تترقب الأوساط السياسية التركية بحذر موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة المزمع إجراءها في الأول من نوفمبر المقبل، ومعها يترقب غالبية الشارع التركي نتائج هذه الانتخابات التي ستحدد طبيعة المرحلة القادمة، في ظل تعقيدات داخلية وخارجية. فتركيا المتطلعة الى فردوس الانضمام الى الاتحاد الاوروبي باتت اليوم فردوساً بحد ذاته، و قوة اقليمية لا يستهان بها في المنطقة، خاصة مع التعقيدات التي يتسم بها الشرق الاوسط وحالة الفوضى التي تسود عدد من اقطاره، اضافة الى تفوق الاقتصاد التركي على عدد من اقتصادات دول كبرى في اوروبا.
التدخل الروسي في سوريا من جهة والاتفاق الاميركي الايراني على البرنامج النووي من جهة أخرى، وأزمة اللاجئين ايضاً، اضافة الى تطورات الوضع في سورياوالعراق مع ظهور تنظيم الدولة الاسلامية، وليس آخرها المواجهات بين الجيش التركي وحزب العمال لكردستاني شمال العراق، وفي الجنوب التركي، كل ذلك له تأثيرات على حالة الاستقطاب داخل الحياة السياسية التركية.
لم يستطع حزب العدالة والتنمية الحصول على النسبة الكافية لتشكيل الحكومة في انتخابات يونيو الماضي، وفشل ايضاً في تكوين حكومة ائتلافية، مما استدعى الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة.
ولأول مرة في تاريخه حصل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الانتخابات الماضية "HDP" على 13% من اصوات الناخبين، وتوزعت النسب الباقية 41% لحزب العدالة والتنمية " AKP"، 25.16% لحزب الشعب الجمهوري"CHP"، 16.5 % لحزب الحركة القومية."MHP".
ولعل أهمية هذه الانتخابات تكمن في حساسة التوقيت خاصة في المنطقة مع تنامي الدور الايراني ايضاً والذي يشكل بدوره تهديداً على تركيا وعلى حدة المنافسة في الاستحواذ على النفوذ في المنطقة ذات الاهتمام العالمي.
نظرة من الداخل: تظهر حمى المنافسة بوضوح في الشوارع التركية، حيث تنتشر صور المرشحين في شوارع المدن، اضافة الى الحملات الانتخابية والمهرجانات الخطابية، التي تنفذها الاحزاب، استعداداً للحدث الاهم في الاول من الشهر القادم.
يتطلع الاتراك الى مواصلة تقدم بلادهم في المجالات المختلفة واكمال نجاحاتها على عدة صعد، والتي القت بظلالها على حياة المواطن العادي وتحسن مستوى معيشته وتوفر للخدمات، الا ان اهم ما يبحث عنه الاتراك في الوقت الحالي هو الاستقرار وعدم انجرار بلادهم الى الفوضى خاصة مع التوترات في جنوب وجنوب شرق البلاد، وخارج بلادهم ايضاً.
قيام حكومة ائتلافية بين احزاب يوجد فيها تباينات واختلافات اكثر من نقاط الاتفاق بدوره قد يؤثر على دور الحكومة في المرحلة القادمة، ولتركيا تجارب سابقة في مثل هكذا حالات، وفشلت فيها الحكومة في تلك الفترات.
وابرز المشاركين في الانتخابات هو حزب العدالة والتنمية بقيادة احمد داوود اوغلو وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية التركية اضافة الى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي
تقول أمينة أيسل وهي معلمة تركية مناصرة لحزب العدالة والتنمية "جربنا الاحزاب السياسية خلال الفترات الماضية من الحكم في تركيا، واثبتت غالبيتها الفشل، الا ان حزب العدالة والتنمية حقق نهضة كبيرة خلال فترة حكمه الماضية، وحقق معدلات مرتفعة في القضاء على البطالة وتحسين مستوى دخل الفرد التركي"، تضيف " في عهد حزب العدالة التنمية اصبحت الحرية متاحة للجميع وبشكل افضل عن ماكنت عليه سابقاً، واصبح الشعب التركي بكل اطيافه وانتماءاته يحب هذا الحزب"، تتوقع أمينة عدم تكرار سيناريو الانتخابات السابقة، مشيرة بأن حزب العدالة والتنمية سيفوز بالانتخابات وسيشكل الحكومة القادمة منفرداً .
وقتل بداية الشهر الجاري 102 شخص وأصيب المئات في تفجير انتحاري مزدوج استهدف تجمعاً لمناصري حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وجمعيات يسارية في العاصمة التركية أنقرة، الأمر الذي ضاعف المخاوف الأمنية ورفع من حدة التوتر السياسي بالبلاد، وهو ما عزاه محللون الى محاولة اطراف داخلية وخارجية خلط الاوراق بغرض تحقيق مكاسب معينة قبل موعد اجراء الانتخابات.
من جانبه دعا حزب الشعوب الديمقراطية " HDP" في بيان له الأحزاب والمنظمات للمشاركة كمراقبين في الانتخابات التركية المبكرة، يأتي ذلك في ظل توترات تشهدها الساحة السياسية.
ويتفق حزب الحركة القومية مع توجهات الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية في مواجهة حزب العمال الكردستاني وفرض الامن في البلاد، ويتهم حزب الحركة القومية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بدعم لحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف ضمن التنظيمات الارهابية في تركيا واميركا ودول اوروبا.
ويقول متابعون للشأن التركي بأن قضايا الاكراد قد تحسنت خلال السنوات الماضية في ظل سعي الحكومة الى اغلاق هذا الملف، وايجاد مصالحة مع الاطراف المتصلة بالقضية الكردية، ومحاولة ادماج القوى الكردية في الحياة السياسية التركية، وهو ماتكلل بحصولهم على نسبة 13% في الانتخابات البرلمانية الماضية، الا ان حزب الشعوب الديمقراطي بدأ باتخاذ مواقف متشددة تجاه الحكومة بعد هذه الانتخابات.
النظرة الدولية للانتخابات التركية: قبل ايام فقط من اجراء الانتخابات استطاعت حكومة أوغلو انتزاع موقف متقدم في سبيل انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي من المانيا التي كانت من اشد المعارضين لانضمامها الى الاتحاد، لاسيما والمانيا تعد ابرز الدول الاوروبية التي لها ثقل في الاتحاد الاوروبي.
يقول الكاتب التركي محمد زاهد غل في حديث لموقع الجزيرة نت "اعتبر التحول في القرار الألماني تنازلا أوروبيا لصالح تركيا"، مضيفاً " إن التقدم بالتفاهمات بين تركيا وألمانيا يتضمن فتح المزيد من فصول الوثيقة للنقاش، وتقديم فترة السماح للأتراك بدخول أوروبا دون تأشيرة إلى عام 2016 بدلا من 2017، وتلقي أنقرة وعودا بالحصول على 3.4 مليارات دولار دعما لجهودها باستضافة اللاجئين، مقابل تعهدها بوقف تدفقهم إلى أوروبا".
وأشار غُل إلى أن التقدم التركي في المشروع الأوروبي سينعكس بشكل محدود على الوضع الداخلي لحزب العدالة والتنمية، موضحا أن الأوروبيين يفضلون الآن استقرار تركيا تحت حكم الحزب على التعامل مع حكومات ائتلافية ذات قدرة أقل بالتعامل مع الملفات الإستراتيجية.
من جانبها توقعت صحيفة الواشنطن بوست عدم حسم الانتخابات القادمة، بفضل المتغيرات الخارجية والتي تعزيها الصحيفة الى موقف تركيا من الوضع في سوريا بالاضافة الى تعاملها مع قضية اللاجئين السوريين،
ومع دخول روسيا على خط الصراع في سوريا وتأثيرها على العلاقات التركية الروسية المرتبطة اقتصادياً والذي يعد ابرزها السيل التركي المزمع تنفيذه بين أنقرة وموسكو في الفترة القادمة، والذي يقضي بنقل الغاز الروسي الى تركيا، اضافة الى تهديد اردوغان لروسيا من انها ستخسر صداقة تركيا اذا استمرت في ممارساتها ازاء الازمة السورية، كل ذلك يلقي بظلاله ايضاً الى الانتخابات القادمة والتي تهم الروس ايضاً، والذي يتوقعون هم بدورهم عدم حسمها.
الى ذلك تعد ابرز المشاكل الداخلية المرتبطة خارجياً وهي قضية الاكراد في الجنوب والجنوب الشرقي لتركيا، والتي تشهد تلك المناطق اضطرابات واسعة بين الحكومة ومؤيدين لحزب العمال الكردستاني، اضافة الى عمليات الجيش ضد مواقع حزب العمال الكردستاني داخل الاراضي التركية.
انعكاساتها على العرب يتركز غالبية السكان العرب في مدينة اسطنبول التي يسكنها حوالي 17 مليون شخص، يتواجد فيها نسبة كبيرة من الاجانب، وعلى الرغم من تصريحات تابعة لجاليات عربية بأن لا دخل لرعاياها بالانتخابات التركية، مفضلة الصمت وانتظار من سيأتي لتشكيل الحكومة، الا ان الانتخابات التركية لها انعكاسات ايضاً على السكان العرب بشكل أو بآخر، خاصة مع اللاجئين السوريين.
يترقب ابراهيم بلال احد السوريين الذين قدموا الى تركيا مع مطلع الاحداث في سوريا بصمت وقلق إعادة الانتخابات البرلمانية في تركيا ونتائجها التي ستنعكس على العرب كمقيمين في تركيا حد تعبيره.
ويقول ابراهيم:" نترقب نتائج الانتخابات بقلق لاسيما بعد تصريح وتعهد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلوا بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في حال فوز حزبه بالانتخابات المقررة"، مضيفاً "أنّ نتائج هذه الانتخابات سيكون لها أثر على المقيمين العرب في تركيا والأمر لا يتوقف على السوريين فحسب، فقسم كبير من العراقيين والمصريين واليمنيين اللذين لجأوا إلى تركيا بسبب الأحداث الدائرة في بلادهم يواجهون نفس المخاوف بسبب سياسة ووعود الأحزاب المعارضة الغير مرحبة بسياسة حزب العدالة والتنمية مع تواجد العرب عموما ومع القضية السورية تحديدا.
يشير ابراهيم الى إن تركيا لها تاريخ طويل في استضافة اللاجئين والهاربين من الحروب والاضطهاد على مدار التاريخ وقبل وصول العدالة والتنمية إلى الحكم، فتركيا استضافت سابقاً قرابة مليون ونصف عراقي، وقبلهم مئات الآلاف من البلقان ومن الشيشان، على حد تعبيره.
الى ذلك انتشرت تحذيرات نسبها رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصادر أمنية تركية والمخابرات العامة وسفارات بعض الدول تطالب بتقليل التواجد في الأماكن الهامة في إسطنبول كالمناطق السياحية وخطوط المواصلات العامة (المترو والترامواي وخط المترو بوس الشهير في المدينة)، بسبب ما قيل إنها معلومات استخبارية تفيد بقرب وقوع هجمات إرهابية في مدينة اسطنبول.
وعلى الرغم من عدم وجود إعلانات رسمية أو تأكيدات لهذه التحذيرات إلا أن الخوف بات يسيطر على شريحة واسعة من السكان والأجانب، في حين تناقلت وسائل اعلامية معلومات من أن بعض السفارات العربية قدمت «نصائح» إلى مواطنيها المتواجدين في تركيا بتجنب «الأماكن الحساسة» فترة قبل الانتخابات وأثنائها والنأي بالنفس عن الاقتراب من أي تجمعات سياسية أو انتخابية خلال هذه الفترة.
يعد الاقتصاد التركي من بين اسرع الاقتصادات نمواً في العالم، و نظرًا للنمو الثابت الذي شهده الاقتصاد التركي، ارتفعت مستويات المعيشة بشكلٍ ملحوظ. وقد ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي من مستوى 4,565 دولارًا أمريكيًا في عام 2003 إلى 10,404 دولارًا أمريكيًا في عام 2014. حسب تقرير لمعهد الاحصاء التركي ( TurkStat) ).
هذا بالإضافة الى المشاريع العملاقة قيد التنفيذ كالجسر المعلق الثالث الذي يربط بين الجانبين الاسيوي والاوروبي اضافة الى القناة المائية الرابطة بين القارتين، ومشاريع اقتصادية عملاقة اخرى يجري تنفيذها استعداداً للوصول الى مئوية تأسيس الجمهورية التركية في 2023 وفق ميثاق حزب العدالة والتنمية للنهوض بتركيا.
فهل سيقف الناخب التركي امام الانجازات الاقتصادية والنمو المتسارع لكافة المجالات في بلادهم، ام ان حدة الإستقطابات ستؤثر على قراره في التصويت .. الى ذلك الوقت ستكون كل الخيارات مفتوحة ..!