المشاهد القليلة التي تسربت عن جريمة ذبح 14 جندياً يمنياً على أيدي إرهابيي "القاعدة" في حضرموتاليمنية، تكفي لتصور العقيدة الإجرامية التي يعتنقها هؤلاء المرتزقة . كما توضح ما يعانيه اليمن من محنة في سبيل استعادة أمنه والحفاظ على وحدة أراضيه . ردود الفعل على الجريمة كانت متفرقة وليست بالقوة الكافية، وذاك أمر طبيعي، فأشد من هذه الجريمة يحصل يومياً في قطاع غزة، ومثلها يرتكبه "الدواعش" في شمالي العراق وسوريا . بيد أن الوضع في اليمن لا يقل خطورة، وعمليات اختطاف جنود وذبحهم تكررت في الفترات الماضية، وأصبحت علنية وجريئة لإرباك الجيش والقوى الأمنية . وبين إرهاب في الجنوب وتمرد حوثي في الشمال، تزداد الضغوط على صنعاء العاصمة ومركز الحكم، حيث تجتهد هناك النخب السياسية لتطويق هذه المخاطر، والعمل على تفادي الانهيار الشامل، وفق ما ترمي إليه أطراف عدة لا تريد الخير لليمن . ما يحصل حالياً كان نتيجة طبيعية للسياسات الممنهجة لإنهاك الدولة وإضعاف مؤسساتها بعد إطاحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح . ورغم الجهود التي بذلت، سواء عبر آليات الحوار الوطني أو المبادرة الخليجية أو "أصدقاء اليمن"، يبدو أن الوضع يحتاج إلى تحركات أكثر صرامة في مواجهة مساع خطرة لإحباط ما توصلت إليه التوافقات بين القوى السياسية في اليمن . فليس من قبيل الصدفة أن تتفجر الأعمال الإرهابية ويتصاعد نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي، في الوقت الذي هدأت فيه الدعوات إلى الانفصال مثلما كان الحال قبل انعقاد الحوار الوطني وصدور مخرجاته المؤصلة للوحدة بين الأطراف السياسية والتيارات المدنية . وأكبر الخشية أن تنجح الجماعات المنفلتة في إفساد كل ما تم التوصل إليه . وحين يتضافر الإرهاب والحروب المتنقلة من مدينة إلى أخرى ومن إقليم إلى إقليم مع المشكلات الاقتصادية الخطرة والمجاعة المحدقة بالملايين، سيدفع ذلك بالأمور للخروج عن السيطرة، وقد تنهار كل التوافقات الوطنية بسبب عدم القدرة على إنجازها في الآجال المعلنة، وعندها سينجح "أعداء اليمن" في الداخل والخارج في تنفيذ مخططاتهم بإنتاج دولة فاشلة . وقد شهدت الأشهر الأخيرة أحداثاً لا تخلو من دلالات، فقد تنامى نشاط التنظيمات الإرهابية في المناطق النائية، وزاد التحرش بالآمنين من خلال المناشير الداعية لإقامة "دولة إسلامية"، وتحذير النساء من الخروج بلا محرم، وقطع للطرق، وغير ذلك من الانتهاكات . إعدام الجنود بطريقة وحشية أمام عيون الناس وتسريب بعض مقاطع منها عبر وسائل التواصل يحمل رسائل ترويع إلى الدولة والمجتمع بهدف التأثير في مساعي إحلال الاستقرار خصوصاً في المناطق الجنوبية، بما يفرض تحدياً كبيراً أمام السلطات، ويتطلب عدم الاستسلام له بقطع النظر عن التضحيات . اليمن ليس استثناء، فالإرهاب يضرب أكثر من بلد، وهو كظاهرة توحش ودموية يستمد قوته من انتشاره على أوسع رقعة جغرافية وما تخلفه جرائمه من ترويع وفزع، كما يستفيد مما تروج له الدعايات المختلفة من غرب وشرق . واليمن بحكم موقعه الجغرافي وتاريخه وتركيبة مجتمعه مهدد بالسقوط ضحية، إذا لم تتوحد عزيمة شعبه ويرتقي وعي نخبه السياسية إلى مستوى المخاطر المحدقة .