الخطورة المبينة في التوصيات فلجأت للبطش بشكل متسرع، أو لعل قارئ التوصيات لا يجيد استيعاب المفردات الصحافية فالتبس عليه الأمر، واختلطت لديه المفاهيم، ولم يدرك كُنه المغزى الحقيقي لتلك التوصيات في بعض فقراتها ومنها فقرة: "أما الصحفي فلان فنرى أن تعقلوه" حيث اعتقد قارئ التوصيات أن المراد من العبارة هو "أن تعتقلوه" ليدرك فداحة خطأه بعد وقوع فأس الاعتقال في رأس المغضوب عليه..!!
السادة الأفاضل، هل شعرتم يوماً بتأنيب الضمير، وهل حدثتكم أنفسكم بضرورة التكفير عن تلك الأخطاء غير المقصودة..؟!
ثم هل أنتم على دراية بالوضع الناشئ عن توصياتكم وقرارات لجنتكم الأسطورية..؟!
هل تعرفون مثلاً، أن "جهات الاختصاص" اتخذت من توصياتكم منطلقاً لفرض واقع بوليسي، وإخضاع زملائكم لرقابة هاتفية صارمة على مدار الساعة، ورصد دؤوب لحركاتهم، وإحصاء متواصل لأنفاسهم بدعوى تهديدهم للأمن القومي..؟!
هل تدركون أن العشرات من زملائكم يعيشون حصاراً خانقاً من "جهات الاختصاص" التي ما انفكت تستخدم سياسة قطع الأرزاق وإصدار التعميمات إلى أماكن عمل الصحافيين لإقصاء وتسريح زملائكم وإلقائهم إلى رصيف البطالة وتركهم يقاسون شظف العيش بغرض إخضاعهم وإجبارهم على "بيع القضية"..؟!
هل سبق وعلمتم بحالة الرعب التي يعيشها بعض زملائكم الأحرار، عند ذهابهم لتناول الغداء في المطاعم أو لحظة شرائهم للقات خوفاً من أن يتعرضوا للتسميم على يد "جهات الاختصاص"..؟!
هل شعرتم يوماً بإحساس بعض زملائكم الذين يمشون في الشوارع بقلوب وجلة، ورؤوس كثيرة الالتفات خوفاً من دهس سيارة مسرعة كتلك التي ألحقت عبدالعزيز السقاف بالرفيق الأعلى، والأخرى التي حاولت إطفاء شمعة الأجيال المضيئة عبدالباري طاهر..؟!
هل تعرفون المؤامرات التي يتعرض لها زملاؤكم الدارسون في الكليات والجامعات، وقد بلغت حد اغتيال أحلامهم في التفوق الدراسي عبر مصير الرسوب الدائم امتثالاً لتوجيهات "جهات الاختصاص"..؟!
هل سبق أن شعرتم بمخاوف زملائكم الأحرار الذين يخشون فقدان قدراتهم العقلية والجسمانية بعقاقير مُجلطة أو متلفة للدماغ، أو مفقدة للتركيز (الموت البطيء) التي قد تدسها لهم "جهات الاختصاص" في البوفيهات أثناء احتساء عصير الليم أو الشاي أو شرب "الشيشة"..؟!
هل تدركون حجم الألم الناتج لدى زملائكم الذين يعجزون عن نشر موادهم ومقالاتهم الحرة، بسبب تضمين أسماءهم (من قبل جهات الاختصاص) في قوائم سوداء (بلاك لست) تحت يافطة "ممنوع من النشر"..؟!
هل تعلمون بحجم العناء الذي يتجشمه بعض زملائكم الذين يُجرجرون إلى المحكمة التي جاءت بها "جهات الاختصاص" وفق توصياتكم بشكل أسبوعي لإدراكهم أن التأخير -فضلاً عن عدم حضور جلسات المحكمة- سوف يؤدي لقرارات قبض قهرية..؟!
السادة الأفاضل، لاتسمحوا لفغر الفاه المسيطر في هذه اللحظة، بالاستمرار عجباً وتحيراً، فما سبق ليس سوى نزر يسير من جوانب المعاناة التاريخية التي يعيشها زملاؤكم الأحرار الذين لازالوا صامدين في وجه الطغيان، صابرين محتسبين، يستمدون العزم من جبار السماوات والأرض، وقدرة الصمود من حبهم للوطن وإيمانهم بالحرية..
السادة الأفاضل، هل آن الأوان لتحدثوا أنفسكم بضرورة الوقوف في حضرة الذات فاصلاً من التأمل والمراجعة..؟!
ألا يكفي الزملاء في صحيفة الأيام حالة التشرد والبطالة التي يعيشونها بعد أن أقدمت "جهات الاختصاص" الآثمة، على اغتيال منبرهم ومصدر عيشهم الوحيد..؟!
ألا يكفي الزملاء في جريدة "حديث المدينة" ما يعانونه من احتجاب تعسفي على خلفية إجراءات الحجز الإداري..؟!
ألا يكفي محمد المقالح شهور الضيم والجوع والقهر والحرمان التي عاشها على يد المافيا القومية..؟!
ألا يكفي هشام باشراحيل ما تكبده من عناء في المعتقل بعد أن تخلى عنه الجميع وتركوه وحيداً في مواجهة غول القهر والاستبداد..؟!
ألا يكفي منير الماوري حالة الاختناق الناتجة عن قطع أنفاس قلمه الشجاع بقرار تعسفي مع سبق الإصرار والترصد..؟!
ألا يكفي الثنائي صلاح السقلدي وفؤاد راشد ما يقاسونه من ظلم وقهر منذ أشهر في معتقلات النظام السوداء..؟!
ألا يكفي أحمد المسيبلي المعاناة الناتجة عن القرار التعسفي بحرمانه من راتبه وقوت أولاده..؟!
ألا يكفي معاذ الأشهبي ما يعانيه من ظلم وحياة قاسية بين القتلة والمجرمين وقطاع الطرق في السجن المركزي..؟!
ألا يكفي محمد صادق العديني ما لاقاه من بطش على يد بلاطجة القائد العسكري..؟!
ألا يكفي محمد سعيد الشرعبي حالة الرعب التي تعيشها أسرته جراء القنابل والرصاص والمتفجرات التي يلقي بها الفاسدون فوق منزله..؟!
ألا يكفي رداد السلامي ما تعرض له من اعتداء آثم على يد مجموعة من البلاطجة تتبع جهات الاختصاص..؟!
ألا يكفي عوض كشميم ما قضاه من أيام في معتقلات النظام دونما تهمة..؟!
ألا يكفي سمير جبران ونائف حسان حرمانهما من حق رئاسة تحرير صحيفتيهما ومنعهما من ممارسة المهنة..؟!
ألا يكفي الزملاء في "المصدر أونلاين" والمواقع الالكترونية الأخرى ما يكابدونه عند القيام بالتحديثات اللازمة بسبب إجراءات الحجب المزاجية..؟!
السادة الأفاضل أعضاء اللجنة، بقدر أسفنا على إقلاق سكينتكم، وإزعاج راحتكم وتعكير صفو أمزجتكم بجحيم هذه المعاناة، فإننا لن نطالبكم بما قد تعتبرونه مساساً بقدسية لجنتكم الموقرة أو طعناً في مهامكم الوطنية التي تتخذ من العنوان التالي "يمن بلا صحافة" عنواناً لها..
كل ما نريده منكم هو أن تتقوا الله في زملائكم وتدركوا أن ما يكابدونه قد لا يستثنيكم ذات يوم استناداً لقاعدة "كما تدين تدان"..
لن نحثكم على الالتقاء بالرئيس علي عبدالله صالح ومطالبته بإيقاف حرب البسوس ضد الصحافة، لمعرفتنا أن ذلك مما لا تطيقونه ولا تستطيعونه..! ولن ندعوكم للاستقالة لإدراكنا أن ذلك تجاوز خطير ومساس بقدسية اللجنة وحسابات المكسب والخسارة وإخلال بمعادلة "بع اليوم لتعيش غداً!" ولن نأمل منكم العلنية في جلساتكم وقراراتكم لأن ذلك مما يهدد "أمن مدري ماهو" على رأي الصديق العزيز محمود ياسين..
ما نريده منكم أيها السادة، هو أن تتقوا الله في زملائكم عند إعداد التوصيات وتقديم المقترحات ورفع التقارير، وأن تراعوا حقوق الزمالة، وأن لا تعينوا عصابات المافيا والبلاطجة ضد العزل الذين لا يملكون سوى أقلامهم..
لا نريد منكم سوى إقناعهم بجعلها معركة شريفة، نتحاجج فيها بالأقلام، ونتبادل فيها النقد ونختلف في الآراء، وكفى ضرباً تحت الحزام..!