تأخر الانقلابيون في الذهاب إلى الكويت لأنهم لا يريدون الذهاب إلى مشاورات تختلف تماماً في مضمونها ووضوح أجندتها عن المشاورات العائمة التي سبقتها، إلى حد يبدو معها خيار السلام غير قابل للمساومة. تضع الكويت كلَّ ثقلها من أجل إنجاح هذه المشاورات وتحقيق اختراق مهم في جدار التصلب الذي يظهره المتمردون أمام كل المحاولات المبذولة لإنهاء الصراع في اليمن. فتحت الحكومة الكويتية صالة الشرف الرئيسية في المطار أمام وفدي الحكومة والمتمردين، هذا يعني أن الجميع في ضيافة الكويت وأن النتائج التي ستخرج بها مشاورات الكويت بأي نتيجة تخرج بها، على هذه الدولة، التي لها أيادٍ بيضاء على اليمن في السياسة والاقتصاد والتنمية. ذهب الانقلابيون إلى الكويت بعد ثلاث أيام من التأخير عن الموعد الرسمي لانطلاق المشاورات والذي حُدد في الثامن عش من هذا الشهر.. ذهبوا وفي نيتهم تثبيت الانقلاب إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا. إنهم يريدون كما أرادوا من قبل أن يكونوا طرفاً سياسياً مقابل طرف سياسي مكافئ لا كونهم متمردين مقابل السلطة الشرعية. لكن هناك ثوابت لا يمكن تجاهلها وهي مرجعيات الحوار نفسه والقرارات الأممية التي صدر أحدها وهو القرار رقم 2216 تحت الفصل السابع، ويقضي، في وضوح تام، بإنهاء تركة الانقلاب عبر التسليم الكامل للسلطة الشرعية ممثلة بسلطة الرئيس هادي وحكومته. قطعاً إذا كُتب النجاحُ لمشاورات الكويت، فإنها لن تتوقف عند مسألة تسليم السلاح والانسحاب من المدن، ولكن التسليم للدولة، هو استحقاق أساسي لا تستقيم أي قضية أخرى أو أي نقاش إلا بإنجازه. لا يمكن لأي نقاش أن يُبنى على أُسس عائمة وهشة.. ستكون هناك مقامرة خطيرة بمصير الشرعية الدستورية التي بُني عليها تدخل التحالف العربي، لو حدث أي تغيير في الأجندة المحددة لمشاورات الكويت، ولا أظن أن ذلك سيحدث مطلقاً. هناك التزامٌ كبيرٌ حتى الآن من جانب التحالف العربي لمواصلة دعم السلطة الشرعية، رغم كل ما اُستجد على خط الأزمة اليمنية من معلومات مشوشة فيما يخص مستوى هذا الالتزام سواء من جانب التحالف أو من جانب المجتمع الدولي تجاه ثوابت الأزمة اليمنية والتي تتمثل في وجود انقلاب على الشرعية الدستورية وعلى النظام الانتقالي الذي يشكل جوهر الشرعية الدستورية، ويتعين إنهائه واستعادة سلطة الدولة. وعلى الرغم ممن الاعتقاد الراسخ الذي يتوفر لدي بثوابت الأزمة اليمنية، فإن أكثر ما يستدعي القلق أن يتعرض اليمنيون مجدداً لمخطط يهدف إلى شرعنة الوجود السياسي للانقلاب عبر تمرير تنازلات من النوع القاتل كالتي صرح عنها ممثل الحوثيين لدى مغادرته صنعاء متوجها إلى الكويت عندما جدد رفض ميلشياته أن يجري التعامل معهم كميلشيا مقابل سلطة شرعية. سيتضح ما إذا كنا أمام صفقة سياسية جرى تمريرها من تحت الطاولة، لن ننتظر طويلاً في تقديري، فسيتضح كل شيء بسرعة كبيرة، لم يعد بالإمكان تداول خطط سرية بهذه الخطورة كما حدث قبيل توقيع اتفاق السلم والشراكة، عندما كان المبعوث الأممي يعمل بالتنسيق مع واشنطن لتمرير هذا ا لاتفاق الذي مثل تفويضاً سيئا لميلشيا سيئة لم تكتف بتنفيذ المخطط المرسوم بل ذهبت أبعد مما تصوره من وفر لها الغطاء الدولي في ذلك الوقت للقيام بجريمتها. حينها ظهرت إيران باعتبارها القوة الإقليمية التي تتحكم بشئون اليمن وتقرر مصيره وتتحكم بمفاصل قوته وتخطط لتوجيهها في معركة إقليمية، كان يمكن أن تغرق المنطقة بالدماء. لن ننتظر طويلاً قبل أن نتأكد من أن الأمور لن تخرج عن الأجندة التي حددها المبعوث الأممي وقبلت بها الحكومة والمتمردون معاً، وهي الأجندة التي تعني أن على المتمردين أن ينهوا الانقلاب ويسلمون السلاح ويدخلون في حوار سياسي بشأن مستقبل الدولة على ذات الأسس التي سارت عليها عملية الانتقال السياسي في البلاد.