من بين قضايا كثيرة يرى البعض هنا في اليمن أن الحرب التي تشهدها البلاد، ربما تتأثر بوصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، والذي جاء مفاجئاً وصادماً على نطاق واسع في العالم. في هذا التصور شيء من الحقيقة، ولكن لا تقع اليمن في دائرة الاهتمام المباشر للإدارة الأمريكية، فهي دائماً ملحقة بالنظرة الأمريكية المهتمة عادة بأولويات علاقة الشراكة الاستراتيجية القائمة بين أمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية والإمارات، وهذه العلاقات وخصوصاً مع الرياض تأثرت لا شك في الفترة الثانية من عهد الرئيس الأمريكي المنصرف باراك أوباما. لعب وزير الخارجية الأمريكي الحالي جون كيري دوراً مشوشاً في مسار الأزمة اليمنية، وعمل دائماً على إبقاء مساحة من حرية الحركة للانقلابيين، وبالأخص الحوثيين الذين نصبهم أقلية طائفية في اليمن، وهي قراءة متعسفة للتركيبة الطائفية والاجتماعية في هذا البلد الذي كاد أن ينهي الحدود الفاصلة بين المذاهب والاعتقادات ويتماها ضمن الانتماء لهوية واحدة راسخة هي اليمن. كان كيري ينطلق من إرادة مسبقة بأنه لا يمكن الإبقاء على دور الميلشيا المسلحة المرتبطة بإيران، إلا في سياق هذا التوصيف الجديد التي يكرسها كأقلية من وجهة نظر هذا السياسي الأمريكي العتيد، الأمر الذي يضمن لها مكاناً في جسم الدولة اليمنية إن بالحرب أو بالتسويات التي عمل الأمريكيون بإملاء من الوزير كيري نفسه، على فرضها على الحكومة اليمنية وربما على التحالف العربي الذي يخوض معركة مصيرية في اليمن. لم تعد الحرب في اليمن بصفتها إحدى مظاهر الأزمة المعقدة التي تعصف بهذا البلد الفقير، شأنا يخص اليمنيين فقد أصبحت قضية العرب جميعاً وخصوصاً في الجزيرة والخليج، بعد أن رأوا من إيران توجها لابتلاع اليمن وتحويله إلى منصة لإيذاء جيرانه في استعراض لم يخلو من الاستفزاز والمبالغة في تقدير النفوذ والقوة. استفادت إيران من التمكين الأمريكي لها في المنطقة، إثر توقيع طهران الاتفاق النووي مجموعة 5+1 والذي لم يكن سوى غطاء لإعادة هندسة المنطقة انطلاقاً من رؤية يحكمها الوعي بالعلاقة المتوترة بين المكونات الطائفية والجهوية والأثنية، في هذه المنطقة المضطربة، خصوصاً وأن اعتقاداً قد ترسخ في الغرب يرى أن الإسلام السني هو المشكلة، ولهذا دفع الغرب بالخصم الجاهز الذي يضج بالإحن والثارات وبالحمل الثقيل من إرث الصراع العقائدي إلى صلب الأحداث ليلعب دوراً أكبر مما يستحق. في اعتقادي أن خطة كيري التي تسمى أحياناً خطة الأممالمتحدة للحل في اليمن، سوف تدخل مرحلة من الجمود خلال المرحلة المقبلة، لأن الوزير كيري لن يكون مهتماً طيلة الفترة الانتقالية للسلطة في بلاده بالحرب في اليمن. وبالتأكيد لن يتشبث بالادعاءات المتصلة عادة بانتهاك القانون الدولي الإنساني، ولن يمارس الضغوطات نفسها التي مارسها على التحالف والسلطة الشرعية طيلة الفترة الماضية أملاً في الوصول إلى تسوية، لا تخدم السلام في اليمن بل تعيد تأسيس مسار مستدام للصراع الذي لا يحتمله هذا البلد ولا يحتمله الأمن الإقليمي بالغ الحساسية.