قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لرويترز في مقابلة أجرتها معه رويترز مساء الأربعاء إن المدينة العملاقة البالغة قيمتها 500 مليار دولار التي تخطط السعودية لإنشائها ستطرح في الأسواق المالية بجانب شركة النفط العملاقة أرامكو السعودية في إطار مساعي المملكة لتنويع موارد اقتصادها وتقليص اعتماده على النفط. وأضاف الأمير محمد أن الطرح العام الأولي لأرامكو يمضي صوب هدف العام القادم وإن قيمة شركة النفط الوطنية العملاقة قد تتجاوز التريليوني دولار وهو المستوى الذي يراه بعض المستثمرين مبالغا فيه.
وإعلان الأمير المفاجئ عن إدراج مدينة نيوم، التي ستقام على مساحة 26 ألفا و500 كيلومتر مربع وتمتد إلى أراضي الأردن ومصر، هو الحلقة الأحدث والأكثر استثنائية في سلسلة من برامج الخصخصة بقيادة الطرح الأولي لأرامكو.
ويبدو أن مركز التكنولوجيا الفائقة المستقبلي هذا سيصبح مكونا رئيسيا في إطار إصلاحات لخلق فرص العمل وتشجيع رواد الأعمال والسماح بحريات جديدة للسعوديين في مجتمع محافظ دينيا وشديد الاعتماد على الدولة.
وقال الأمير محمد ولي العهد في ملكية مطلقة هي أكبر اقتصاد عربي “أول مدينة رأسمالية في العالم... هذا هو الشيء الفريد الذي سيحدث ثورة.
”بلا شك سيتم طرح نيوم في الأسواق في نهاية المطاف. أول منطقة تطرح في الأسواق العامة. يبدو الأمر كما لو أنك تطرح مدينة نيويورك“ في الأسواق.
كان ولي العهد البالغ 32 عاما يتحدث على هامش مؤتمر ”مبادرة مستقبل الاستثمار“ الذي اختتم يوم الخميس واجتذب نحو أربعة آلاف مندوب من أنحاء العالم إلى الرياض.
بدا الأمير في قمة تحمسه وهو يتحدث عن خططه للمدينة الجديدة، متنقلا بين اللغتين العربية والانجليزية، وأحيانا باللغتين في نفس الجملة.
* تركيز على النمو
تقع المنطقة بجوار البحر الأحمر وخليج العقبة وبالقرب من ممرات بحرية تجارية تستخدم قناة السويس وستكون بوابة لجسر الملك سلمان المقترح الذي سيربط بين مصر والسعودية.
وقال صندوق الاستثمارات العامة السعودي إن مدينة نيوم ستكون مملوكة للصندوق بالكامل لحين إدراجها وستجذب استثمارات من شركات في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحيوية والصناعات المتقدمة والترفيه.
وقال الأمير محمد ”لن تدرج في الأسواق حتى تختمر الفكرة بشكل كاف. قد يكون (الإدراج) بعد 2030، وقد يكون قبل ذلك، لكن الفكرة والاستراتيجية أن يتم طرحها (نيوم) في نهاية المطاف“.
ولن تتبع المدينة الجديدة القواعد واللوائح المعمول بها في بقية السعودية التي تطبق أحكام الشريعة.
فالمدينة الجديدة ستوفر لسكانها نمط حياة أكثر تحررا، إذ تسمح بإقامة الحفلات الموسيقية والترفيه في منطقة نائية من المملكة. وبدأت البلاد بالفعل في تخفيف بعض القواعد القديمة بما في ذلك حظر قيادة النساء للسيارات.
وقال الأمير محمد إن المدينة ستعين مجلس مدراء ومحافظا (مديرا تنفيذيا) مهمته الوحيدة تحفيز النشاط الاقتصادي.
وقال ”في نيويورك، المحافظ يُعَين لتلبية حاجات معينة، من بينها النمو، لكن في نيوم لن يكون المحافظ مضطرا للتعامل مع أي من تلك المشكلات، فالنمو هو كل ما يشغل تفكيره.“
وأوضح أن اسم المدينة نيوم (Neom) مشتق من كلمة (Neo) بمعنى ”جديد“ وحرف الميم أول حرف من كلمة ”مستقبل“ باللغة العربية.
والمدينة الجديدة جزء من خطة ولي العهد الطموح التي تعرف باسم رؤية المملكة 2030، والتي تهدف إلى إصلاح اقتصاد السعودية أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وتوفير فرص عمل للسكان الذي يمثل الشبان نسبة كبيرة منهم في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية منذ 2014.
لكن مسؤولين تنفيذيين كثيرين حضروا المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام وأطلق عليه اسم ”دافوس في الصحراء“، قالوا إنهم ما زالوا قلقين بشأن قدرة الرياض على تنفيذ خططها. لكن ولي العهد تعهد بقواعد وتشريعات جديدة للتغلب على مصاعب الماضي.
وأدى النظام التشريعي غير المتطور والبيروقراطية البطيئة وضعف إنتاجية العمالة إلى ردع الاستثمار الأجنبي والتسبب في إحباط الكثير من الخطط الاقتصادية السعودية في السابق. وتسبب الركود الناجم عن انخفاض أسعار النفط والسياسات التقشفية في خفض نمو القطاع الخاص ليقترب من الصفر.
*الإسلام المعتدل
يعرض الأمير محمد الإصلاحات كمسألة حياة أو موت للاقتصاد لكن أحد التحديات التي تواجه آل سعود هي موافقة رجال الدين الذين ترتكز شرعية الأسرة الحاكمة على دعمهم.
ويتخوف بعض رجال الدين من أن المبادرات الجريئة للأمير في مجالات الترفيه والسياحة إنما تنذر بتغييرات كاسحة في التعليم الذي يعد معقلا للتفكير المحافظ حيث يعتقد منتقدون في الغرب أن سيطرة رجال الدين تشجع الإسلاميين المتطرفين ليس في السعودية فحسب بل وفي أنحاء العالمين العربي والإسلامي.
ومن المرجح أن يثير الإعلان عن أن الحكومة تجري محادثات لجلب سيرك دو سوليه، وهو سيرك عالمي وفرقة للترفيه تقوم بأداء استعراضات جسدية جريئة لشبان وشابات، إلى المملكة غضب المحافظين.
لكن الأمير يمضي قدما مبديا الثقة في دعم معظم الشبان الذين يشكلون الجزء الأكبر من السكان في السعودية البالغ عددهم نحو 30 مليون شخص.
وقال الأمير على منصة المؤتمر ”نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم“.
وقال ستيفن هرتوج من كلية لندن للاقتصاد “أعتقد أن هناك رغبة بين قطاعات واسعة من المجتمع السعودي للابتعاد عن سيطرة المدرسة الوهابية القديمة المتشددة على السلوك الاجتماعي والمجال العام.
”لذا لا أعتقد أن تصريحات ولي العهد مجرد استعراض. يريد بصدق تعبئة تلك التوجهات وقد أخذ خطوات كبيرة جدا مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة وتقليص سلطات الشرطة الدينية بشدة.“
وتباطأ النمو الاقتصادي وقد ينكمش اقتصاد المملكة هذا العام مع تطبيق الحكومة لإجراءات تقشف.
وقال الأمير محمد ”الفكرة ليست إعادة هيكلة الاقتصاد بقدر ما هي انتهاز للفرص المتاحة التي لم نستغلها من قبل. لدينا طاقة كبيرة ولا نستخدم سوى قليل منها.“
أصبح الأمير وليا للعهد في يوليو تموز الماضي بعد أن عزل والده الملك أميرا أكبر منه سنا عن ولاية العرش. وقد تعهد بإحداث تحولات اقتصادية واجتماعية في السعودية.
وقال ”رؤية 2030 تخص الكثير من الفرص الكبيرة، ومن ثم أرامكو واحدة منها، ونيوم فرصة أخرى... لدينا الكثير من المشروعات العملاقة التي سنعلن عنها في السنوات القليلة المقبلة“.
وأشار إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي سيدر عوائد أعلى من صناديق الاستثمار الكبيرة الأخرى. وحققت المملكة ربحا 20 بالمئة في خمسة أشهر مع صندوق رؤية سوفت بنك، أكبر صندوق استثمار مباشر في العالم. وقال ”لهذا السبب أقمنا صندوقا قيمته 50 مليار دولار مع بلاكستون من المتوقع أن يدر 14 بالمئة ربحا.“
وقطعت السعودية وثلاثة حلفاء عرب لها العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر في وقت سابق هذا العام على خلفية اتهامات بأن قطر تدعم ”إرهابيين“ إسلاميين. وتنفي قطر تلك الاتهامات، واستعصى النزاع على جهود وساطة أمريكية.
وقال ولي العهد السعودي إن حرب المملكة في اليمن التي بدأت قبل عامين ونصف العام ستستمر لمنع جماعة الحوثي المسلحة من أن تصبح ”حزب الله“ آخر على الحدود الجنوبية للسعودية.
وقال ”سنمضي إلى أن نتأكد أن شيئا على غرار حزب الله لن يحدث هناك مجددا، لأن اليمن أشد خطورة من لبنان.“
أصبح حزب الله، الذي تسلحه إيران وتدعمه، قوة يعتد بها في لبنان وسوريا. وتشير تقارير إلى أن الحوثيين يتلقون السلاح والتدريب من إيران الخصم اللدود للرياض.
وقال الأمير محمد إن موقع اليمن استراتيجي. وأضاف “إنه يطل على باب المندب فإذا حدث شيء هناك، سيعني ذلك توقف عشرة بالمئة من تجارة العالم. ”هذه هي الأزمة“.