تحتفي دول الخليج أخيراً بمشهد وحدوي جديد، يتصدر فيه عربي وحيد الترشح لأهم المؤسسات الدولية، في مصلحة جامعة توحد الكلمة وتجمع الجهود. فقد سحب اليمن، يوم الاثنين، مرشحه لمنصب المدير العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، أحمد الصياد، لمصلحة حمد الكواري، مرشح دولة قطر، في مبادرة جاءت رغبة في توحيد الصف الخليجي، وانطلاقاً نحو توحيد الصف العربي "لأن تعدد المرشحين العرب لهذا المنصب الدولي الهام قد يؤدي إلى فشل الجميع، كما تؤكد التجارب الانتخابية السابقة". والمشهد ليس كما كان سابقاً، فهذه المعركة الكبيرة باتت تحظى باهتمام أكبر من قبل قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ليقود المنظمة من هو عربي الهوى خليجي الهوية. وانطلاقاً من أهمية هذا الدور الأممي، أعلن مجلس التعاون الخليجي دعمه ترشح الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، المستشار الثقافي لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لمنصب مدير عام اليونيسكو. وفي ظل تطور الأحداث على الصعيد العالمي، لا ينكر أحد أهمية أن تقود اليونيسكو شخصية عربية، أياً كانت جنسيتها، شرط تميزه بالانفتاح على الغير، واستيعابه لثقافات العالم؛ الأمر الذي يتطلب قدرات وملكات تؤهله لذلك. والدعم الذي أولته دول مجلس التعاون الخليجي في تزكية الكواري كان ذا دلالة قوية على إدارة قادة دول المجلس الصراع بمهنية واحتراف، وقراءة معمقة للواقع، فالمنصب لن يكون عزيز المنال حال توحد الكلمة، برغم التنافس الشرس مع مرشحين آخرين. والمصلحة الخليجية الجامعة كانت المحرك الأول لاتخاذ مثل هذا القرار، والشعور بأن مجلس التعاون الخليجي هو البيت الجامع لدوله، كما أن المناصب الدولية باتت حاجة ملحة تسعى إليها دول المجلس جميعاً. - من هو الكواري؟ يتميز الكواري بحضوره الدولي الكبير؛ فالرجل يتقن الإنجليزية والفرنسية بالإضافة إلى لغته الأم "العربية"، ودرس الفلسفة السياسية في جامعة السوربون بفرنسا، ثم العلوم السياسية في جامعة ستوني بروك بولاية نيويوركالأمريكية. وشغل الكواري مناصب عديدة؛ أهمها سفيراً لقطر في سوريا، ثم فرنسا، وسفيراً غير مقيم في اليونان وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا، ثم بحلول 1984 تولى منصب ممثل قطر لدى اليونيسكو، إلى أن تولى منصب مندوب بلاده في الأممالمتحدة حتى عام 1990، تلا ذلك قرار أميري بتعيينه سفيراً لقطر في واشنطن حتى 1992، ثم عاد ليتولى وزارة الإعلام والثقافة بقطر منذ 2008. وفي 19 فبراير/شباط الماضي، التقى في باريس ممثلون عن 58 بلداً من أعضاء "منظّمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم" (اليونيسكو) الفائزون بعضوية مجلسها التنفيذي، وهو أعلى هيئة منبثقة عن المؤتمر العام للمنظّمة، للتشاور غير الرسمي حول انتخاب مدير عام جديد لليونيسكو خلفاً لمديرتها الحالية، إيرينا بوكوفا، التي تنتهي ولايتها قبل منتصف العام المقبل. وسيكون من بين المشاركين في الاجتماع مندوبون من ستّة بلدان عربية تتمتّع بعضوية المجلس حالياً؛ من بينها مصر وقطر اللتان ظهرت بوادر تنافسهما في وقت مبكر، بما قد يؤثّر على فرص العرب في الحصول على المنصب. وكانت مصادر مصرية قالت مؤخراً إن مصر تستعد لتقديم مرشح لمنصب المدير العام لليونيسكو خلفاً لإيرينا باكوفا بشخص إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية. وقالت المصادر إن اختيار سراج الدين من قبل وزير الخارجية، سامح شكري، يأتي بعد جدل طويل داخل الخارجية المصرية حول الاسم الأنسب للترشيح وتمثيل مصر، بين السفيرة مشيرة خطاب ومندوب مصر الحالي في اليونيسكو محمد سامح عمرو. وأحمد الصياد كان اللاعب العربي الثالث وهو فرنسي من أصل يمني، وكان يتمتّع بقبول دولي خارج نطاق التوازنات العربية، وقبل أن ينسحب، بدأ يتردّد اسمه في أروقة المنظّمة لطول ارتباطه بها، وهو مديرها العام المساعد السابق الذي ترك المنظّمة عام 2013، ثم سرعان ما عاد إليها سفيراً لليمن فيها. - تخوف من المماحكات رأى متابعون أن التنافسات أو بمعنى أدق المماحكات العربية، حالت دون أن تتمكن البلدان العربية من إنجاح أي مرشح عربي للفوز بالمنصب سابقاً؛ ممّا أدى إلى إسقاط عدة شخصيات عربية؛ من بينهم وزير الثقافة المصري السابق في انتخابات 2009 التي فازت فيها المديرة الحالية، وقبله الوزير السعودي الراحل غازي القصيبي في انتخابات 1999 التي فاز فيها الياباني كويشيرو ماتسورا. ولا تتجاوز الأصوات العربية 10% من إجمالي أصوات المجلس التنفيذي، ومن ثم فإنه كان يتعين عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار توحيد الجهود، ومنع التنافس العربي العربي على المنصب أملاً في الفوز بالمنصب الدولي. - آلية الاختيار وعادةً ما يكون دور المجلس التنفيذي هو الاختيار من بين المرشحين، في حين يترك لمؤتمر اليونيسكو قرار التعيين، إلا أنه لا يرفض ما يوصي به المجلس. وينتخب المؤتمر العام المدير العام لليونيسكو لولاية أربع سنوات، ويمكن إعادة انتخابه لولاية ثانية مرّة واحدة. أما في السابق، فكانت مدة ولاية المدير العام ستّ سنوات، ويمكن تجديدها لستّ أخرى. وتدار معركة شغل مقعد مدير عام منظمة اليونيسكو على مراحل وبتعقيد، حيث تبدأ بمفاوضات من وراء الستار، يتخللها تعقيدات إجرائية تناسب أهمية موقع مدير عام المنظمة، ثم يجري أعضاء المجلس التنفيذي الثمانية والخمسون لليونيسكو مقابلات مع كل المرشحين، وعقب انتهاء المقابلات، يجري المجلس مناقشات في جلسة خاصة، ثم يتم التصويت بالاقتراع السري وبالأغلبية البسيطة في جلسة سرية لها أيضاً، ثم يتم الإعلان عن النتيجة النهائية. ولكل مرشح ساعة على الأكثر في مقابلته الشخصية؛ تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يقدم المرشح عرضاً شفهياً مدته 20 دقيقة، وفي القسم الثاني يعطى 30 دقيقة للإجابة عن ستة أسئلة يطرحها أعضاء المجلس، حيث يفترض ألّا يستغرق في إجابته عن كل سؤال أكثر من دقيقتين. وتطرح الأسئلة بإحدى لغات عمل المجلس، ويجيب عنها المرشح بالإنجليزية أو الفرنسية.