كنا في المدرسة نرتاح لأستاذ الفلسفة، أسلوبه جذاب، ويفكك المواضيع المعرفية التي تصدع رؤوسنا، بلهجة ريفية صرفة، ولا يبقي من الفلسفة غير القليل من بينها، أسماء الرواد الأجانب. كان يناقش مسألة الوجود وعلله، الشك واليقين، المشائين ولا ينسى أن يمشي مثلهم وهو يشرح الدرس، ولتبسيط المعرفة المتشابكة والمعقدة، يظهر توجيه الأستاذ في اللحظات العويصة على رؤوسنا: "الفلسفة سهل، بس انتم لا تحسبوهاش معقدة، لو تشوفوا الفلاسفة ناس عاديين بس معاهم قعشات". وكان في أي موضوع يطرقه، لا بد للعالم العربي والإسلامي أن يحضر للتأكيد على أن عقول العرب كانت تعمل وأفادت العلوم. إلتقيت، مطلع الأسبوع، بالأستاذ بعد سبع سنوات. وللعلم كان الأستاذ من أنصار حزب المخلوع زمن الأمجاد الزائفة لحزب المؤتمر. في هذه الجلسة، كان النقاش يدور حول القحط في البلاد وصلاة الاستسقاء، وكان أبرز ما قاله أستاذ الفلسفة، أن صلاة الاستسقاء التي يؤديها أهل منطقته فيها خلل، إذ لا بد من اصطحاب البهائم والأطفال إلى المصلى. الله سيرحم الأطفال والبهائم، أما نحن فكما قال أحد الشيوبة مؤيدًا حديث الأستاذ: "كلب يقتل كلب وقلوبنا نار". لا رابط بين الفلسفة والاستسقاء. وهذا ليس زمن الفلسفة، هذا زمن المَلازم كما استنبطت، والاستنباط من مراحل المنطق، وأستاذ المنطق والفلسفة وعلم النفس كان واحدًا، هو هذا الذي جلست معه إذ انتقلنا من الحديث، أيام الدراسة، عن فلسفة الوجود وحركات هيجل ومذهب ديكارت والقول الذائع: أنا موجود إذن الله موجود، إلى وجود "الصعب" في المصلى. الصعب في منطقتنا: هو الجحش الكبير. لقد استدرك الأستاذ بضحكة لا تخل من الجد: "معي صعب أعجف قد كمل الكراتين أكل، شاجي أنا وهو والله". حكى الأستاذ عن سفره مع جدته إلى محافظة إب، كانت عينا جدة أستاذ الفلسفة تتوجعان، وعليها قليل من الغشاوة، أخذها للعلاج، ظلت صامتة طيلة الطريق، وفي إحدى النقاط التابعة للحوثيين على مدخل مدينة إب، رأت الجدة صورة لحسين الحوثي، وبينما كان مسلحو النقطة يفحصون بطائق الركاب، نطقت الجدة مستفسرة عن صاحب الصورة: "منو هذا المقعش الملعون بن الملعون؟". هو استفسار بريء من عجوز غير مكترثة بالعواقب، بالرغم من أنها تسأل الله حسن الختام إلا أنها تريد أن يكون بصرها أكثر حدة من ذي قبل، وكأنها تريد رؤية كوارث البلاد بدقة فتاة يافعة. قال أستاذ الفلسفة إنه ضرب جدته بمرفق ساعده، كي تسكت ولا يفطن الحوثيون في النقطة لما قالته، فالملعون الذي تستفسر عنه الجدة، كان حسن الحوثي، ولم تكن قعشة رأسه قعشة فيلسوف. * مقال خاص بالمصدر أونلاين