الحقيقة : ستحتاج المقاومة في تعز الى التنظيم الدقيق لكي تعرف تماما على أي أرض تقف، والى أخذ الحيطة اللازمة وترتيب ملف الجهاز الامني بصورة سريعة لا تحتمل التأخير. يبدو ان مدير الأمن عبدالواحد سرحان يبذل جهدا أكبر من طاقته، يفتقد للإمكانيات والأفراد، ويواجه خذلانا من البعض ..
هذا ما عرفته من مصادر ثقة، رغم انني كتبت مع فاجعة اختطاف الزميل حمدي البكاري ورفاقه، منتقدا، اداء اللجنة التي يرأسها.
ما عرفته ان الرجل يقود بنفسه مهام القبض على أخطر العصابات وهو بنفسه قاد عملية البحث والتحري عن خاطفي الزملاء، حتى ضيقوا عليهم الخناق، فأضطروا لإطلاقهم والقائهم بالقرب من قلعة القاهرة، لكنه بلا جهاز يسانده على الأرض.
لستُ بصدد الحديث عن واقعة خطف الزملاء، وعلى اللجنة الامنية مسؤولية كشف تفاصيل ما جرى للرأي العام.
المقاومة فعل شامل، يستوجب تأمين المناطق المحررة، والقيام بمسؤولياتها في مختلف المجالات.. لكي نرى خطوات فعلية على الأرض ، ستحتاج المقاومة الى الى تعبئة شاملة في المدينة وتشكيل لجان من ابناء الحارات والاحياء نفسها، يجب ان يكون هناك حالة إسناد إجتماعي للمقاومة في المناطق، يأخذ طابعا تطوعيا، وهذا النوع من العمل لا يستطيع القيام به سوى جماعات على قدر من التنظيم.
في رمضان الفائت قدم ناشطون وصحفيون، وكنتُ أحدهم، مبادرة مكتوبة، الى قيادة المقاومة الشعبية وفروع الأحزاب لترتيب الوضع الأمني في المدينة، ولم يلتفت اليها أحد.
المقترح لا يكلف مالا ويعتمد على فكرة تنشيط المسؤولية الاجتماعية، للجميع، ونشر ثقافة التطوع، إذ أنها ستجعل المجتمع في حال يقظة وجاهزيةدائمة ، تمثل بصورة أو أخرى تغطية لظهر المقاومة المنتشرة في الجبهات، واداة امنية مؤقتة لملئ الفراغ الأمني، حتى يتم ترتيب هذا الملف الجوهري.
إستمرار الأداء على هذا النحو، سيشكل ثغرة للإختراقات الأمنية، وسنصحو دوما على سلسلة فواجع . يجب ان يشكل الملف الامني المهمة الأكثر الحاحا في لائحة أولويات المقاومة، واهميته تسبق حتى استكمال تحرير المحافظة.
فطرد ميليشيات صالح الحوثي، قد تكون العقدة الأسهل،رغم الصعوبات التي شاهدناها طوال الفترة الماضية، بالنظر الى التحدي الأمني الجسيم. لدينا شواهد كثيرة في مناطق محررة، ظلت خلالها ساحة للإضطرابات والخروقات الامنية الفادحة . علينا ان ندرك أيضا، أن كل شيئ سيبدأ من الصفر، فلم يكن لدينا أجهزة دولة بقدر ماكانت خلايا عصابات. لا أجهزة أمن ولا شرطة ولا بحث ولا استخبارات، تماما كماهو حال المحافظات الجنوبية.
ما كان قائما هو جزء من ميليشيات صالح، يقاتلون الآن في مواجهة المدينة وأهلها، كأجهزة صُممت لتكون اداة عصابات وجريمة بيد مجرم على قدر عال من الاحتراف وحلفه الطائفي.
من حسن الحظ أن تعز تتوفر الآن على نواة لأجهزة يجب أن تسند بكل الامكانيات المطلوبة لبناء جهاز أمني كفوء متعافي من مخلفات عفاش وعصابته ومنظومة فساده، لأن بسط سيطرة الجيش الوطني والأجهزة الأمنية المفترضة على المحافظة والمؤسسات الحكومية هي المهمة الأصعب.
في البداية كان وجود المقاومة كتشكيلات مسلحة غير نظامية أمر واقع فرُض على المحافظة للدفاع عن نفسها امام غزاة وعصابات إجرامية، لكن قرار استيعاب المقاومة في الجيش واجهزة الامن، يسهل المهمة الى حد ما، في تسريع وتيرة الانتقال الى المرحلة الأهم: إجراءات بناء الدولة.
هناك ما يطبخ للمحافظة، قد يكون الأسوأ، والميليشيات الحاقدة على تعز، لن تتركها تهنأ بأي فرصة للحياة الطبيعية،كما فعلت في محافظات كثيرة،عبر أذرعها وشبكتها التخريبة الواسعة.
مع ذلك فالكثير من المثابرة والعمل المخلص، يمكن ان يثمر انتقالة سلسلة ،لن تخلو من المنغصات، لمغادرة مرحلة الميليشيات والجماعات المسلحة، لتحقيق نموذج بحجم تعز التي نتحدث عنها باعتبارها حاملة مشروع الدولة المنتظرة.
الطريق ليس سهلا، لكنه ليس مستحيلا ولا صعبا الى ذلك الحد الذي يخامر بعض المترددين.