في الزمن المستعبد يبدو طبيعياً الحديث عن رق وعبودية.. إذ لا معنى للحرية عند من تسكنهم هواجس الرق أو يعيشون خارج إطار إرادتهم الحرة التي منحهم إياها الخالق سبحانه، ومن المستحيل أن تغدو الحرية أولوية طالما الزمن اللحظي يفرض شروط البقاء في دائرة العجز عن رؤية المساق الطبيعي للإنسان كإنسان. وطالما ظل عامل الزمن مشرعاً أمام مشاريع صغيرة ومجزأة تتوزعها نفوس عجزت عن أن تتسع لتلك المشاريع الكبرى التي تتوق لها الشعوب والأوطان.. هنا علينا أن نتوقف للحظة تأمل نقرأ من خلالها الوجود الحر الذي بنى مداميكه الأولى سيد الأحرار وقائد الفطرة الإنسانية الحرة محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، وسارت عليه الأمة من بعده حتى قال فاروقها يوماً "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". ثم يأتي اليوم الذي أوغل في التنكر لتلك القيم الإنسانية النبيلة ليحيل حياة البعض من الناس إلى جزئيات تستعبدها عناصر رأت أن لها الحق الاجتماعي والإلهي في اعتلاء رقاب الضعفاء من الناس، وتحويلهم إلى مسخرة وخدم على خلفية ثقافية يفترض أنها اندثرت من عشرات السنين، ومؤسف أن تظل حالات الرق والعبودية في بلد كان ضمن عداد البلدان التي انطلقت منها جيوش لتحرير الإنسانية من حالات الرق والعبودية إبان الدعوة الإسلامية والفتوحات التي انبثقت عنها.
شيء مؤسف بالفعل أن تتلاشى حالات الرق والاستعباد حتى في أماكنها الأصلية من العالم، وتهب رياحها بقوة في بلد وصف أهله يوماً بأنهم أرق قلوباً وألين أفئدة.. يصبح من العبث التفاخر بالماضي المجيد، ماضي الانتصارات، في ظل معطيات حاضر ينضح بصور شتى من حالات الرق والعبودية والرجوع إلى الخلف المنهزم الذي لا يتوالد سوى مرارات وهزائم ونكسات ومشاكل وحروب وإرهاب وغلاء وتفكك.
لا نريد مزيداً من علامات الهروب من واقع الحياة الحرة، كما لا نريد مزيداً من تقبل إملاءات وشروط تحاول أن تقربنا كل لحظة نحو مربع الذل والاستعباد. إن خلفنا عشرات بل مئات الشخصيات المؤثرة من علماء ومفكرين وكتاب ومشائخ ووجاهات ومنظمات حقوقية وقانونية، وإن لم يقف كل هؤلاء في وجه الظاهرة التي تسكن قلوب المئات من الضعفاء والمساكين في حجة والحديدة، فإن آثارها ربما تضع حرية الآخرين موضع التشكيك في حقيقة النَّفَس الحر الذي يسكن نفوسهم وقلوبهم ويكونون كمن يدعي الحرية في وسط لفيف من قيود الاستعباد.
آن للأحرار أن يتحركوا بحرية لا تقبل التجزئة، وأن يكون لهم صوت مناصر لأولئك المستضعفين من البشر، وأن لا يكون جهدهم بأقل من الجهد الذي قامت به "المصدر" الحرة وطاقمها الصحفي الحر. المصدر أونلاين