برهان ووالده من مغرب عنس محافظة ذمار كانا من أوائل الذين وصلوا مارب للاشتراك في قتال المليشيات الانقلابية، على أسوار مدينة مأرب . الملازم برهان نجيب سعدان، مقاتل شجاع غير هياب، لم يبارح أرض المعركة منذ بداياتها الأولى في ابريل 2015م ، إلا مرتين، في الأولى جريحا والثانية شهيدا . حين كانت الحرب على أسوار المدينة، تولى مهمة توصيل وجبات الغذاء والماء والاحتياجات الضرورية العاجلة، للمقاتلين في الجبهة الغربية ،وسيلته موترسيكل، يقوده بسرعة ومهارة عاليتين.. حينذاك - في مايو 2015م- تعرفنا عليه. شاب في مقتبل العمر أسمر البشرة، طويل القامة، ساقاه طويلان، فيما بنطلونه بالكاد يصل الى منتصفهما، وبندقيته مشدودة باحكام الى ظهره وراسها مدلى الى الاسفل. حين يجلب وجبات الغذاء للمقاومين، يركن دراجته المزعجة وسط الشارع المغبر والمقفر، الا من اكوام القمامة واكياس بلاستيكية تهرأت وتبدلت الوانها بفعل الانواء، وبعض الكلاب الضالة الهزيلة بفعل النقص المضطرد للطعام وخلو اي مزبلة من بقايا منه. بمجرد أن يركن دراجته حتى يبدأ بالصراخ على من يستلمون الوجبات الذين يأخرونه أكثر ممايجب، وهو منتصب القامة بشكل يثير الاعجاب ولااستغراب معاً، وحين يتوافدون عليه يباشر بتوزيع الوجبات، وفي حال لم يحضر مندوبا ما، يضع حصة مجموعته لدى المجموعة الأخرى، وما زاد من المؤنة يوزعه على الاسر التي ضاقت بها السبل ولم تتمكن من مغادرة المدينة. كان صوت دراجته مزعج، لكنه بشارة الغذاء والماء والمدد للمقاتلين.. انه صوت يبدد سكون الليل القنوط، وينبئ بصباح جديد مميز مثل كل الصباحات التي وجدت مدينتا الصغيرة نفسها بمقاتليها وقد توطن فيها الصمود الاسطوري، لرجال أوقفوا الموت القادم إليهم من الشمال والغرب، وبشجاعة نادرة ،هزموه شر هزيمة. في ذات صباح رمضاني، وبينما كان ينقل وجبة السحور للمقاتلين في نقطة المدينة الغربية ،تعرض لوابل من الرصاص، أطلق من رشاشات معادية، تمركزت على الضفة الجنوبية لوادي الجفينة، أصابته رصاصة في البطن وأخرى حطت في قلب دراجته، فأضرمت النار فيها وتدحرجت على الخط الاسفلتي بعيدا عن برهان الذي تكوم على قارعة الطريق دون أن يعبأ للرصاص المتناثر حوله والمتفجر بالقرب منه، فيما بعضا منه يصعد عاليا كجذوة ملتهبة بعد أن يصطدم بالأسفلت. كانت الإصابة بليغة، وعلى إثرها نزف كثيراً من الدم، لكنه قاوم وأسعف إلى المستشفى الميداني ومنه إلى مستشفيات أخرى، حيث مكث أكثر من أربعة أشهر في المستشفيات، وبمجرد شعوره بتحسن صحته، عاد إلى المدينة، ومنها إلى الجبهة ، ملتحقاً بوالده البطل، المقدم نجيب سعدان، ضمن إحدى وحدات الجيش الوطني وقد حل محل المقاومة الشعبية.
منذ التحاق برهان بالجيش الوطني، شحت المعلومات عنه، لكن القليل الذي يصل بين الفينة والأخرى، يحكي بطولات نادرة لهذا الشاب البطل. العام الماضي استشهد والده في جبهة صرواح، بعد معركة هجومية، كان فيها المقدم سعدان السهم الذي اخترق قلب العدو المحصن، والشجاعة التي أسقطت موقعه بكل سهولة ويسر، ويعود الفضل إلى دور وحنكة الشهيد كما نقل زملاءه. حينذاك ودع الابن أبيه، وعينيه مسهدتين ومغرورقتين دمعا ، لكنه بدا قويا شامخا مفتخرا بوصية أبيه الأخيرة، حين قال: - يابرهان ، سلمتك الراية, إياك أن تسقط من يدك، أو يمزقها العدو مهما يكن. لم يتمكن من الرد على أبيه ويتعهد له بالحفاظ على الراية ما عاش، فقد فاضت روح الأب إلى بارئها قبل أن يسمع رد ابنه. لكن برهان أوفى بقسمه وعهده لابيه، فحافظ على الراية مرفوعة، وها هو يسلمها لرفاقه يوم أمس وقد عفر أرض البراكين بدمه الطاهر، وكأنها همست له، بأنها عطشى، فلم يبخل عليها، وهل يبخل عليها دما؟ رحم الله الشهيد الشاب البطل ملازم برهان سعدان ووالده البطل مقدم نجيب سعدان وأسكنهما فسيح جناته ، مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا. لن ننساكما، ولن تنساكم مأرب أيها الأخيار الكرام