لفت نظري ما أورده القاضي عبدالرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله في مذكراته التي صدر منها مؤخرا الجزئين الأول والثاني منسوبا الى رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي في منتصف الستينات من القرن الماضي اليكسي كوسجين حول ماسيواجهه الشعب اليمني من متاعب في المستقبل ..ولأهمية ماقاله كوسجين اثناء لقائه بالوفد اليمني في القاهرة برئاسة الفريق حسن العمري رحمه الله ومانعانيه اليوم فعلا من متاعب تنبأ بها كوسجين سأورده نصا منقولا من المذكرات..يقول القاضي الارياني رحمه الله :(جاء الرئيس كوسجين واعضاء الوفد الى بيت الفريق العمري المتواضع وقد افتتح كلامه بقوله:امس حصل شيئ من سوء التفاهم ولكن الذنب ليس ذنبنا..وكانت المقابلة ودية قدمنا خلالها كشفا بمطالب عسكرية فقال:لقد بعثنا لكم من الأسلحة بواسطة مصر واليكم مباشرة مايكفي لتسليح شعب كامل..فقلنا له:انها توزع على الشعب فعلا ليدافع عن ثورته..فضحك وقال:ولكن هذا سيتعبكم مستقبلا..فقلنا له:نحن واعون لهذا ولكنا مضطرون فالسعودية من الطرف المعادي توزع السلاح على كل من هب ودب..ومن طبيعة اليمني ان يعشق السلاح فلو لم نوزع نحن من قبلنا اذا لذهبت كل القبائل الى الجانب الآخر..وهذا هو واقعنا وقد تفهم رئيس الوزراء السوفيتي موقفنا ووعد بارسال المطلوب من السلاح) ومن المفارقات انني قرأت ماورد على لسان كوسجين بالصدفة اثناء تصفحي للمذكرات بعد عودتي مباشرة من حضور الحفل الذي اقامه الأخ الأستاذ علي احمدالعمراني وزير الاعلام الثلاثاء الماضي بقاعة زهرة المدائن بالعاصمة صنعاء بمناسبة زفاف نجله صلاح الدين حيث كان اول مشهد صدمت به قبل دخولي الى القاعة خروج عدد من المشائخ يحيط بهم المرافقين المسلحين من كل جانب حتى ظننت نفسي اقف داخل ثكنة عسكرية..ومن خلال مراقبتي لما كان يحدث شاهدت سيارات فارهة اختيرت الوانها بعناية كان ينزل منها شباب ضغار بعضهم لا تتجاوز اعمارهم الخامسة عشرة فلايكاد يفتح لهم باب السيارة حتى يتقافز منها عدد من المرافقين المسلحين ينتشرون حولهم ويصطحبونهم الى منصة العريس ولا يسمحون لأحد بالاقتراب منهم حتى ينتهي ابن الشيخ او ابن المسؤول من السلام على العريس..وقد اعتبرت ذلك ناتجا عن التخلف الذي نعيشه والموروث السيئ الذي ورثناه من الفترة الماضية بسبب غياب الدولة..لكن كانت صدمتي كبيرة حين شاهدت لأول مرة صديق عزيز لكل الناس ومثقف كبير لم نعرف عنه الا دماثة الخلق والتواضع الجم منذ عرفته شخصيا قبل اكثر من عشرين عاما وهو محاط بمرافقين مسلحين اوصلوه الى منصة العريس وكانوا يمنعون محبيه من السلام عليه ويفضون الناس من حوله لشق طريق لأخراجه بسرعة عجيبة بينما العديد من الوزراء والمسؤولين واقفين في الطابور في انتظار الوصول الى منصة العريس..ولأن هذا الانسان عزيز علي فسوف اذكر اسمه لأن الناس لم يعهدوا منه هذه الحركة التي لاحظوها عليه واستنكروها .انه الأستاذ نصر طه مصطفى الذي لايستطيع احدا ان يقول في حقه الا كلمة خير مهما اختلف البعض معه في طروحاته الفكرية وارائه السياسية..ولذلك فقد تمنيت ان يعود الى سيرته الأولى التي عرفناه من خلالها ولا يقلد سلفه في مكتب رئاسة الجمهورية اللواء علي الآنسي او العميد علي الشاطر وغيرهما ممن كانوا يحيطون انفسهم بكتائب مسلحة على الأقل حفاظا على مكانته في قلوب زملائه واصدقائه ومحبيه. لقد كان اكثر اصحاب الجاه والنفوذ القبلي والسلطوي تواضعا هم اولئك الذين كانوا يكتفون بالسماح لبعض مرافقيهم المسلحين اصطحابهم الى منصة العريس لتهنئته والبعض الآخر يبقون في السيارات على مدخل القاعة..كما ان الأطقم العسكرية كانت تحيط بمدخل القاعة لحراستها ومراقبة الداخلين اليها والخارجين منها وبعضها تفرغ لتنظيم المرور امام القاعة وهو ماجعلها تتحول الى مايشبه الثكنة العسكرية..وهذا مالم يحدث في عهد ماقبل ثورة الشباب التي من اهم اهدافها بناء دولة وطنية مدنية حديثة يسودها النظام والقانون..فقد كنت احضر حفل زفاف العديد من ابناء المسؤولين والمشائخ ولم اكن اشاهد مثل هذا الحضور المسلح لا بالنسبة للمرافقين المسلحين ولا بالنسبة للأطقم العسكرية حيث كان يكتفى بسيارة تابعة للمرور او للنجدة تراقب من بعيد واصحاب الجاه والنفوذ كانوا يتركون مرافقيهم في الخارج ولا يدخلون معهم الى القاعة. ماجعلني اكتب حول هذا الموضوع هو:التعليقات اللاذعة والساخرة التي سمعتها خارج وداخل القاعة من المتضررين من ثورة الشباب فقد كانوا يقولون :انظروا هذا هو التغيير الذي سيؤسس لدولة مدنية حديثة يتربع على عرشها المشائخ والفاسدين. نموذج آخر قديختلف بعض الشيئ وفيه نوع من الشعور بالمسؤولية..فقد حضرت حفل زفاف نجلي الشيخ حميد الأحمر الذي اقيم الخميس الماضي في قاعة ابولو للمعارض ورأيت داخل القاعة مشهد مختلف بعكس خارجها..لقد كان الحضور بالألاف ونتيجة للزحام الشديد فقد تم قطع الخط الطالع من شارع الستين مقابل القاعة فقط فسبب ذلك اختناقا مروريا لكن بمجرد وصول المدعويين الى باب الصالة الخارجي لم يكن يسمح لأي كان بادخال السلاح وكان رجال الأمن يفتشون الجميع على باب القاعة من الخارج ومن يحمل سلاحا يمنعوه من الدخول فأصبح كل من داخل القاعة ساوسية لافرق بين وزير ولا شيخ ولا مواطن عادي كلهم يقفون في الطابور وصولا الى منصة العريسين لتهنئتهما وكان اولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله موزعين في اماكن مختلفة لأستقبال الضيوف والترحيب بهم ولا يشاهد بجانبهم مسلح واحد وتم الاكتفاء بعدد من رجال الأمن لتنظيم الصفوف وهذا يحسب للشيخ صادق الأحمر واخوانه..فحين قرأت في الدعوة تحذيرا من حمل السلاح اعتقد ت ان ذلك مزايدة ولكني شاهدت التطبيق على ارض الواقع وتمنيت لو كل المسؤولين يحذوا حذوهم ويمنعوا دخول السلاح الى القاعات اثنا الاحتفال بزفاف اولادهم ليشكلون القدوة لغيرهم.