الساعة 7:45 صباح الاثنين الماضي كان الشاب عثمان علي نعمان الصلوي، وقد حشا نفسه بالمتفجرات، يتربص كالأبله بصيد ثمين. كان هذا الصيد هو سفير ثاني أكبر الدول حماسا في الحرب على ما يسمى الإرهاب، البريطاني تيم تورلوت، البالغ من العمر 52 عاما، والذي يشغل هذا المنصب منذ العام 2007، وقد اعتاد على التهديدات في المنطقة، حيث كان سابقا يشغل موقع الرجل الثاني في السفارة البريطانية في بغداد، حسبما يقول مراسل بي بي سي في القاهرة كريستيان فريزر. بحسب شهود عيان، كان الصلوي يقف ببزته الرياضية قبالة حديقة برلين في منطقة نقم مديرية شعوب، حينما كان تورلوت في طريقه إلى مقر سفارته الواقع في شارع ظهر حمير. ويعتبر هذا الطريق هو خط السير الوحيد الذي يسلكه موكب السفير البريطاني يومياً وصولاً إلى مقر السفارة بصنعاء.
ما إن اقترب موكب السفير، الذي كان يتألف من سيارتين دبلوماسيتين وسيارة حراسة تابعة للشرطة اليمنية، حتى هاجمه الانتحاري الذي كان يركض من الطريق المؤدي إلى سوق نقم، ودوى انفجار ضخم لكن بعد بضع ثوان حين كان الموكب قد ابتعد إلى مسافة مكنته من النجاة، بينما تطايرت أشلاء الانتحاري في أنحاء المكان. أصيبت امرأة ورجلان، كانوا يمرون على مقربة من الحادث، بجروح وصفت بالمتوسطة، وتم نقلهم إلى مستشفى الثورة لتلقي العلاج. وتحطمت سيارة كرسيدا كانت مركونة بمحاذاة الخط.
كان الانفجار من القوة بحيث لم يعثر على رأس الانتحاري إلا على سطح منزل يفصله عن مكان العملية 3 منازل. وزارة الداخلية قالت إن "العملية الإرهابية الفاشلة التي استهدفت السفير البريطاني بصنعاء تحمل بصمات تنظيم القاعدة". طوقت الشرطة اليمينة موقع الانفجار ومنعت الصحافيين والمصورين من الاقتراب.
وأكد المركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية ما ذهب إليه شهود العيان في حديثهم ل"المصدر أونلاين" عن إن الانتحاري كان يرتدي زياً رياضياً حين "اعترض موكب السفير أثناء مروره في الثامنة من صباح اليوم أمام حديقة برلين في منطقة نقم بمديرية شعوب بأمانة العاصمة، ثم قام بتفجير نفسه أمام الموكب".
مساء الإثنين، أعلنت الداخلية أن الأجهزة الأمنية تمكنت من كشف هوية الانتحاري الذي استهدف موكب السفير البريطاني. وأضافت "أنه شاب في ال22 من عمره ويدعى عثمان علي الصلوي من مواليد محافظة تعز عام 1988، طالب في الثانوية العامة".
من جهته، نقل موقع الجيش عن مصادر أمنية قولها "إن المعلومات الأولية تفيد بأن الإرهابي الصلوي كان قد تلقى تدريباته في محافظة مأرب ونفذ عمليته بحزام ناسف أدى إلى تناثر جسده أشلاء ممزقة، وتم التعرف عليه من خلال وجهه, ونفذ عمليته وهو يرتدي زياً رياضياً في مكان تجري فيه أعمال إنشائية".
وقال المصدر إن 3 أشخاص أصيبوا في التفجير الانتحاري وهم: امرأة تدعى " فيروز عبدالله البراق" واثنين من المواطنين هما: علي صالح اللحجي ونعمان الحماطي, مؤكداً أن إصابة الثلاثة طفيفة وقد تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ولفت المصدر إلى أن أجهزة الأمن تقوم حاليا بتحقيقات مكثفة، لكشف ملابسات التفجير الانتحاري الإرهابي، وجمع مزيد من المعلومات حول منفذه في ظل وجود مؤشرات عن أن هذه العملية تحمل بصمات تنظيم القاعدة. وقال إن العملية تعبر عن حالة اليأس التي أصيبت بها العناصر الإرهابية بعد الضربات الاستباقية الموجعة التي تلقتها في أوكارها خلال الفترة الماضية على يد أجهزة الأمن.
وذكرت المعلومات أن الصلوي من سكان حي مسيك في العاصمة صنعاء، وهو من أكثر الأحياء التي ينشط فيها تنظيم القاعدة. ونقل "نيوزيمن" عن مصادر أمنية أن السلطات شنت حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من المشتبهين بالوقوف وراء العملية بمديرية شعوب منطقة مسيك.
مصدر دبلوماسي في السفارة البريطانية أكد ل"المصدر أونلاين" أن السفارة البريطانية في صنعاء أغلقت أبوابها، وأنها "ستظل مغلقة حتى إشعار آخر على خلفية هذا الحادث".
من جهتها أكدت الخارجية البريطانية رسمياً تعرض موكب سفيرها لدى اليمن، تيم تورلوت، لهجوم انتحاري، وأنه لم يصب بأذى ولا أي من الرعايا البريطانيين. وقالت الخارجية البريطانية في بيان لها: "لقد وقع انفجار صغير بالقرب من سيارة السفير، لكنه لم يصب بأي أذى.. كذلك لم يصب في الحادث أي موظف من موظفي السفارة ولا أي شخص من الرعايا البريطانيين."
وأشار البيان إلى أن السفارة ستغلق أبوابها وستبقي أبوابها مغلقة في وجه العامة في الوقت الحالي. ونصح الرعايا البريطانيين في اليمن بتوخي الحيطة والحذر، مؤكداً أن بريطانيا تجري تحقيقات مع السلطات اليمنية حول الحادث.
على صعيد متصل، دان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند الهجوم الانتحاري مؤكداً انه لا يساهم سوى في ترسيخ إرادة لندن في مكافحة الإرهاب. وقال ميليباند في بيان: "أدين الاعتداء الذي استهدف صباحا في صنعاء السفير البريطاني في اليمن".
وأردف: "لحسن الحظ لم يصب تيم والعاملون في السفارة بجروح. أهنئهم على مهنيتهم وكذلك السلطات اليمنية التي تحركت بسرعة وهدوء لمواجهة الوضع". وتابع: إن "حادث اليوم لا يزيدنا إلا تصميماً للعمل بتعاون وثيق مع الحكومة اليمنية لمحاربة الإرهاب الدولي".
وكانت السفارة البريطانية في صنعاء قد أغلقت أبوابها في الثالث من يناير الماضي لمدة 3 أيام لأسباب أمنية، وهو إجراء اتخذته العديد من السفارات الغربية آنذاك مثل السفارة الفرنسية والأمريكية.
وفي وقت لاحق، احتضنت العاصمة البريطانيا مؤتمراً حول اليمن بهدف "توفير الدعم التنموي والأمني، بما يعزز قدراته على مكافحة الإرهاب ومواجهة تلك التحديات وتحقيق الاستقرار والتنمية والتقدم". وأوضح رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، حينها أن اليمن بلد مهم للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وكان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، قد قال في حديثه لمجلس العوم البريطاني إن الأوضاع في اليمن تظل "مثار قلق"، مشيراً إلى أن هذا الأمر بدأ بالتطور بصورة مقلقة منذ 18 شهراً.
قبل شهرين، أصدر الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة بالجزيرة العربية،" السعودي سعيد الشهري، تسجيلاً صوتياً دعاها فيه إلى استهداف المصالح الغربية المنتشرة في الجزيرة العربية، وطالب بالاستعداد لحرب مقبلة تستهدف التنظيم في اليمن بمشاركة أمريكية غير مباشرة.
وكشف الشهري اهتمام القاعدة بالسيطرة على مضيق باب المندب، معتبراً أن ذلك "سيغلق الباب ويضيّق الخناق على اليهود،" ودعا المسلحين في اليمن إلى مواصلة القتال بموازاة نظرائهم في اليمن لتحقيق ذلك، وشن هجوماً عنيفاً على الحكومات المصرية واليمنية والسعودية بدعوى "دعمها للصليبيين".
لكن العملية الانتحارية التي استهدفت السفير البريطاني تيم تورلوت أمس في صنعاء لم تزهق سوى روح صاحبها. يشار إلى أن هذا الاستهداف يعد الثاني من نوعه خلال عامين، حيث فجر انتحاري نفسه أثناء مرور موكب دبلوماسي كوري جنوبي على خط مطار صنعاء في منتصف مارس من العام الماضي، ولم يسفر الانفجار عن وقوع ضحايا من الموكب.
في السنوات الأخيرة بات انتحاريو تنظيم القاعدة يخطئون أهدافهم. وإذا كان السفير البريطاني لم يصب بأذى فهذا لا ينم عن نجاح أمني بقدر ما يبرهن على مدى الخلل الكبير الذي أصاب تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة بعد تحطم صورته الأخلاقية في الأوساط الشعبية بسبب ارتفاع حصيلة ضحايا عملياته من اليمنيين والأجانب الأبرياء المرة تلو الأخرى.