في القرن الماضي ما بين عام 1945م-1990م أثناء الحرب الباردة التي قادتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها ضد القوى الشيوعية، اتخذت أمريكا ضمن خططها لحرب الشيوعيين في الاتحاد السوفيتي(إمبراطورية الشر) ما يسمى بحرب الأفكار( )، فتولى تنفيذ هذه المهمة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) حيث قامت بدعم مجموعة من المنظمات والهيئات والنقابات الحكومية وغير الحكومية في أماكن عدة من دول العالم، وذلك للحد من انتشار ايدلوجية القوى الشيوعية وتقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي والوقوف ضده بكل الوسائل والإمكانات المتاحة، والقيام بزعزعة أمنه واستقراره والعمل على فصل بعض أجزائه، وكانت الكثير من تلك المنظمات والهيئات لا تعلم أن الذي يقوم بتمويلها وتجنيدها ضد القوى الشيوعية وغيرها هو جهاز المخابرات الأمريكية (CIA)، وعندما كُشفت تلك الأعمال الخبيثة وأصبحت معروفة عند كثير من دول العالم أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تستغل تلك المنظمات غير الحكومية في تنفيذ برامجها لدعم بعض الأنظمة في دول ديمقراطية كفرنسا، والتدخل في إسقاط بعض الأنظمة من خلال دعم بعض المرشحين ضد بعض، والقيام بالانقلابات ضد أنظمة ديمقراطية، وحينها شعرت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالحرج البالغ من ظهور حقيقة تلك الأعمال التي قام بها جهاز الاستخبارات التابع لها، وعندما تولى رئاسة أمريكا الرئيس (ليندن جونسن) قام مع الكونجرس بوقف التمويل الذي كانت تتلقاه تلك المنظمات من وكالة المخابرات الأمريكية، ومنعها من الأعمال التي من شأنها تقويض أنظمة الحكم في العالم، ولكن أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض تقدموا عام1982م بصيغة أخرى تكون بمثابة البديل للالتفاف على قرار الكونجرس لتحويل الأموال التي كانت تنفقها الولاياتالمتحدةالأمريكية لوكالة المخابرات، فقالوا: إن تلك المنظمات غير الحكومية التي كانت تقوم بتحويل الأموال إليها أصبحت مكشوفة وغير مرغوب فيها؛ بسبب تلقيها للتمويل من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وتقدموا بمقترح إلى الرئيس الأمريكي (رونالد ريجن) أثناء توليه الحكم يفضي إلى إنشاء مؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية أو المؤسسة الوطنية للديمقراطية أو مؤسسة الصندوق الوطني للديمقراطية ويرمز لها ب(NED) بطريقة رسمية وشرعية قانونية للقيام بالدور الذي كانت تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية، وللكفاح ضد الطغيان الشيوعي، فوافق الرئيس (رونالد ريجن) في شهر نوفمبر عام 1983م على إنشاء المؤسسة الوطنية للديمقراطية (NED)، وتضم هذه المؤسسة أربع هيئات تابعة من أبرزها: المعهد الديمقراطي الأمريكي(NDI)، التابع للحزب الديمقراطي الأمريكي، والمعهد الجمهوري الأمريكي التابع للحزب الجمهوري وغيره من المعاهد والمنظمات( ). ولقد أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية حربها الصليبية على الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر عام 2001م وبمساندة كل القوى الغربية، ونفذت حربها المباشرة وغير المباشرة على المسلمين، فأما الحرب المباشرة العسكرية فتم تنفيذها في أفغانستان 2001م بحجة القضاء على الإرهاب والإسلام المتشدد، وكذلك غزو العراق عام 2003م بحجة نزع أسلحة الدمار الشامل وإزالة الاستبداد السياسي. وأما الحرب غير المباشرة فكانت في جميع البلاد العربية والاسلامية عبر معاهدها ومنظماتها الأجنبية المختلفة تحت مبررات زائفة: كنشر الإسلام المعتدل ونشر الديمقراطية والتثقيف السياسي وفق المنظور الأمريكي والغربي، ولقد رفعت هذه المعاهد والمنظمات مجموعة من الأهداف والشعارات المعلنة لتتستر بها لتنفيذ أهداف أخرى وتكون غطاء للأعمال الإنسانية والأهلية والتثقيفية، وأخفت أفكارها المسمومة وأهدافها الخبيثة؛ حتى تمكنت من الدخول إلى البلاد الإسلامية والعربية، وقامت بالترويج لأفكارها وأهدافها، فصدقها بعض الجهال وضعاف النفوس من العرب والمسلمين، ولكن لم تمض سوى أيام قلائل من دخولها إلى البلاد العربية والإسلامية حتى قامت ببث سمومها الفكرية، وبدأت بتنفيذ أهدافها الخفية ونشر القيم والمفاهيم العلمانية وتفريق المجتمعات العربية والإسلامية، واختلاق الفتن والحروب، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها، وشاركت في تقويض الصلح بين أكثر شرائح المجتمعات الإسلامية، كما هو دأبهم في كل زمان ومكان، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة : 105]. وقال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : 109]. ما سبق مبتدأ وفي الحلقات القادمة سيأتيكم الخبر .