أشياء كثيرة ما تزال تدور خلف الكواليس على إثر المواجهات الدامية التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن (جنوبي اليمن)، أواخر الشهر الفائت، والتي دارت بين ألوية الحماية الرئاسية التابعة للحكومة من جهة، وبين قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي». ألقى «الانتقالي الجنوبي» بكل ثقله في تلك الحرب، مدفوعاً بوعد الإمارات له بالدعم حتى إسقاط الحكومة، ما كان سيمنحه نقطة التفوق التي يحلم بها في عدن، ويضفي عليه صفة الحاكم الفعلي وبضمانة أن يكون «داخل في الفائدة، خارج من الخسارة» بتعبير المثل العدني.
إلا أنه عندما لم يتمكن من إسقاط الحكومة عسكرياً، راح يعلق الآمال على وعد مماثل يقضي بدعمه حتى إسقاط الحكومة سياسياً.
ظل «الانتقالي الجنوبي» يعمل على تهيئة أنصاره للاحتفال بهذا المنجز القادم، والذي سيكون بمثابة تأكيد على جدوى تضحياتهم وأنها لم تذهب هدراً، لكن الأمر لم يمض على ما يرام.
وشعر الانتقالي أنه أمام أحد خيارين، إما الاحتجاج على الإمارات، وهو ما لا يمكن أن يفعله، وإما الاعتذار لأنصاره، وهو ما لا يشعر أنه مضطر إليه طالما والأمر يتعلق بالأنصار والمؤيدين الذين يستوي عنده رضاهم وسخطهم.
في الثامن من فبراير الجاري، خرج عضو رئاسة الانتقالي ورئيس جمعيته الوطنية «أحمد بن بريك» بحوار في صحيفة «أخبار حضرموت» التي أسسها أثناء عمله محافظاً لحضرموت.
وكان هو من اختار الصحيفة ليجري فيها الحوار ولم تكن هي التي اختارته، فالرجل يشعر بالحاجة إلى أن ينشر ما يريد وبالطريقة التي يريد، ومن هنا اكتسب حواره أهميته، ومن أهم ما فيه تأكيده على أنهم توصلوا مع وفد التحالف في المباحثات بشأن إيقاف الحرب في عدن إلى اتفاق على تغيير الحكومة.
كانت هذه الرسالة بمثابة تذكير للإمارات بالوعد المقطوع.
وأردف «بن بريك» ذلك برسالة تهديد للإمارات والتحالف عموماً، متحدثاً عن زيارة رئيس المجلس «عيدروس الزبيدي» للإمارات، والتي قال إنها تهدف لتمثيل المجلس في التباحث مع التحالف بشأن العلاقة بينهما.
وما إذا كانت تلك الزيارة تكتيكية أم استراتيجية؟ لمّح رئيس الجمعية العمومية في المجلس، للإمارات، بأن عليهم احترام المجلس والوفاء بالوعد وإلا فإن المجلس في حل من أمره، ومن حقه ألا يعتبر التحالف معهم استراتيجياً.
في اليوم التالي، خرج السفير السعودي على قناة «بي بي سي» ينفي علمه بأي شيء يتعلق بتغيير الحكومة اليمنية، موجهاً الرسالة إلى «الانتقالي الجنوبي»، ومن انطلى عليه خطابه وتهديده وحديثه عن الانتصار العظيم.
غير إن «الانتقالي الجنوبي» لا يلتفت إلى السعودية ويشخص ببصره إلى الإمارات، التي لم تلتفت إليه من جانبها ولم تظهر له أي اعتبار، تماماً كما يعامل هو جمهوره وأنصاره، بل راحت توجه إليه رسائل التوبيخ والاتهام بالفشل السياسي.
وفضّلت الإمارات - فوق ذلك - أن توصل له هذه الرسائل على لسان أحد الصحفيين المقربين من قيادتها في عدن، ولم تكلف نفسها أن تعبر عنها بلسانها، فنشر الصحفي المقرب من قيادتها بعدن «ماجد الشعيبي» مقالاً تحت عنوان، «تفوق سياسي للشرعية وانتصار عسكري للانتقالي».
واتهم الشعيبي «الانتقالي الجنوبي» بالفشل السياسي في كسب موقف المملكة، وعقد مقارنة بينهم وبين الإصلاح، الذي قال إنه كسب موقف السعودية ونجح في الحصول على دعم مباشر من ولي العهد السعودي في الجمع بين قياداته وبين الشيخ محمد بن زايد فيما فشل المجلس الانتقالي في فعل شيء باتجاه السعودية وتغيير قناعتها السلبية بشأنه.
وأشار إلى أن السعودية هي صاحبة القرار في اليمن باعتبارها من يقود التحالف الداعم للشرعية، ولا يمكن لغيرها - أي الإمارات - أن تتجاوزها، معبراً عن ذلك بقوله إن السعودية هي «من تقود التحالف العربي في اليمن، وهي أيضاً من يمكنها حماية الشرعية من أي قوة تتهدد كيانها الذي منح السعودية حقاً شرعياً للتدخل العسكري المباشر، وهذا الحق لا يمكن أن تسمح الرياض بأي نيران أن تخترق جسده..».
ذات الرسالة عبر عنها آخرون أيضا، وقد ضمّنها «نبيل عبدالله»، عضو ما سمي ب«الجمعية الوطنية» للمجلس الانتقالي في منشور له، على صفحته بموقع «فيسبوك».
وقال «حديث السفير السعودي اختبار للمجلس الانتقالي ومصداقيته، فالرجل يقول انتهت المشكلة وتم حلها وكذلك تم حل القضية الجنوبية في الحوار...للعلم حتى الآن المجلس الانتقالي يعتمد 100% على المشورة الإماراتية وما تشير به للتحرك حتى على مستوى التصريحات الإعلامية وهذه ليست هيمنة إماراتية بقدر ما هي اتكالية من المجلس، فحتى الإمارات تعاني من هذه الاتكالية وسبب لها ضغط سياسي كبير».
إذن، لم تتمكن الإمارات - حسب هذه الرسائل - من طرح المطلب على السعودية، وتشكو ضعف الإسناد السياسي من حليفها «الفاشل» بتعبير «الشعيبي»، و«الاتكالي» بتعبير عضو الجمعية الوطنية للانتقالي «نبيل عبدالله»، واضطرت أمام «صاحبة القرار» إلى التخلي عن فكرة تغيير الحكومة.
يشعر «الانتقالي الجنوبي» بالحنق وهو يتلقى هذه الرسائل، ويبادر بعض ناشطيه في التشكيك بصدق الموقف الإماراتي منهم.
وما دام يتهم الإمارات بخداعه والتنكر له، فعليها إذن أن تذكره بشيء من فضلها ودعمها الذي منحته له خلال تلك الحرب التي كادت أن ترتدّ لاقتلاعه لولا تدخلها، وتؤكد لهم عمق التحالف والهدف المشترك، وهو ما يعبر عنه الشعيبي بالاعتراف بالفشل في تحقيق الهدف السياسي المتمثل بتغيير الحكومة.
واستدرك الشعيبي عما يعتبره نجاحاً في الجانب العسكري، وقال «غير أن حزب الإصلاح خسر قوته العسكرية... هذه الخسارة مثلت أهم أهداف المجلس الانتقالي الذي يطمح بالانفراد بالمشهد العسكري».
وواصف طموح الانتقالي للانفراد بالمشهد العسكري بأنه «هو أيضاً هدف استراتيجي تحقق للإمارات».
الطرفان اثنان لكن الهدف واحد، وإذن فالقادم أكثر، ويقتضي من «الانتقالي الجنوبي» التماس العذر للإمارات، ولا بأس بقليل من الصبر الجميل.
فكما يقول الشعيبي «من المرشح أن تشهد عدن جولات إضافية قريبة قادمة».. ويبقى السؤال، هل هناك نية مبيتة فعلاً لإشعال حرب قادمة، أم أن الأمر سينقضي كالوعود السابقة؟!.