الشائعات وحملات التضليل في مواجهة مشروع الجنوب الوطني    الاطلاع على سير العمل في الوحدات التنفيذية التابعة لمصلحة الضرائب    إيران تستهدف اسرائيل برشقة صاروخية جديدة    إيران تعلن إسقاط طائرتين مسيّرتين معاديتين في سماء زنجان    الحلف والسلطة يخنقون الحضارم بقطع الكهرباء    شعب حضرموت يفسخ عقد الزريقي    بدء حملة كلورة للمياه في ذمار    مدير هيئة المواصفات يتفقد الإنضباط الوظيفي بالهيئة    تعز: ضبط متهمين بارتكاب جريمة قتل امرأتين في مديرية التعزية    احتجاج قبلي يشل حركة النقل في صافر.. بسبب سجين!    البكري يرأس اجتماعًا لوكلاء القطاعات العامة ويناقش إعداد خطة ال (100) يوم    غاتوزو مدرباً للمنتخب الإيطالي    يوفنتوس يجهز عرضًا ضخمًا لجيوكيرس    وزيرا الخارجية والصحة يلتقيان مبعوث برنامج الأغذية العالمي    نائب وزير الخدمة المدنية ومحافظ الضالع يتفقدان مستوى الانضباط الوظيفي في الضالع    رئيس الوزراء يوجه بسرعة إطلاق العلاوات للجامعات والتربية والتعليم والصحة    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    معهد وايزمان تدميره أفقد إسرائيل مكاسب كثيرة    محافظ ابين يوجه بمعاينة طريق ثرة والرايات البيضاء تواصل حوارتها لفتح الطريق    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 15 يونيو/حزيران 2025    قصة مؤلمة لوفاة 4 من أسرة واحدة غرقا في بئر ماء في بني عمر في يريم    الجيش الإسرائيلي يدعو لإخلاء المنشآت النووية الإيرانية والحرس الثوري يتوعد ب"ردّ مزلزل"    قوات الجيش تعلن إفشال محاولة تسلل شمال الجوف وتكبّد المليشيا خسائر كبيرة    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    وزير خارجية إيران يعلن موعد وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل    انهيار جزئي في منظومة كهرباء حضرموت ساحلا ووادي    الضالع.. رجل يفجّر قنبلة داخل منزله ويصيب نفسه وثلاثاً من أسرته    سريع: قصفنا أهدافا حساسة في يافا المحتلة بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني    نافذون حوثيون يسطون على أراضي تابعة للأوقاف في بعدان إب    أهدر جزائية.. الأهلي يكتفي بنقطة ميامي    سخرية من المعتوه عيدروس الزبيدي    كسر وجراحة.. إمام عاشور خارج المونديال    العرب ومآلات الحرب الإيرانية الإسرائيلية:    اسبانيا تخطف فوزاً من رومانيا في يورو تحت 21 عاماً    اليغري كان ينتظر اتصال من انتر قبل التوقيع مع ميلان    حضرموت.. خفر السواحل ينقذ 7 أشخاص من الغرق ويواصل البحث عن شاب مفقود    النفط الإيرانية تعلن استهداف العدو لمستودع وقود غرب طهران    اعلام اسرائيلي يتحدث عن عملية اغتيال في صنعاء    صنعاء.. التربية والتعليم تحدد موعد العام الدراسي الجديد    تريم تحتفي بزفاف 134 عريسًا وعروساً ضمن مهرجان التيسير السابع عشر    ارتفاع الجنيه الاسترليني أمام الدولار واليورو    فعالية احتفالية بذكرى يوم الولاية في حوث بمحافظة عمران    محافظة صعدة تُحيي ذكرى يوم الولاية في 21 ساحة    روسيا تدخل قائمة أكبر خمسة اقتصادات الأقل اعتمادا على الواردات    صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى    اتهامات للعليمي بشراء الولاءات الإعلامية بالتزامن مع تأخر صرف رواتب الموظفين    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    - اليك السلاح الفتاك لتقي نفسك وتنتصر على البعوض(( النامس))اليمني المنتشر حاليآ    اغتيال الشخصية!    الأستاذ جسار مكاوي المحامي ينظم إلى مركز تراث عدن    قهوة نواة التمر.. فوائد طبية وغذائية غير محدودة    حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!    الترجمة في زمن العولمة: جسر بين الثقافات أم أداة للهيمنة اللغوية؟    القيرعي الباحث عن المساواة والعدالة    اليابان.. اكتشاف أحفورة بتيروصور عملاق يقدر عمرها ب90 مليون عام    تصاعد مخيف لحالات الوفاة بحمى الضنك في عدن ومحافظات الجنوب    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من منجزات الحوثي.. صنعاء... لا شيء ينمو إلا عدد المتسولين والمقابر
نشر في المشهد اليمني يوم 20 - 05 - 2019

على مقربة من تقاطع أحد الشوارع وسط صنعاء، يقف محمود علي (40 عاماً) قرب نافذة سيارة، يستعطف السائق ليمنحه مالاً، فيرد عليه السائق: «الله كريم يا حاج». وهو، كما يقول، يعول أسرة مكونة من 7 أطفال، وعاطل عن العمل.
يجمع الرجل الأربعيني يومياً من التسول مبلغاً لا يتعدى الألفي ريال يمني، (الدولار يساوي نحو 500 ريال) أو أكثر قليلاً، وهو مبلغ، كما يفيد، «غير كاف لإطعام أطفالي».
ليس محمود وحده من يقف في ذلك التقاطع، بل يشاركه متسولون لا يقل عددهم في أفضل الأوقات عن الأربعين متسولاً. لكن كثرة المتسولين، بحسب محمود، لا تكون غالباً في صالحهم. فيقول: «عندما يَكثُر عددنا لا أحد يرحمنا ويعطينا المال».
ضاعف الفقر والنزوح المتكرر وغلاء الأسعار المتفاقم، وازدياد نسبة الأرامل، من أعداد المتسوّلين من الأنواع كافة في مناطق سيطرة الحوثيين، وفقاً لأحاديث أجرتها «الشرق الأوسط» مع سكان داخل صنعاء وتقارير محلية وأخرى إعلامية دولية.
«لا شيء ينمو في صنعاء وغيرها من المدن الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين سوى أعداد المقابر التي يدشنها الحوثيون، والمتسولين الذين باتت تعج بهم شوارع وأسواق ومساجد العاصمة صنعاء، خصوصاً في رمضان الذي كان موسم خير للفقراء»؛ يقول سكان فضلوا عدم الإدلاء بأسمائهم خشية البطش الحوثي: «منذ بداية الانقلاب، عمدت الميليشيات إلى تجويع اليمنيين، ونهب المال العام، ومصادرة المساعدات الإنسانية وبيعها في السوق السوداء، لتمويل ما يطلقون عليه (المجهود الحربي)».
ويشير سكان في صنعاء إلى أن حياة الأهالي تزداد اليوم سوءاً بسبب استمرار الانقلاب والحرب وانعدام الغذاء وتردي الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار.
وأكدوا ل«الشرق الأوسط»: «الجوع أجبر بعض الأهالي الذين كانوا يعدون من (الطبقة المتوسطة) على الخروج إلى الشوارع للتسول». وقالوا: «باتت كِسرة الخبز أقصى ما يحلم به معظم السكان في صنعاء». وأضافوا: «الحرب التي أشعلتها الميليشيات بمحافظات عدة أنتجت نوعاً جديداً من التسول وهو (تسول الطعام)، وأخرجت فئات جديدة من منازلها تحت ضغط الجوع والفقر لتمتهن هذه المهنة».
ولم تعد ظاهرة التسوّل بصنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، أمراً خارجاً عن المألوف بعد سنوات من الانقلاب؛ بل أصبحت مشهداً عادياً أن يطلب منكَ الناس المساعدة، من كلِّ الفئات والطبقات والأعمار. في حين يعكس طابور المتسوّلين بشوارع صنعاء واقعاً معيشياً مخيفاً، حيث فقد آلاف اليمنيين مصادر رزقهم، ونهب الحوثيون رواتبهم؛ الأمر الذي ينذر، وفق تقارير محلية ودولية، بحدوث مجاعة وشيكة في بلد هو بالأساس من أفقر البلدان في المنطقة.
وتؤكد تقارير أممية أن أكثر من 19 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعيش نحو مليون موظف يعملون في القطاع الإداري العام، بلا رواتب منذ سبتمبر (أيلول) 2016.
وأعلنت الأمم المتحدة مطلع الشهر الحالي أن نحو 10 ملايين شخص في اليمن أصبحوا الآن على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وأنها تبذل قصارى جهدها مع الشركاء لمساعدتهم.
وقال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن «(برنامج الغذاء العالمي) نجح خلال مارس (آذار) الماضي، في الوصول إلى 10.6 مليون شخص وتقديم المساعدات الغذائية الطارئة لهم، وفي الأشهر المقبلة يهدف البرنامج إلى توسيع عملياته لتصل إلى 12 مليون شخص شهرياً».
ونشرت صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية هي الأخرى، أول من أمس، تقريراً من داخل اليمن حول الأوضاع الإنسانية، أكدت فيه «وفاة طفل يمني كل 12 دقيقة، وهو ما يعادل 120 طفل يومياً، في مجاعة مدمرة مثل المجاعة التي حدثت في إثيوبيا في عام 1984».
وأشار التقرير إلى أن سلع الغذاء الرئيسية مثل اللبن والخبز باتت اليوم توصف عند اليمنيين بأنها «سلع رفاهية».
وازدياد المتسولين في صنعاء يعزا معظمه لتبعات الحرب التي خلفها انقلاب الميليشيات على السلطة الشرعية. ولفت مراقبون محليون إلى أن سنوات الانقلاب الأربع شهدت تضخماً مخيفاً في ظاهرة التسول في اليمن، خصوصا في العاصمة صنعاء.
وقالوا إن الظاهرة أصبحت اليوم بصنعاء تضم شرائح وأعماراً مختلفة، وجميعها تتخذ من كل شارع وسوق وحي سكني ومسجد ومؤسسة حكومية مكاناً لممارسة عملها.
ولم يكن أمام الطفل عدي عبد الله (11 عاما) من حلّ سوى ترك تعليمه بصنعاء والتوجه للعمل لمواجهة الفقر الذي تعاني منه أسرته، فبعد أن شردتهم الحرب من مدينتهم تعز في عام 2016، أصبح مع إخوانه الأربعة باعة ومتسولين في شوارع صنعاء.
واعتاد عدي ارتياد شارع التحرير بصنعاء طوال النهار مع جدته وأخته الصغيرة رنا لبيع المناديل، ومسح زجاج السيارات بأحد جولات الشارع مقابل 100 ريال عن كل سيارة، أو 150 ريالاً أخرى لكل علبة مناديل «فاين» يتمكنون من بيعه.
يقول عدي ل«الشرق الأوسط» إنه يأتي كل صباح من منطقة الصباحة (خارج صنعاء) إلى شارع التحرير مع بعض من عائلته للعمل ومساعدة أهله في توفير حاجياتهم وسداد إيجار منزلهم. ويضيف: «يعمل كل فرد منا في طريق أو تقاطع أو جولة أو باب مسجد أو مطعم أو سوق شعبية، وأكبر مبلغ نحصل عليه في اليوم لا يزيد على 12 دولاراً».
في المقابل؛ يقول أحد سائقي السيارات التي توقفت في الجولة وهرع إليها عدي، وبعد إعطائه أجرته: «ليس مفاجئاً أثناء قيادتك سيارتك في زحام مروري بشوارع صنعاء أن تباغتك رشة خليط من الماء والمنظفات الرديئة على زجاج السيارة الأمامي، يتبعها تمرير ممسحة بالية على زجاج السيارة من شخص يفرض خدماته عليك، دون أن يبالي لرفضك المتكرر لهذه الخدمة». ويضيف سائق التاكسي، وهو في الأساس شاعر وأديب يمني: «وبعد أن يقدم الشخص خدمته الإجبارية يحشر جزءاً من جسده داخل السيارة أو يرتمي عليها لضمان عدم تحركها، ويطلب المال مقابل هذه الخدمة».
ويبدو واضحاً ما آلت إليه اليوم شوارع صنعاء ومناطق سيطرة الانقلابيين من ازدحام الجولات والطرقات والأسواق والأحياء والمساجد وأبواب المطاعم والمؤسسات بعشرات الآلاف من المتسولين؛ بينهم أطفال ونساء، في مشهد يعكس حجم الكارثة التي حلت باليمنيين بشكل عام.
وينقسم المتسولون في اليمن إلى قسمين: الأول يضم أشخاصاً أجبرتهم الظروف الاقتصادية الصعبة على مد يدهم للغير. والآخر اتخذوا من التسول مهنة سهلة لكسب النقود.
وقدرت دراسة محلية شملت 8 محافظات يمنية، في عام 2013 قبل الانقلاب، العدد الكلي للمتسولين في صنعاء بنحو 30 ألف طفل وطفلة؛ جميعهم دون سن ال18. فيما تؤكد إحصائية أخرى صادرة عن مركز دراسات وبحوث يمني في 2017، بعد 4 أعوام من الانقلاب، أن عدد المتسولين في اليمن ارتفع بشكل مخيف ليصل إلى أكثر من «مليون ونصف المليون متسول ومتسولة».
وأكدت الإحصائية أن هذه الظاهرة باتت واضحة في المدن اليمنية الكبرى أكثر من غيرها، خصوصاً في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبالمقابل، تفيد إحصاءات أخرى غير رسمية بأن أعداد المتسولين في ازدياد مستمر، خصوصاً بمناطق سيطرة الانقلابيين. فيما لم تتحدث حتى اليوم أي إحصائية رسمية عن عدد إجمالي للمتسولين في اليمن.
ويؤكد مسؤول بمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة، فضل عدم الكشف عن اسمه، عدم وجود إحصائية رسمية بعدد المتسولين سواء في صنعاء أو في اليمن ككل. وأشار إلى أن أعداد المتسولين في صنعاء وصلت إلى أضعاف ما كانت عليه في الأعوام السابقة.
وتوقع أكاديميون مختصون بقضايا السكان أن أعداد المتسولين في العاصمة فقط بالوقت الراهن تصل إلى أكثر من 200 ألف متسول ذكوراً وإناثاً من مختلف الأعمار.
وأشاروا إلى أن تلك التوقعات تمثل 10 أضعاف آخر الإحصاءات العلمية؛ العشوائية العينة، الصادرة عن أكاديميين بجامعة صنعاء قبل بدء الانقلاب في سبتمبر 2014، والتي قدرت عدد المتسولين بنحو 30 ألف طفل وطفلة دون سن ال18 (لا يشمل هذا العدد كبار السن من الذكور والإناث الذين خرجوا للتسوّل تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة والفقر المدقع).
ورأى الأكاديميون أن ازدياد أعداد المتسولين في اليمن ينذر بكارثة خطيرة، ويقولون إن تلك الظاهرة تعزز من مخاوف وقوع مجاعة جماعية في اليمن. وقالوا: «ظاهرة التسوّل من أكثر الظواهر الاجتماعية التي تنامت وبرزت بقوة مع دخول الانقلاب في اليمن عامه الرابع». وأكدوا أن الظاهرة غدت اليوم من الأمور المقلقة عند المجتمع، وذلك لزيادة عدد المتسولين بشكل مهول وانتشارهم بمختلف مدن اليمن، خصوصاً تلك الخاضعة لسيطرة الانقلابين.
وعزوا ذلك إلى موجات النزوح الجماعي التي شهدتها صنعاء من مختلف المدن التي طالتها يد التدمير والخراب والحرب الهمجية الحوثية، وتفشي البطالة وانقطاع المرتبات عن موظفي الدولة وانقطاع مصادر الدخل لدى غالبية الأسر اليمنية.
على مقربة من تقاطع أحد الشوارع وسط صنعاء، يقف محمود علي (40 عاماً) قرب نافذة سيارة، يستعطف السائق ليمنحه مالاً، فيرد عليه السائق: «الله كريم يا حاج». وهو، كما يقول، يعول أسرة مكونة من 7 أطفال، وعاطل عن العمل.
يجمع الرجل الأربعيني يومياً من التسول مبلغاً لا يتعدى الألفي ريال يمني، (الدولار يساوي نحو 500 ريال) أو أكثر قليلاً، وهو مبلغ، كما يفيد، «غير كاف لإطعام أطفالي».
ليس محمود وحده من يقف في ذلك التقاطع، بل يشاركه متسولون لا يقل عددهم في أفضل الأوقات عن الأربعين متسولاً. لكن كثرة المتسولين، بحسب محمود، لا تكون غالباً في صالحهم. فيقول: «عندما يَكثُر عددنا لا أحد يرحمنا ويعطينا المال».
ضاعف الفقر والنزوح المتكرر وغلاء الأسعار المتفاقم، وازدياد نسبة الأرامل، من أعداد المتسوّلين من الأنواع كافة في مناطق سيطرة الحوثيين، وفقاً لأحاديث أجرتها «الشرق الأوسط» مع سكان داخل صنعاء وتقارير محلية وأخرى إعلامية دولية.
«لا شيء ينمو في صنعاء وغيرها من المدن الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين سوى أعداد المقابر التي يدشنها الحوثيون، والمتسولين الذين باتت تعج بهم شوارع وأسواق ومساجد العاصمة صنعاء، خصوصاً في رمضان الذي كان موسم خير للفقراء»؛ يقول سكان فضلوا عدم الإدلاء بأسمائهم خشية البطش الحوثي: «منذ بداية الانقلاب، عمدت الميليشيات إلى تجويع اليمنيين، ونهب المال العام، ومصادرة المساعدات الإنسانية وبيعها في السوق السوداء، لتمويل ما يطلقون عليه (المجهود الحربي)».
ويشير سكان في صنعاء إلى أن حياة الأهالي تزداد اليوم سوءاً بسبب استمرار الانقلاب والحرب وانعدام الغذاء وتردي الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار.
وأكدوا ل«الشرق الأوسط»: «الجوع أجبر بعض الأهالي الذين كانوا يعدون من (الطبقة المتوسطة) على الخروج إلى الشوارع للتسول». وقالوا: «باتت كِسرة الخبز أقصى ما يحلم به معظم السكان في صنعاء». وأضافوا: «الحرب التي أشعلتها الميليشيات بمحافظات عدة أنتجت نوعاً جديداً من التسول وهو (تسول الطعام)، وأخرجت فئات جديدة من منازلها تحت ضغط الجوع والفقر لتمتهن هذه المهنة».
ولم تعد ظاهرة التسوّل بصنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، أمراً خارجاً عن المألوف بعد سنوات من الانقلاب؛ بل أصبحت مشهداً عادياً أن يطلب منكَ الناس المساعدة، من كلِّ الفئات والطبقات والأعمار. في حين يعكس طابور المتسوّلين بشوارع صنعاء واقعاً معيشياً مخيفاً، حيث فقد آلاف اليمنيين مصادر رزقهم، ونهب الحوثيون رواتبهم؛ الأمر الذي ينذر، وفق تقارير محلية ودولية، بحدوث مجاعة وشيكة في بلد هو بالأساس من أفقر البلدان في المنطقة.
وتؤكد تقارير أممية أن أكثر من 19 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعيش نحو مليون موظف يعملون في القطاع الإداري العام، بلا رواتب منذ سبتمبر (أيلول) 2016.
وأعلنت الأمم المتحدة مطلع الشهر الحالي أن نحو 10 ملايين شخص في اليمن أصبحوا الآن على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وأنها تبذل قصارى جهدها مع الشركاء لمساعدتهم.
وقال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن «(برنامج الغذاء العالمي) نجح خلال مارس (آذار) الماضي، في الوصول إلى 10.6 مليون شخص وتقديم المساعدات الغذائية الطارئة لهم، وفي الأشهر المقبلة يهدف البرنامج إلى توسيع عملياته لتصل إلى 12 مليون شخص شهرياً».
ونشرت صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية هي الأخرى، أول من أمس، تقريراً من داخل اليمن حول الأوضاع الإنسانية، أكدت فيه «وفاة طفل يمني كل 12 دقيقة، وهو ما يعادل 120 طفل يومياً، في مجاعة مدمرة مثل المجاعة التي حدثت في إثيوبيا في عام 1984».
وأشار التقرير إلى أن سلع الغذاء الرئيسية مثل اللبن والخبز باتت اليوم توصف عند اليمنيين بأنها «سلع رفاهية».
وازدياد المتسولين في صنعاء يعزا معظمه لتبعات الحرب التي خلفها انقلاب الميليشيات على السلطة الشرعية. ولفت مراقبون محليون إلى أن سنوات الانقلاب الأربع شهدت تضخماً مخيفاً في ظاهرة التسول في اليمن، خصوصا في العاصمة صنعاء.
وقالوا إن الظاهرة أصبحت اليوم بصنعاء تضم شرائح وأعماراً مختلفة، وجميعها تتخذ من كل شارع وسوق وحي سكني ومسجد ومؤسسة حكومية مكاناً لممارسة عملها.
ولم يكن أمام الطفل عدي عبد الله (11 عاما) من حلّ سوى ترك تعليمه بصنعاء والتوجه للعمل لمواجهة الفقر الذي تعاني منه أسرته، فبعد أن شردتهم الحرب من مدينتهم تعز في عام 2016، أصبح مع إخوانه الأربعة باعة ومتسولين في شوارع صنعاء.
واعتاد عدي ارتياد شارع التحرير بصنعاء طوال النهار مع جدته وأخته الصغيرة رنا لبيع المناديل، ومسح زجاج السيارات بأحد جولات الشارع مقابل 100 ريال عن كل سيارة، أو 150 ريالاً أخرى لكل علبة مناديل «فاين» يتمكنون من بيعه.
يقول عدي ل«الشرق الأوسط» إنه يأتي كل صباح من منطقة الصباحة (خارج صنعاء) إلى شارع التحرير مع بعض من عائلته للعمل ومساعدة أهله في توفير حاجياتهم وسداد إيجار منزلهم. ويضيف: «يعمل كل فرد منا في طريق أو تقاطع أو جولة أو باب مسجد أو مطعم أو سوق شعبية، وأكبر مبلغ نحصل عليه في اليوم لا يزيد على 12 دولاراً».
في المقابل؛ يقول أحد سائقي السيارات التي توقفت في الجولة وهرع إليها عدي، وبعد إعطائه أجرته: «ليس مفاجئاً أثناء قيادتك سيارتك في زحام مروري بشوارع صنعاء أن تباغتك رشة خليط من الماء والمنظفات الرديئة على زجاج السيارة الأمامي، يتبعها تمرير ممسحة بالية على زجاج السيارة من شخص يفرض خدماته عليك، دون أن يبالي لرفضك المتكرر لهذه الخدمة». ويضيف سائق التاكسي، وهو في الأساس شاعر وأديب يمني: «وبعد أن يقدم الشخص خدمته الإجبارية يحشر جزءاً من جسده داخل السيارة أو يرتمي عليها لضمان عدم تحركها، ويطلب المال مقابل هذه الخدمة».
ويبدو واضحاً ما آلت إليه اليوم شوارع صنعاء ومناطق سيطرة الانقلابيين من ازدحام الجولات والطرقات والأسواق والأحياء والمساجد وأبواب المطاعم والمؤسسات بعشرات الآلاف من المتسولين؛ بينهم أطفال ونساء، في مشهد يعكس حجم الكارثة التي حلت باليمنيين بشكل عام.
وينقسم المتسولون في اليمن إلى قسمين: الأول يضم أشخاصاً أجبرتهم الظروف الاقتصادية الصعبة على مد يدهم للغير. والآخر اتخذوا من التسول مهنة سهلة لكسب النقود.
وقدرت دراسة محلية شملت 8 محافظات يمنية، في عام 2013 قبل الانقلاب، العدد الكلي للمتسولين في صنعاء بنحو 30 ألف طفل وطفلة؛ جميعهم دون سن ال18. فيما تؤكد إحصائية أخرى صادرة عن مركز دراسات وبحوث يمني في 2017، بعد 4 أعوام من الانقلاب، أن عدد المتسولين في اليمن ارتفع بشكل مخيف ليصل إلى أكثر من «مليون ونصف المليون متسول ومتسولة».
وأكدت الإحصائية أن هذه الظاهرة باتت واضحة في المدن اليمنية الكبرى أكثر من غيرها، خصوصاً في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبالمقابل، تفيد إحصاءات أخرى غير رسمية بأن أعداد المتسولين في ازدياد مستمر، خصوصاً بمناطق سيطرة الانقلابيين. فيما لم تتحدث حتى اليوم أي إحصائية رسمية عن عدد إجمالي للمتسولين في اليمن.
ويؤكد مسؤول بمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة، فضل عدم الكشف عن اسمه، عدم وجود إحصائية رسمية بعدد المتسولين سواء في صنعاء أو في اليمن ككل. وأشار إلى أن أعداد المتسولين في صنعاء وصلت إلى أضعاف ما كانت عليه في الأعوام السابقة.
وتوقع أكاديميون مختصون بقضايا السكان أن أعداد المتسولين في العاصمة فقط بالوقت الراهن تصل إلى أكثر من 200 ألف متسول ذكوراً وإناثاً من مختلف الأعمار.
وأشاروا إلى أن تلك التوقعات تمثل 10 أضعاف آخر الإحصاءات العلمية؛ العشوائية العينة، الصادرة عن أكاديميين بجامعة صنعاء قبل بدء الانقلاب في سبتمبر 2014، والتي قدرت عدد المتسولين بنحو 30 ألف طفل وطفلة دون سن ال18 (لا يشمل هذا العدد كبار السن من الذكور والإناث الذين خرجوا للتسوّل تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة والفقر المدقع).
ورأى الأكاديميون أن ازدياد أعداد المتسولين في اليمن ينذر بكارثة خطيرة، ويقولون إن تلك الظاهرة تعزز من مخاوف وقوع مجاعة جماعية في اليمن. وقالوا: «ظاهرة التسوّل من أكثر الظواهر الاجتماعية التي تنامت وبرزت بقوة مع دخول الانقلاب في اليمن عامه الرابع». وأكدوا أن الظاهرة غدت اليوم من الأمور المقلقة عند المجتمع، وذلك لزيادة عدد المتسولين بشكل مهول وانتشارهم بمختلف مدن اليمن، خصوصاً تلك الخاضعة لسيطرة الانقلابين.
وعزوا ذلك إلى موجات النزوح الجماعي التي شهدتها صنعاء من مختلف المدن التي طالتها يد التدمير والخراب والحرب الهمجية الحوثية، وتفشي البطالة وانقطاع المرتبات عن موظفي الدولة وانقطاع مصادر الدخل لدى غالبية الأسر اليمنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.