تابعت التعقيبات والتعليقات التي وردت من قراء صحيفة المصدر وزوار موقعها الالكتروني بخصوص ظاهرة العبودية المكتشفة في اليمن, وكانت في معظمها مؤيدة لاجتثاث هذه الظاهرة المسيئة لنا جميعاً؛ إلا أنه قد لفت نظري شرعنة بعض أصحاب تلك الآراء لهذه العبودية, بحجة عدم تحريم الإسلام لها, لكونها كانت موجودة في عصر الرسول الكريم وصحابته رضوان الله عليهم. وعلى الرغم من عدم اعتراضنا على حجة هؤلاء؛ إلا أن نظرة متفحصة لنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وسلوكيات الجيل الأول من المسلمين, تجعلنا نقول إن الإسلام وإن كان لم يحرم العبودية إلا أنه لم يتعامل معها بصفتها جزء من الدين, فهو لم يستحسنها أو يحث على استمرارها, بل وضع الأسس التي تقضي عليها تدريجياً, وهو منهج تعاملت به شريعة الإسلام مع المسائل المستأصلة لدى أمة العرب والأمم المعاصرة لها , مثل تدرجها في مسألة تحريم الخمر. وفي هذا السياق فقد أمرت شريعة الإسلام بحسن التعامل مع العبيد والجواري, واستخدم الأسماء الحسنة لمناداتهم «فتى وأمة», وجعلت تحريرهم من مكفرات الذنوب, ثم جعلت عتقهم طواعية من القربات إلى الله تعالى, وسنت تزويجهم من علية القوم (زيد وزينب).
ولأن العبودية كانت من القضايا المتجذرة آنذاك وتنتشر على نطاق واسع لكونها قد تكرست عبر آلاف السنين, واتخذت أبعاد اقتصادية واجتماعية جعلت تحريمها بصورة قطعية في حينه من الصعوبة بمكان ,وتفوق كثيراً صعوبة تحريم الخمر الذي تدرج عبر مراحل. ولذلك فإن من ينادي بالعبودية مستدلاً بوجودها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أعتقد أنه لا يفرق كثيراً عن شخص آخر ينادي باستحلال الخمر مستدلاً بآيات قرآنية - نزلت قبل التحريم- وتمنع تناوله أثناء الصلاة فقط بل وتذكر له بعض المنافع.
أضف إلى ذلك أن الإسلام قد تسامى بالنفس البشرية وجعلها ملكاً خالصاً لخالقها, ومنع حق إدعاء ملكيتها حتى على صاحبها, الذي لايملك حق التصرف بها كيفما يريد, وانتزع منه الحق في إنهاء حياته, وعدها جريمة كبرى لاتغتفر, وتمحو كل ماسبقها من إيمان وعبادات وأعمال صالحة, وتودي بصاحبها إلي خلود سرمدي في نار جهنم. ثم يأتي بعد ذلك من يقول أن الإسلام يشرع لاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان, مستشهداً بنصوص تحتمل التأويل.
ولا أدري لماذا يصر بعضنا على إغلاق باب الاجتهاد في هذه القضية المشينة وغيرها من القضايا التي لا تمس أصل من أصول الدين, ونتناسى أن بعض صحابة رسول الله رضوان الله عليهم قد اجتهدوا بعد وفاته – رغم قربهم من عهده- في أمور كثيرة؛ أسقطوا في بعض منها نصوص قرآنية صريحة من غير اعتراض من بقية الصحابة, عندما وجدوا أن العمل بتلك النصوص يتعارض مع المصلحة العامة لأمة الإسلام , مستقصين بذلك روح الإسلام الحقة ورسالته العالمية السمحة, مركزين على الغايات السامية للنصوص ومقاصدها النبيلة وليس على معانيها الحرفية والفهم الظاهري لها. ونكتفي هنا كمثالاً على ذلك بإسقاط الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب للمؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة, بعد أن أصبح الإسلام في منعة وعزة, ولم يعد بحاجة لهم.(اقتبسنا هذا الاستدلال عن المناضل الحقوقي علاو, ونؤيده فيه).
واليوم وبعد خمسة عشر قرناً من ظهور الإسلام, بكل ما شهدته هذه المدة الطويلة من تغيرات, خصوصاً في عصرنا الحالي الذي توافقت فيه جميع الأمم على تجريم العبودية وتحريمها, وسنت المواثيق العالمية لذلك؛ ألا تقتضي المصلحة العامة للإسلام والمسلمين أن يجتهدوا ويعلنوا إنها العبودية وتحريمها في شريعتهم حتى لا يصبحوا مثار استهجان الأمم الأخرى, خصوصاً والقضية لا تمس أصلاً من أصول الدين, وليس هناك مصلحة ترتجى لأمة الإسلام من بقائها, اللهم إلا تكريسها للنظرة الدونية تجاه المسلمين, وتشويه جوهر الإسلام القائم على تحقيق ما ينفع الناس في دنايهم وآخراهم, ويرحمك الله يابن الخطاب.
اتيان المحارم!
ذكرنا أن الإسلام قد سن العديد من الأسس بهدف القضاء التدريجي على العبودية, كان منها إلزام السيد بتحرير جاريته عندما تحمل منه, وإلزامه بإلحاق أولاده منها بنسبه, ويكون لهم كل الحقوق التي لأولاده الآخرين من نسائه الحرائر, بما في ذلك السلطة والجاه.ولذلك فقد كان من الطبيعى أن نرى في التاريخ الإسلامي العديد من أبناء الجواري وقد أصبحوا خلفاء للدولة الإسلامية, ومن بعدها ملوك للدول المنفصلة عنها ,بصفتهم وارثين لعروش آبائهم . والأمثلة على ذلك كثيرة ومعروفة وتمتد إلى يومنا هذا.
أما أعراف العبودية المعاصرة في اليمن فهي لا تلتزم بذلك, حيث ينسب الأسياد أبناءهم من جواريهم إلى أمهاتهم, ويورثونهم العبودية من أمهاتهم , بحيث يصبحوا عبيدا وجواري لآبائهم وإخوانهم الأحرار, سواء كانوا نتاج معاشرة فردية أو جماعية من قبل مجموعة من الإخوة لجاريتهم التي ورثوها عن أبيهم حسبما جاء في تحقيق المصدر.
ولعلكم قد أدركتم حجم الفاجعة الناتجة عن ذلك, حيث أن أولئك الأسياد ومن بعدهم ورثتهم من أبنائهم الأحرار يتعاملون مع الإناث المولودات من جواريهم باعتبارهن جواري لهم وملك إيمانهم يجوز لهم الدخول بهن. ولعلى لم أعد بحاجة للتوضيح لنعرف أن أولئك الأسياد إنما يعاشرون نساء هن في حقيقة الأمر محارم لهم, لكونهن نتاج لمعاشرتهم للجواري الأمهات اللاتي هن أيضاً نتاج لمعاشرة أحد أجدادهم للجارية الجدة.
والسؤال الفاجعة الذي نختتم به ونكتفي بطرحه على علمائنا الأفاضل, وعلى العقلاء من هؤلاء الأسياد, ومعهم كل من يشرعن لهذه العبودية هو: هل يجوز لرجل ما أن يضاجع أخته أو ابنته وابنة أخيه لمجرد أنها جارية له حسب إعتقاده , وتنسب إلى أمها ولا تحمل اسمه. والله المستعان على ما تصفون. المصدر أونلاين