عبد الخالق بن شيهون النائب في البرلمان اليمني، شخصية برلمانية تتسم بالهدوء والبعد عن الأضواء, وهو إلى جانب كونه ينتمي للإصلاح فهو أيضا رجل أعمال يتنقل بين اليمن والسعودية لممارسة تجارته وزيارة أهله المقيمين في السعودية. في الآونة الأخيرة وبسبب مشاركته في أسطول الحرية الذي منعت إسرائيل دخوله إلى قطاع غزة، ظهر اسم بن شيهون كأحد صناع الحدث الذي أشعل العالم بأسره كونه أمير الفريق اليمني الذي يضم إلى جانبه زميليه كتلة الإصلاح بالبرلمان محمد الحزمي وهزاع المسوري... "المصدر أونلاين" أجرى معه هذا الحوار عقب عودته من إسرائيل، حيث تم احتجازه ضمن قافلة أسطول الحرية، فكان التالي:
كيف بدأت الفكرة؟ بدأت الفكرة في قاعة مجلس النواب, حيث أبلغني الشيخ هزاع المسوري والشيخ محمد الحزمي بنيتهما السفر مع أسطول الحرية الذي سينطلق من تركيا إلى غزة، وشجعاني وأقنعاني بضرورة السفر فاقتنعت على الفور, لما لهذا العمل العظيم من أجرٍ وفائدة علينا وعلى الشعب الفلسطيني المحاصر.
هل كانت هناك شروط معينة لقبول أي مشارك في القافلة؟ ربما المطلوب برلمانيين من أجل الحصانة وليس هناك أي شروط حسب علمي, ولم تكن عندي فكرة مسبقة إلا حينما طلب مني الخروج بنفسي وعلى حسابي, فكان ما كان والله يتقبل.
حدثنا عن شعورك في تلك اللحظة التي طلب منك فيها ذلك الأمر؟ والله.. طرت من الفرح بكل شوق ولهفة, وشعرت لحظتها بطمأنينة وفرح شديد وعلى الفور اتصلت بالأهل ليرسلوا بالجواز ويتواصلوا مع الخارجية وقطعت التذاكر من الخطوط الجوية التركية وجهزت مؤونة السفر,وكل ذلك خلال ست ساعات وفي الساعة 2,5 بعد المنتصف غادرنا صنعاء لنصل إلى اسطنبول الساعة السادسة صباحاً.
كيف كانت استعداداتك غير المادية خصوصاً وأنت في سفر ربما لا عودة معه؟ نعم كانت هناك استعدادات نفسية وتهيؤ للسفر وشوق إلى الأراضي المقدسة الطاهرة.
في الطائرة التركية لمدة 3,5 ساعات ونصف بماذا كان يفكر عبد الخالق بن شيهون؟ في الطائرة كان الشوق يلازمني, والأمل يحدوني للقاء الأحبة الصامدين في غزة أبو العبد هنية وإخوانه المقاومين. ولم يكن تفكيري يرجع إلى الوراء بحمد الله وكنت قد اتصلت بأهلي في صنعاء وكذا الأهل في السعودية بسفري إلى تركيا فقط, وعندما عزمنا إلى فلسطين أوصيت لأهلي بأنه ربما لا رجعة فليصبروا وليحتسبوا.
مع من كان التنسيق في تركيا؟ الذين نظموا الرحلة هم جمعية (IHH) الخيرية الإغاثية العالمية بقيادة الرجل العظيم بولاند يلدرن رئيس الجمعية, ولم نتحرك في تركيا سوى للبحث عن سكن قام بتوفيره الأخ عبد الحكيم القطيبي (من الرضمة- إب)، وإلا ما نصحنا به الأستاذ زيد الشامي بزيارة قبة بانوراما السياحية التاريخية الفريدة التي تتحدث عن بطولات الفاتحين كمحمد الفاتح.
كم مكثتم في اسطنبول؟ مكثنا 5 أيام ثم غادرنا إلى انطاليا بالطائرة وجلسنا فيها يومين في فندق، وكانوا قد استأجروا فيها قاعة رياضية كبيرة لمن أراد أن يسكن مجاناً حيث كان أغلب المشاركين يقيمون فيها, وقد عقدنا فيها عدة اجتماعات وألقى الشيخ محمد الحزمي كلمة في حفل الافتتاح بالنيابة عنا وعن اليمن.
من كان مسؤولكم الثلاثة؟ أنا.
ما الذي سجله بن شيهون في أنطاليا من ملاحظات قبل انطلاق السفينة؟ لا أستطيع أن أنسى مواقف الأتراك رجالهم ونساءهم وهم يتفاعلون مع الأسطول ويودعونه بدموعهم وبكائهم الحار وبشكل كبير لا يكاد يصدق, كما لا أنسى أن أسجل احترامي للقائد بولاند قائد الرحلة, وذلك الفلسطيني المنفي من صحراء النقب- 84 سنة- يسبق الشباب قوة وعزيمة، وكذلك مطران القدس المسيحي 84 سنة الذي نفي من فلسطين بتهمة تميل المقاومة بالسلاح والذي جاء مع الأسطول في هذه السن لتطأ قدماه تراب الأقصى قبل أن يموت كما قال هو.. وكذا الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر, ووليد الطبطبائي (الكويت) والنائب في الكنيست الإسرائيلي حنان زغبي، وزملاءنا البرلمانيين العرب والأوروبيين المشاركين في مشهد أخوي قل أن نجد له مثيل.
من الذي أستأجر السفينة؟ السفينة بكل عدتها وعتادها ومؤنها وخدماتها الراقية جداً، كانت على حساب الأتراك بما يقارب المليون دولار.. أما باقي السفن فكانت قادمة من دول أخرى أوروبية وواحدة من الكويت.
كم مكثتم في البحر؟ 4 أيام.
هل لنا بمشهد من مشاهد الرحلة البحرية؟ نعم أخذنا نحن اليمنيون مواقعنا المحددة لنا فكنا بجوار الشيخ رائد صلاح الذي أعطى الرحلة حماسا وقوة ونشاطا، كما غلب على الرحلة البحرية والبرية طابع الأخوة، المسلمون مع بعضهم من جهة ومن جهة أخرى مع غيرهم في تلاحم عجيب... السمرات, الأناشيد, الاجتماعات، وغيرها.
كم نسبة النساء المشاركات والأطفال؟ النساء حوالي 25% من المشاركين من مختلف الجنسيات والأديان وكان معنا أطفال من ضمنهم ابن قبطان السفينة، كان عمره لا يتجاوز سنة وأربعة أشهر، وهو الذي هدد الجنود الصهاينة بتفجير رأسه إذا لم يوقف والده السفينة.
ما الهاجس الذي كان يسيطر عليكم طوال الرحلة البحرية؟ هاجس الوصول كان هو المسيطر علينا, أما العودة فكنا لا نرغب بالعودة -إذا كتب الله ذلك- إلا عبر مصر لأن السفر عبر البحر والرجوع إلى تركيا بنفس السفينة صعب جداً.
حدثنا عن وقت الهجوم؟ قبل الهجوم قررت قيادة السفينة وهم من تركيا أن نجتمع, وأخبرونا في الاجتماع أن الهجوم محتمل تقريباً الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وأن علينا ارتداء سترات السباحة تحسباً لإغراق السفينة وأعني هنا السفينة التركية الأم أما بقية السفن فقد تمت السيطرة عليها بسهولة.
ماذا كانت خطتكم للدفاع عن أنفسكم؟ الإخوة الأتراك اقترحوا أن يكونوا هم النسق الأول للدفاع (يعني في سطح السفينة) ونحن العرب النسق الثاني, وطبعاً نحن رفضنا ذلك وقلنا لهم لم نأت هنا لنكون في النسق الثاني, نحن خرجنا مبايعين الله على عدم التراجع للخلف, لكن الأتراك كانت لهم وجهة نظر أخرى تتمثل في أن لديهم دولة قوية تحميهم وتدافع عنهم الخ.
هل كان لديكم سلاح؟ لا.. ليس معنا سلاح..
ما الذي جرى بعد ذلك؟ الهجوم طبعاً تأخر حتى الركعة الثانية لصلاة الفجر, حينها كنت أنا ضمن الذين عليهم الدور للحراسة, وكنت متعباً جداً, ورغم أن أحد الإخوة الأردنيين عرض علي القيام بمهمتي وأنا أذهب للنوم بالتناوب, لكني رفضت حتى لا أحرم من المشهد الذي لطالما انتظرناه!! وبالفعل لم نتمكن من عقد جماعة أخرى لصلاة الفجر غير الأولى التي كان إمامها الشيخ هزاع تقريباً أو الشيخ رائد صلاح وفوجئنا بإنزال الجنود عبر الحبال الإسرائيليين؟
هل كان ذلك طعماً للهجوم على السفينة؟ ربما يكون كذلك.
وهي أول مرة تشاهدون فيها جنودا إسرائيليين على الطبيعة؟ نعم, ورغم أنهم كانوا يبكون ويصرخون عندما أسرنا أربعة منهم إلا أن منظرهم وهم مدججون بتلك الأسلحة والمؤن كان مخيفا ومرعبا ولأول مرة أحس بقسوة ذلك على إخواننا الفلسطينيين, تصور أن كل واحد منهم يحمل رشاشا بثلاث مواسير كل ما سورة تطلق نوعاً من الرصاص.
مواقف صعبة شاهدتها؟ لا أصعب من موقف الشهداء الأتراك الذين لقوا مصيرهم بين أيدينا عبر إطلاق الرصاص على رؤوسهم، حيث كان الجنود يوجهون أشعة الليزر إلى الرأس ثم يطلقون الرصاص من فوق قواربهم. وأصعب من ذلك عندما جاءت امرأة تركية ورأت زوجها مضرجا بدمائه فجلست إلى جانبه بكل هدوء والكل يشاهد المنظر ثم فتحت المصحف ونظرت إلى وجه زوجها وخاطبته بالتركية قائلة (والله لن أسقط عليك دمعه واحدة أبداً, لقد نلت ما كنت تتمناه فهنيئاً لك) وبدأت بقراءة القرآن ونحن من حولها نبكي لهذا الموقف الأليم.
باختصار هل لك أن تصف المعاناة التي واجهتموها بعد استيلائهم على السفينة؟ نعم, وقد شرحنا ذلك في قاعة أبوللو أمام الجماهير الهائلة التي حضرت لاستقبالنا, ومنها أنهم قيدونا وربطوا أيدينا إلى وراء ظهورنا ومنعونا من الأكل والشرب والبول وسجنونا في أكثر من سجن، وكان عدد الجنود هائلاً وفي ميناء أسدود الصهيوني مارسوا العنف ضدنا بالفعل والقول الخشن وسوء المعاملة ومنها كذلك معاملتهم للنساء والأطفال, وسرقوا كل ما معنا من متاع وأموال واستمر ذلك عدة أيام وكانت هذه أول تجربة – أصدقك القول – مع هؤلاء اليهود المحتلين الغاصبين, ووصل بهم الأمر إلى حشرنا في زوايا ضيقة أسفل السفينة وأوقفوا التكييف ولا أراك الله شراً فيكفي أن أصوات الرشاشات والآلات العسكرية والضرب والإطلاق لم يكن يتوقف لكن ذلك لم يوهن من عزمنا وبإذن الله سنعود من هنا من اليمن بإذن الله تعالى.
ما الذي تنوون فعله الآن؟ هذه الجماهير التي فاجأتنا باستقبالها لنا في مطار صنعاء لا كأشخاص لكن كرمزية لاحترامهم وتقديرهم وحبهم للقضية الفلسطينية الأمر الذي يجعل من هذه الجموع الهادرة مصدر دعم لتأسيس شريان الحياة الذي سنؤسس له خلال الأشهر القادمة وبإذن الله سنفك الحصار عن غزة الصامدة. والبوادر بدأت منذ اجتماع أبوللو حيث جمعنا ما يقرب من 20 مليون في بضع دقائق.
كلمة أخيرة.. أشكر «المصدر أونلاين» على اهتمامه ومتابعته الدقيقة لقضيتنا ونأمل أن نجد تفاعلاً أكثر في قضية الدعم لشريان الحياة والله يتقبل من الجميع.