هيئة مكافحة الفساد تتسلم اقرارالوكيل المساعد السابق للقطاع المالي والإداري بوزارة الشباب    وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية في الجميمة بحجة    اجتماع يناقش تحديث الأطر المؤسسية بوزارة الاقتصاد    لقاءات الرئيس الزُبيدي.. تحركات يومية لكبح جماح حرب الخدمات    خطوة في طريق التعافي الاقتصادي    ضمت 85 مشاركة.. دائرة المرأة في الإصلاح تختتم دورة "التفكير الاستراتيجي"    رايتس رادار تدين حملات الاختطافات الحوثية في إب وتطالب بالإفراج عن المختطفين    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    غزة: 20 شهيداً إثر انقلاب شاحنة محملة بالغذاء تعرضت لقصف صهيوني    مصرع 4 ركاب في تحطم طائرة نقل طبية بولاية أريزونا    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    قتلة وجلادي أمن مأرب يزهقون حياة طفل يتيم عمره 13 عاما    المواجهة مع هائل سعيد.. آخر معارك الوحدة اليمنية اللعينة    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    اعتراف صهيوني: اليمن بدّد هيبة أمريكا في البحر    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لا قضاء ولا قدر في اليمن    سفير إسرائيلي سابق يطالب ماكرون بفرض عقوبات فورية على إسرائيل وعزلها جغرافيًا    من ضمّني لن أتركه وحده.. وكلمة السامعي بلاغ رسمي قبل السقوط!    عدن.. البنك المركزي يعلن سحب تراخيص منشأتين جديدتين للصرافة ويغلق فروعهما    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    ستبقى "سلطان" الحقيقة وفارسها..    أياكس الهولندي يتعاقد مع المغربي عبدالله وزان حتى 2028    فريق شباب الحزم يتوج ببطولة العدين الكروية بنسختها الرابعة    مقتل مرتكب المجزرة الاسرية بإب    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    لا تليق بها الفاصلة    محافظ عدن يقر رفع حافز المعلمين إلى 50 ألف    تعز.. اختتام دورة الرخصة الآسيوية (C) لمدربي كرة القدم    النفط يتراجع وسط تصاعد المخاوف من فائض المعروض    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    وزارة الزراعة تناقش استعدادات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    إصابات إثر تصادم باصين للنقل الجماعي بمحافظة حضرموت    النائحات المستأجرات    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدور الحكومي والمجتمعي في التعامل معها مازال بطيئاً!!
ظاهرة التسول.. بين الحاجة والاحتراف..!!

في أي مكان تمر به, وأينما وليت وجهك, تجد أناسا بمختلف أنواعهم وفئاتهم وأصنافهم, شيوخاً وشبابا.. أطفالاً ونساء, أمراضاً وأصحاء, معسورين وميسورين, منهم من يتشبث بك, ومنهم من يقبل يديك ويركع أمام ركبتيك, يستنجد بك بكل عبارات الضعف والذل والهوان, مادداً يده إليك, علك تجود عليه بما يسد رمق جوعه, أو بما يقضي حاجته ولو بشيء يسير, إنهم المتسولون ويالها من معاناة يتجرعونها.. والتسول ظاهرة اجتماعية, اتسعت رحاها يوما بعد آخر ومازالت, فقد بدأت كظاهرة ممقوتة استنكرها المجتمع, ثم تطورت وتفاقمت بمرور الوقت, حتى غدت عادة ومهنة تعايش معها الطالب, وتوائم معها المطلوب..
تزايد غير مسبوق
عندما تلحظ أو تحدق في نظرك في أي مكان, ترى ازديادٍاً وبشكل ملفت للنظر في أعداد المتسولين, من كافة الشرائح الاجتماعية المختلفة, فمنها من تمارسه بشكل موسمي نتيجة لظروف أرغمتها على ذلك, ومنها من تمارسه بطريقة محترفة تتعاطى معه كمهنة متوارثة, فيُمارس التسول إما بشكل فردي أو أسري, ومعظم المتسولين هم إما مسنون يفتقدون العائلة وإما من النساء الأرامل أو الأطفال صغار السن الذين أجبرتهم أسرهم تحت ضغط الفقر على ممارسة التسول, ووفقاً لإحصائيات غير رسمية قدرت أعداد المتسولين في “اليمن” بقرابة مليون ونصف متسول, من كلا الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية, وهذا رقم خطير جداً بالنسبة لبلد يبلغ تعداد سكانه بنحو 25 مليون نسمة, مع العلم بأن الرقم مستمر في التضاعف كل عام, نتيجة لاستمرار تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد, ناهيكم عن ازدياد تدفق اللاجئين الغير شرعيين إلى “اليمن”.
زادوا الوضع تعقيدا
من المعروف أن اليمن من الدول التي يتم الهجرة إليها بدون إجراءات قانونية ومعقدة كالتي في الجوار, وهو ما يؤدي إلى تدفق الكثير من أبناء الدول الإقليمية التي تعيش أوضاعاً مأساوية تعصف بها “كالصومال وسوريا”, لكن من يهاجر إلى “اليمن” أصلاً, لا يعدون من أصحاب رؤوس الأموال في تلك البلدان, بل من الأشد منهم فقرا, ونتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع نسبة البطالة وازدياد معدلات الفقر في بلادنا فإن أغلب هؤلاء لا يجدون عملاً يُعيلون به أنفسهم وأسرهم, ما يجعل التسول الخيار الوحيد أمام بعضهم خاصة النساء.
رئيس مفوضية اللاجئين السامية “برونو جيدو” كان قد دعا “الحكومة اليمنية” إلى التعاون مع المنظمة من أجل الوصول إلى كافة اللاجئين “السوريين” حتى يتم مساعدتهم وإلحاق أطفالهم بالتعليم وإبعادهم عن التسول في الشوارع.
- كما أوضح نائب وزير الخارجية “د. على مثنى” أن عدد اللاجئين في تزايد مستمر, فمنذ العام 2009م إلى الآن أرتفع بنسبة تصل إلى 100 %, كما أوضح أن أكثر من 80 % من القادمين من “القرن الإفريقي” هم مهاجرين غير شرعيين من “إثيوبيا”, لافتاً إلى أن عدد اللاجئين والمهاجرين بحسب إحصائية مفوضية اللاجئين وصل إلى 500 ألف شخص، فيما المسجلون لدى المفوضية 240 ألف شخص فقط من “الصومال وسوريا”، غير انه قدر عدد المهاجرين واللاجئين إلى ما يقارب المليون شخص, مبيناً أنه لا توجد إحصائية دقيقة بعددهم, وهو الأمر الذي يفرض على الدولة وضع حد للتدفق غير المنظم للاجئين كوسيلة مساعدة للحد من توسع هذه الظاهرة.
نساء وأطفال
كل يوم في أوقات الذروة عندما نتمعن في المتسولين, فإننا نجد أن النساء والأطفال يشكلان الغالبية العظمى منهم, فبحسب تقديرات صادرة عن “الأمم المتحدة” أشارت إلى أن عدد النساء المتسولات في “اليمن” بلغ أكثر 200 ألف, بينما قدرت دراسة أخرى شملت ثلث “اليمن”, أجراها “المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في صنعاء ومنظمة اليونيسيف”، أن عدد الأطفال من الذكور والإناث المتسولين دون سن 18 أكثر من 30 ألف متسول، غالبيتهم يتواجدون في المدن الرئيسة أبرزها “صنعاء”, وهو رقم يبدو أقل مما هو مشاهد على أرض الواقع, وأياً كان فهو يستدعي ضرورة إيجاد حلول ومعالجات لهذه الظاهرة, قبل أن تستفحل وتتجذر أضرارها, لعل أبرزها العيش الهين, الانحراف, عدم الالتحاق بالمدارس, تفشي الأمية, جهل وتخلف وإلى ما هنالك من تبعات تنعكس آثارها سلباً على المجتمع عامة.
- ومن هذا المنطلق يطرح سؤال مفاده لماذا غالبية المتسولين من الأطفال والنساء؟
- يقول “مركز الدراسات وبحوث العمل” إن نسبة من المتسولين يمارسون التسول بناء على طلب رب الأسرة أو الزوج, ومعظم هؤلاء من النساء اللاتي يجبرهن أزواجهن أو أولياء أمورهن على ممارسة التسول لتلبية احتياجات الأسرة, وفي أحيان لتلبية الاحتياجات الشخصية لرب الأسرة, ومُتعهِ اليومية, مثل التعاطي للقات وشرب الدخان.
- كنا قد سألنا “منيرة” كما تدعي اسمها وإن لم تصدق, والتي لطالما نجدها دائماً في إحدى فرزات الباصات “بالعاصمة” وهي تقوم بمهنتها مع طفليها بالتسول كالعادة, سألناها عن سبب تسولها فقالت: بأنها تعيل نفسها وتعيل طفليها اليتيمين اللذين ليس لهما إلا الله؛ لكننا شككنا في أمر هذه المرأة؛ فقمنا باستدراج أحد أبنائها ويدعى “سمير”, عرضنا عليه 500 ريال إن أخبرنا بالحقيقة فقال: “ أبي بالبيت ما بيشتغل لأنه ما بش عمل “وأضاف” وأبي بيقول لنا سيروا أطلبوا الله ولا ما عاد تجلسوا في البيت”.
- في نفس المكان أيضا وجدنا 3 شقيقات يقدر أعمارهن ما بين 13 - 16 أخبرنا بأن أباهن خرج من البيت قبل ثلاث سنوات, ومنذ ذلك الحين لم يعد, ولهذا فهن يقمن بالتسول لتوفير قوتهن وقوت والدتهن اليومي, وكذلك إيجار مسكنهن الشهري.
- ولا أخفيكم علماً بأنا قد رأينا بأم أعيننا أكثر من مرة في أسواق القات وغيره, أشخاصاً يبتزون نساء “يمنيات” وأخرى “سوريات” ويراودونهن عن أنفسهن لممارسة البغاء معهم, مقابل المال والعياذ بالله.
وبشكل عام فإن التسول بطبيعة الحال, يرجع إلى عوامل فسيولوجية مرتبطة بالمتسولين (معيشية وصحية واجتماعية), تتحول إلى سيكولوجية فيما بعد.
دوافع اقتصادية (معيشية)
في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية التي عانت منها البلاد ومازالت, وتتابع الأزمات التي عصفت بها من حروب داخلية وأزمات سياسية متعاقبة, إضافة إلى ذلك قلة الموارد الاقتصادية للدولة, وغياب مبدأ التوزيع العادل للثروة والإرهاصات التي خلفت على مدى عقود؛ ارتفعت نسبة الفقر والبطالة, التي انعكست على تدهورَ المستوى المعيشي إلى أقصى درجاته بين أوساط المجتمع, خاصة بين شريحة المواطنين الفقراء ممن هم من ذوي الدخل المحدود، هذا إن لم يكن معدوماً أصلاً هذه الأيام؛ الذين لم يجدوا أية وسيلة مجدية تمكنهم من الصمود في مقاومة الواقع المر الذي يعيشونه, فما كان من البعض منهم إلى الاتجاه نحو التسول, وبحسب تقديرات صادرة عن “الأمم المتحدة” أشارت أن الأزمات والتدهور الاقتصادي والمعيشي المخيف في “اليمن”, قد دفع بنحو 40 % من “اليمنيين” تحت خط الفقر.
- إلى جوار بوابة “جامعة صنعاء” وجدنا رجلاً خمسينياً, مادداً يده إلى كل من يمر أمامه بكل خجل واستحياء، ورأسه منكس نحو الأرض دون النطق بكلمة واحدة, اقتربنا منه وسألناه عن سبب تسوله لكنه لم يرد علينا إلا بعد أن أوضحنا له بأننا مقدرون لظروفه, فشعر بالاطمئنان منا, وقال وعينه تذرف دمعاً بأنه أبٌ لخمسة أولاد, وليس لديه أي أحد يعيله في مواجهة متطلبات الحياة, كما أنه لا يملك قوت يومه، وبرر تسوله أنه قد يئس من البحث عن عمل ولو بأجر زهيد لكنه لم يجد.!!
دوافع اجتماعية
إن الدوافع الاجتماعية للتسول ذات ارتباط وثيق الصلة بالدوافع الاقتصادية وذلك بحسب الدكتورة “عفاف أحمد الحيمي” أستاذ مشارك في تخصص علم التنمية والتغير الاجتماعي في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب في “جامعة صنعاء”, والتي أوضحت ل” الجمهورية” أن غياب العامل الإنساني يلعب دوراً كبيرا في حدوث هذه الظاهرة, ويتمثل في تعدد الزوجات الذي يقع فيه الكثير من الناس, دون وجود مصدر دخل كافِ لبعض الأسر, وبالتالي ينعكس على وضع الأسرة ككل ما يدفع تلك الأسر للخروج للشارع وممارسة التسول, وأكدت “عفاف” أن الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة تلعب دوراً كبيراً في شيوع تلك الظاهرة, كما نوهت أن انتشار الأمية بشكل كبير, خصوصاً بين فئة كبار السن والتفكك الأسري وفقدان العائل (رب الأسرة) يسهم كذلك بشكل قوي في انتشار التسول.
- بعيداً عن ذكر المكان وتفاصيله كما طلبت “أم رياض” والتي وجدناها تتسول, سألناها كالعادة عن سبب تسولها؛ فأخبرتنا وصوتها مليء بالتنهدات شديدة الحزن, أنها الزوجة الثانية لزوجها الذي كانت تعيش معه أياماً رغيدة كما وصفت, ثم بعد ذلك حدثت بينها وبينه مشاكل أسرية بسبب الزوجة الأولى, فما كان منه إلا أن رماها هي وأولادها (أولاده) الثلاثة في الشارع ولم يعرهم أي اهتمام, خصوصاً وأنه ميسور الحال.! بطبيعتنا لم نصدق كلامها المزعوم كما كنا نظن, فطلبنا منها مصاحبتها إلى مكان إقامتها لنتعرف على أولادها, فوافقت على ذلك لأننا أكدنا لها أننا سنسعى لمساعدتها بما نستطيع, وحينما وصلنا إلى مكان سكنها والذي وجدناه عبارة عن غرفة صغيرة مع حمام فقط يسقفها الزنك ويفترشها التراب, كان أطفالها الثلاثة ذات الأعمار 7, 8, 9, سنوات قد عادوا من المدرسة, وتظهر على وجوههم علامات الجوع والهزل الشديدين, وأشارت لنا “أم رياض” إلى عمارة سكنية ذات أربع طوابق تقبع بجوار غرفتها, قالت بأنها تعود ملكاً لزوجها, وهذا ما لم نستوعبه في البدايةً, لكننا عندما تقصينا ذلك من بعض من جيرانها في الحارة, تأكد لنا صدقها, نتيجة لما تعاني منه “أم رياض” من “ظلم جائر من زوجها الذي لم يطلقها على الأقل علها تجد من هو أخير منه يعيلها ويعول أبناءها” فهي تخرج كل يوم إلى الشارع للتسول, بغية توفير قوتها وقوت فلذات أكبادها, مما يجود به الناس عليها.
دوافع صحية
كثيرة هي حالات العاهات والإعاقات الدائمة وغير ذلك, التي لطالما نرى حامليها مكدسين في الشوارع والأرصفة, يداومون على التسول كل يوم تحت وطأة البرد والريح والشمس والمطر.
- رئيس جمعية ذخر لتأهيل المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة, والباحث في علم الاجتماع الأستاذ “صادق محمد سعد”, أكد ل “الجمهورية” أنه في “تعز” وحدها يوجد أكثر من 7000 حالة إعاقة (حسية وذهنية وحركية ومزدوجة), وهؤلاء الحالات كما يقول تشكل عبئاً على المجتمع الذي لا يتقبلها وظيفياً في العمل الخاص, ويضيف “صادق” من الجيد أن للمعاق 5 درجات وظيفية في الخدمة المدنية, لكنه لا بد أن يكون حامل شهادة أي لديه مؤهل, لذلك لن يستطيع التعلم والتكيف إلا في بيئة خاصة, ولهذا يجب على الحكومة أن تقوم بدورها بإنشاء المزيد من المدارس والمراكز المتخصصة بتعليمهم, وكذلك يجب على الدولة عامة أن تتعاون مع الجمعيات الذات صلة بتأهيلهم لجعلهم يكتسبون مهناً فنية أو حرفاً يدوية, تمكنهم من الاتكال على أنفسهم بدلاً من التسول الذي يمتهنه البعض منهم.
- وبعيداً عن الإعاقات فقد يضطر المرء للتسول حتى وإن كان ميسور الحال والبدن في بادئ الأمر, ذلك بسبب داء خطير قد يصيبه أو يصيب شخصاً ما يعيله إذا ما سمح الله, ونتيجة لتقصير مستشفيات الحكومة في تأدية واجباتها وإهمالها مرضاها, يضطر الكثير من هؤلاء المرضى خاصة ممن هم من ذوي الدخل المحدود الذهاب إلى المستشفيات الخاصة, وما هي إلا أيام معدودات, حتى يكتشف البعض منهم بأنه قد أنفق ماله وضماره داخل هذه المستشفيات التجارية, ونتيجة لاضطراره إكمال علاجه إما بشراء دواء يخفف عنه أو بإجراء عملية جراحية تبعد الموت عنه, فإنه فجأة قد يجد نفسه أو من ينوب عنه إذا ما كان مقعداً على الفراش, يتسول في المساجد وما أكثرهم, أو في المدارس والشوارع وغير ذلك.
احتراف كمهنة
قد تدفع الحاجة والفاقة أناساً للتسول واستجداء الغير من أجل العطف عليهم ولو بشيء يسير, لعله يخفف عنهم وطأة ما يعانون منه, إلا أن هناك صنفاً من الناس عديمي الإحساس والكرامة والمروءة يمارسون التسول, وهم ليسوا في حاجة له, وإنما أصبحت هذه الظاهرة حرفة وعادة أدمنوا عليها يمارسونها دونما خجل, وذلك لاتخاذهما وسيلة للرزق السريع كما يسميها الكثيرون, وهناك قصص كثيرة متداولة بأن متسولاً مات وتحت فراشه الملايين, أو أن متسولة أكتشف فيما بعد بأنها تملك عمارة, وما أكثر تلك القصص وما أكثر أبطالها, ولعل أفظع موقف صادفته في حياتي قبل مدة, إذ وجدت شخصاً أعرفه كما أعرف نفسي يتسول في أحد الأسواق الراقية في الدول المجاورة, وعندما ناديته باسمه وتقدمت منه لكي أسلم عليه, نظر إلي بدهشة ولم يصافحني حتى!! ثم انصرف وكأنه لا يعرفني أو أنني غلطان أو مشبه كما يقال, الغريب من ذلك هو أن هذا الشخص يمتلك عمارة سكنية وباصاً (حافلة)!؟ لكن لماذا لا يزال يتسول!؟ بل ويسيء لسمعة اليمنيين في الخارج وما أكثر أمثاله؟ أهو الطبع الذي غلب تطبعه.
- الإعلامي “صادق الظاهري” يوصف لي أن شاباً ميسور الحال في حارته, سجن أمه في البيت بسبب قيامها بالتسول لأكثر من مرة رغم منعه لها من ذلك, لكن السجن لم يمنعها من إخراج يدها من النافذة كلما رأت مارة, ويضيف “الظاهري” ضاحكاً أصبح التسول عادة وإدماناً ومرضاً عند بعض الناس.
آفة خطيرة
لربما قد تكون هكذا قصصاً مشابهة مألوفة لدى الكثير منا, لكن ما لا يخطر في الحسبان, أن ثمة شبكات منظمة تدير متسولين لمآرب تخدمها, وهو ما كشفه “موقع تسول” عن طريق تحقيق استقصائي نفذه, يفيد فحواه أن مهنة التسول في “اليمن” تدر نحو 50 ألف دولار يومياً بمعدل مليون ونصف المليون دولار شهرياً, ونقل التحقيق عن رئيس منظمة أكتاف للطفولة في “صنعاء”, وجود عصابات تستغل اللاجئين, وتعمل بطريقة منظمة وحذرة يقف وراءها نافذون, وأنه يتم توظيف صغار السن واختطاف بعضهم أو الاتفاق مع أسرهم مقابل منحهم مبلغاً مالياً من تسول أطفالهم.
ولعل هذه من أخطر الظواهر التي مررنا بها في هذا التحقيق والتي تتطلب تقصياً دقيقاً من قبل وزارة الداخلية, لاكتشاف ومعرفة ناسجي هذه الشبكات التي تفتك بالبراءة, وذلك لتمزيقها.
رؤية موحدة
الأستاذ “مجيب سلطان الفاتش” مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالأمانة أوضح ل”الجمهورية”, أنه يوجد لدى مكتب الشؤون, مكتب خاص في منطقة الحتارش “بصنعاء” لمكافحة التسول؛ لكنه موقف منذ شهر أغسطس من العام قبل الماضي, لأنه لم يؤد دوره بالشكل المطلوب, مؤكداً أن “أمانة العاصمة” كانت قد نظمت بالتعاون مع مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالأمانة ورشة عمل لمناقشة ظاهرة التسول, وقد تم التوصل إلى قرار إنشاء بيت الرعاية الاجتماعية لمكافحة التسول في “اليمن”, لكن هذا المشروع لم ير النور حتى الآن.
- وأضاف “الفاتش” لقد أجرينا ورشة عمل مع الجهات المانحة لنخرج برؤية موحدة لمواجهة هذه الظاهرة, ونحن بصدد تجهيز مشروع متكامل لمكافحة التسول, وسيعرض على مجلس الوزراء والجهات المانحة وسيشارك فيه القطاع الخاص.
تحسين وإصلاح
إصلاح الأوضاع الاقتصادية ورفع المستوى المعيشي للمواطن من أبرز الحلول الناجعة لمواجهة هذه الظاهرة، في هذا الصدد دعت الدكتورة “عفاف الحيمي” الدولة أن تهتم بهذه الشريحة, وأن توجد برامج تتكفل بالنظر في أحوال تلك الجماعات الموجودة في الشارع, كما يجب عليها إيجاد مصادر دخل لتلك الجماعات من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية.
- وأضافت قائلة: يجب على الدولة تحسين الأوضاع في الريف وذلك بإيجاد مشاريع خدمية واقتصادية تلبي احتياجات سكان الريف كونهم يمثلون ما نسبته 70 % من إجمالي نسبة السكان في “الجمهورية”, كما يجب على الدولة أن تهتم بتعليم المرأة وأن تحد من ظاهرة الزواج المبكر, كونه يعد أحد أهم العوامل المؤدية إلى الفقر والجهل.
- وشددت: يجب على الحكومة أن ترفع من مستواها وأدائها وترفع من قيمة المواطن “اليمني” في الداخل والخارج, ونوهت إلى ضرورة أن تقوم وسائل الإعلام بالدور الذي يتوجب عليها تأديته, المتمثل بالتوعية حول هذه الظاهرة, والتعريف بها كظاهرة سلبية ممقوتة, يجب على المواطن الترفع عنها وحثه على استخدام طاقته وجهده وعدم الاتكال على الغير والركون ومد يد الحاجة إليهم.
- من جانبنا نضيف إلى ذلك أنه يجب على الحكومة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, أن تعيد النظر في حالات الضمان الاجتماعي, التي تهدر لمن هم غير مستحقين, كما يجب أن ترفع مبالغ حالات الضمان على الأقل بنسبة 200 % أو أن تكون دورة استلامها كل شهر بدلاً من 3 أشهر, إضافة إلى أنه يجب على الحكومة وأصحاب النفوذ والميسرين, أن يدعموا ويشجعوا المنظمات والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية, التي تتبنى مساعدة الفقراء والمحتاجين, وأهم من ذلك كله يجب على المجتمع عامة أن يتعاون ويتكاتف فيما بينه, وإن ينظر الجار إلى جاره والغني إلى الفقير, بإخاء ومودة وإيثار, وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم, كمثل الجسد الواحد، إِذا اشتكى منه عضو, تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمى) “صدق رسول الله”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.