على وزراء خارجية دول الخليج العربي ألَّا يركنوا إلى تطمينات نظيرهم الأمريكي (جون كيري) والتي تركزت في مجملها على تبديد مخاوفهم، من الأطماع التوسعية للنظام الفارسي الإيراني وممارساته العدائية ضدهم بعد الاتفاق النووي الأخير، الذي أبرمته معه دول (1+5) بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ، لأن تلك التطمينات ليست سوى مناوراتٍ مكشوفةٍ يهدف منها الأمريكيون استرضاء دول الخليج العربي من أجل المزيد من ابتزازهم بدليل صفقات الأسلحة التي يبيعونها لهم من آن لآخر، بمليارات الدولارات، والتي تنعشُ الخزائن الأمريكية على حساب الاقتصاد الخليجي العربي مستخدمين الفزاعة الإيرانية، كورقة رابحة في تخويفهم . وعلى دول الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، أن يفيقوا من وهم تمسكهم بالشراكة المطلقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي ركِنوا إليها خياراً استراتيجياً، طوال العقدين الماضيين، وبخاصة في الجوانب الأمنية والدفاعية، ظناً منهم بأن ذلك سيصب في مصلحة أمنهم القومي، خصوصاً من جهة تدخلات إيران السافرة في المنطقة العربية، التي طوقتهم من كل اتجاه، والنتيجة كانت أن طعنهم الأمريكيون من الخلف، بخنجر اتفاقهم النووي مع عدوتهم إيران . والأمريكيون لن يمنحوا حلفاءهم في الخليج العربي غير السراب والوهم، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يدركها قادة دول الخليج العربي وأن يتعاطوا مع الأمريكيين على أساسها بعد الاتفاق النووي العالمي مع إيران مهما كان حجم التطمينات الأمريكية ، وأمريكا لن تمنح العرب - وفي مقدمتهم دول الخليج العربي - شيئاً أبداً، كما لم تمنحهم شيئاً في السابق، لأنها ببساطة لا تستطيع ذلك، بعد تلك التحولات الكبرى، التي حدثت في استراتيجيتها خلال الأعوام الماضية، والقائمة على الانسحاب التدريجي من كل ملفات الصراع، في مناطق متعددة من العالم، ومنها الشرق الأوسط وبسبب العجز المتنامي في موازنتها، والتضخم الكبير في مديونيتها العامة، ما يجعل أي تدخل عسكري من طرفها أمام إيران أو غيرها من الدول مُغامرةً لم تعُد تستطيع تحمل تبعاتها المالية والاقتصادية . ولو كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تستطيع تقديم شيء لحلفائها، لفعلت ذلك مع أوكرانيا مطلع العام الماضي، عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وضمتها إليها وفرضت واقعاً جديداً هناك، مستغلة بذلك حالة الانسحاب والانكفاء، التي تعيشها الولاياتالمتحدة، ثم لفعلتْ ذلك أيضاً مع حلفائها في بحر الصين الجنوبي (الفلبين واليابان وكوريا الجنوبية) وغيرهما أمام تدخلات الصين وكوريا الشماليةِ في شؤونهم الداخلية بعد أن فرضت الصين وكوريا الشمالية واقعاً جديداً هناك، وفي كلتا الحالتين لم تستطع الولاياتالمتحدة فعل شيء لحلفائها هناك . وعلى دول الخليج العربي - والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص - أن تُدرِكَ اليوم، ووفقاً لهذه المتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية، بأن لدى دول الخليج العربي الفرصة الثمينة لمقايضة الأمريكيين على الثمن قبل تقديم الخدمة، ولتتصرف مع أمريكا بدءاً من الآن، كما تتصرف بقية دول العالم، وفق مصالحها هي، لا وفق المصالح الأمريكية ولتتعلم في ذلك من الصينوروسيا، وقبل ذلك وبعده من إيران نفسها ولا غضاضة في ذلك، طالما سيصب في خدمة مصالحها وعلى المملكة العربية السعودية اليوم أن تُخرجَ كل أوراق قوتها، وتضعها على طاولة اللعب مع الأمريكان، ولتبدأ اللعبة معهم وفق قواعدها هي هذه المرة، وليس وفق قواعد الأمريكيين ، وتستطيع السعودية ذلك الآن فعلاً، خصوصاً بعد النجاحات الأخيرة التي حققتها في اليمن، من خلال عاصفة الحزم بشقيها العسكري والسياسي . وعلى دول الخليج العربي أن توسِّع من خارطة تحالفاتها مع الدول الكبرى، ذات التأثير والنفوذ في العالم مثل روسياوالصين، وبما يتسق ومصالحها الاستراتيجية، بعيداً عن حسابات الأمريكان، من دون أن يعني ذلك القطيعة معهم، كما وعليها أن تبدأ العمل على إنشاء منظومة تحالف إقليمي جديد في مواجهة بلاد فارس (إيران) يضمها وكل دول الخليج العربي إلى جانب تركيا وباكستان ومصر لأن تحالفاً كهذا فرصة لدول الخليج العربي لترويض أمريكاوإيران معاً .