ظاهرة التسول من الظواهر المنتشرة في مجتمعنا اليمني حيث يزداد أعداد المتسولين كل يوم، خاصة بين أوساط النساء والأطفال والشيوخ والشباب بشكل مخيف، حتى أصبح من الصعب حصر المتسولين الذين تكتظ بهم الشوارع والأسواق والمطاعم والبقالات والمستشفيات والمرافق العامة وفي كل الأماكن دون استثناء. هذه الظاهرة لها أسبابها ومظاهرها وآثارها، ومن خلال هذا الاستطلاع التقت الصحيفة عدداً من المواطنين بمختلف فئاتهم وتنوع ثقافاتهم وتباين نظراتهم للحديث عن أسباب هذه الظاهرة ومظاهرها وطرق معالجتها والتخفيف من حجمها القضاء عليها بعد تشخيصها وإزالة الأسباب التي أدت إلى ظهورها واستفحالها.. فإلى حصيلة الاستطلاع:
** العوز والجوع أبرز الأسباب: يرى الأخ/ أحمد قاسم اليافعي -أحد أبناء وادي حطيب- أن العوز والجوع والحاجة والفقر هي أبرز الأسباب، التي دفعت كثيراً من الناس إلى التسول، مؤكداً أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعاني قسوتها الأسرة اليمنية هي التي أجبرت هؤلاء الناس إلى مد أيديهم لطلب العون من الآخرين؛ فمنهم من يستجديك أن تتصدق عليه بما تيسر من النقود ليشتري وجبة الغداء أو العشاء له ولأولاده، ليتمكنوا من تخفيف شدة الجوع.. وآخر لم ترحمه قلوب ملائكة الرحمة، فيستجديك أن تعطيه مبلغاً يسيراً من المال لشراء دواء مرض مزمن يعاني منه أو لاستكمال ما تبقى لإجراء عملية جراحية لأحد أفراد أسرته رفض أصحاب المستشفيات الخاصة إجرائها إلا بدفعه المبلغ مقدماً. واستطرد حديثه قائلاً: يا عزيزي ما أن تطأ قدماك إحدى محطات الأجرة في مدننا الرئيسية بعواصم المحافظات أو المديريات الريفية حتى تمتد إليك مئات الأيادي التي تشعر أنها تستجديك لترفع عنها عناء العيش وضنك الحياة الصعبة لتخفف عنها أحمالاً ثقيلة -ثقل الجبال– من الهموم ولا تشعر حينها بأنهم أناس متسولون أو (شحاتون) أو خارجون عن الأعراف والقوانين على الإطلاق وتنظر إليهم بأنهم أناس ضاقت بهم سبل العيش ومنهم من ليس لديه أي مصدر من مصادر الدخل يعيل به أسرته وأطفاله الصغار ومنهم من لم يجد عملاً نتيجة لحرمانه من أبسط الحقوق في الحصول على مصدر رزق. ** تكافل اجتماعي وليس تسولاً: وينظر الإعلامي/ وليد عبدالقوي مكرد إلى هذه الفئة بأنهم ليسوا متسولين أو (شحاتين) وأن ما نمنحهم من مال بقناعتنا ولن يستطع أحدهم أن يرغمك على أن تعطيه أي مبلغ كان دون رضاك وموافقتك وقناعتك، ويرى أن ما يقدم لهؤلاء الصنف من البشر الذين كتب عليهم الشقاء والحرمان يعتبر جزءاً لا يتجزأ من ظاهرة التكافل الاجتماعي يمنح خلاله الميسورون أخوانهم المحرومين من ذوي العوز والحاجة لمواجهة الفقر والمرض والجوع وضيق ذات اليد، وان الجوع كافر حيث ان هناك أسر كريمة وعفيفة " جار عليها الزمان، فلم تعد قادرة على توفير قوت يومها ولان تلك اسر أصيلة ولم تجد أي مصادر دخل تغنيها عن التسول (كما أحب أن أسميه رأفة بتلك الأسر التي تستحق العون)، من أجل أن تسد رمقها من شدة الجوع أو التغلب على غلبة الدين تضطر إما بإرسال أطفال في عمر الزهور لاستجداء الناس في بعض الشوارع القريبة من المنازل أو في الأسواق وإما أن تضطر ربات البيوت في تلك الأسر إلى افتراش أبواب المساجد وهن مبرقعات شريفات عفيفات تلمس الحياء عليهن ومنكسات رؤوسهن إلى الأرض، كي لا يتعرف أحد على هويتهن من الجيران أو المعارف. ويضيف في حديثه هذا الأمر المهول يلين له القلب حتى قلب الكافر من هول المنظر وما يخفف عنك عظم المأساة ويجعلك تشعر أن الدنيا ما زالت بخير هو رؤيتك للخيرين الذين تمتد أيديهم إلى جيوبهم لتخرج شمالهم من الصدقات ما لا تعلم يمينهم لإنقاذ تلك الأسر التي فضلت أن تتكفف ما تيسر من صدقات الخير من المصلين وأصحاب الأيادي الخيرة دون أن تترك أبنائها يجلبون لها المال الحرام عن طريق السرقة أو النصب والاحتيال وغيرها من الطرق والأعمال المحرمة شرعاً وقانوناً.. ويتساءل: هل نسمي هؤلاء متسولين شحاذين ونطالب أقسام الشرطة والسلطات المحلية بمنعهم وملاحقتهم واعتقالهم وإنزال أقصى العقوبات في حقهم؟، أم أننا نطالب الدولة وجهات الاختصاص بتحسين مستواهم المعيشي وتوفير سبل الرعاية الاجتماعية لهم واهتمام رجال الخير وأصحاب الأيادي البيضاء والجمعيات الخيرية بهم من خلال العمل على حصر هؤلاء الذين أجبرتهم الظروف للتسول دون اعتماد فئات المتسولين الذين يتخذون من التسول وسيلة لجلب المال وهم ليسوا في حاجة للحصول عليه بتلك الطريقة. ** التسول نتاج للمجاعة والمرض: الأخ/ عدنان دغبوس -من أبناء تعز المقيمين بلودر- يرى أن ظاهرة التسول وما يرافقها من المختلين والمهمشين في الشوارع هي ناتجة عن الوضع المعيشي المتدني الذي يعاني من وطأته الناس في بلادنا وما يصاحبه من فقر وبطالة وتدني مستوى دخل الفرد أو انعدامه عند كثير من الناس وبصراحة أنا لست مع من يقول أن بعض الناس يتسولون لغرض الغنى وبناء العمارات والحقيقة أنه لا يسأل إلا محتاج والفقر مخيم على كثير من الأسر وشرائح واسعة من المجتمع حتى أن بعض الموظفين يمكن اعتبارهم يعيشون تحت مستوى خط الفقر وهناك شيء أود أن أقوله وهو أن ظاهرة التسول منتشرة في بلدان كثيرة من أرجاء العالم، حيث تتنوع في طرقها وأساليبها ومظاهرها، فبعض الناس أصبح لديه التسول عادة بعد إدمانه لها ولا يستطيع التخلي عنها إطلاقاً وإن لم يكن في حاجة للمال، حيث يتخذ منها وسيلة لجلب المال ويمارسها كمهنة لدرجة أصبحت الرؤية ضبابية لدى الخيرين من رجال البر والإحسان والمتصدقين، فغابت عنهم معايير المستحقين لصدقاتهم لكثرة المتسولين حتى أصيب أهل الخير بعمى الألوان وفقدوا القدرة على تمييز من يستحق ومن لا يستحق للصدقة من هؤلاء المتسولين ؟ مع أن غالبية الناس هذه الأيام يمكن اعتبارهم مستحقين لأن أكثر الشعب في بلادنا في حالة من الفقر لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى مع أن هناك الكثير من الناس محتاجين ويدفعهم الحياء والحفاظ على ماء الوجه للبقاء في البيوت ويربطون على بطونهم بحجر من شدة آلام الجوع وخلاصة أقول أن التسول نتاج للمجاعة والفقر والمرض التي يكابدها الناس في المدن والأرياف على حد سواء.
** أكثر من مليون مواطن في اليمن ذاهبون إلى مجاعة: الأخ / محمد حمود تحدث قائلاً: أخي العزيز لا تسألني عن ظاهرة التسول.. نحن اليوم في حالة يرثى لها والكل في هذه البلاد يحتاج إلى العون والعطف والمساعدة "الله لا يذل أي عزيز"، ماذا يعني اعتماد "500" ألف حالة ضمان اجتماعي يعني أن أكثر من مليون مواطن يمني ذاهبون إلى جحيم المجاعة نتيجة أخطاء بعض الناس في الوقت الذي يعيش فيه مسؤولون في ثراء فاحش وآخرون في فقر مدقع.
** التسول نتاج السياسات الخاطئة للحكومة: الأخ / مبارك عبدالغفور سيف قال: بأمانة الحكومة والسياسات الخاطئة للحكومة هي الجهة المسؤولة أولاً وأخيراً عن انتشار هذه الظاهرة بهذا الشكل المخيف، الذي لا يسر عدواً ولا صديقاً لأنها هي التي أوصلت المجتمع إلى ما هو عليه اليوم من فقر ومجاعة، فهناك مبالغ تصرف من المال العام بهدف التخفيف من الفقر نتيجة الجرع والسياسات الخاطئة والصندوق الاجتماعي تنفق عليه مبالغ خيالية لرعاية الأسر المحتاجة، لكن شريانه يذهب إلى كروش المتنفذين والحمدلله ما يزال التكافل الاجتماعي باقياً حتى هذه الأيام ويلقى الإنسان العطف والرحمة والتعاون من أخيه، لكن نخاف أن نصبح في موقف لا يحسدنا عليه أحد من الناس ونكون كإخواننا الصومال كل واحد يبحث عن قوت يومه، ونسأل الله ألا يرينا مثل ذلك اليوم وأن لا يجر البلاد والعباد إلى أعمال العنف والصراعات الدامية للمتلهفين إلى الظفر بكراسي السلطة ولا يهمهم إن كان ضحاياها عامة الناس.
** على بابك يا كريم: أحد المتسولين رفض تصويره طالباً عدم ذكر اسمه قال: الجوع كافر ومن لا يرحم لا يرحم ما فيش معنا دخل سوى "على بابك يا كريم" ولو وجد لدينا ما يسد حاجتنا لما سألنا أحداً ولمكثنا في بيوتنا معززين مكرمين بس الزمن قسا علينا ونحن نؤمن بالمكتوب لنا في اللوح من الرزق وطول العمر.. نتمنى أن تحل الحكومة مآسينا، نحن بشر ويمنيون وهناك من ينظر إلينا نظرة دونية وقاصرة وتأفف بدلاً من الوقوف لجانبنا ومد يد العون لنا ونقول لهم "اتقوا الله يا جماعة" ومن فرج على مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة.
** اختلط الأمر علينا فيمن يحتاج ومن لا يحتاج: الأخ/ وهيب محمد غالب تحدث قائلاً: اختلط علينا الحابل بالنابل والواحد يقف أحياناً كالمحتار لا يدري من يستحق ومن لا يستحق ويضطر أن يحرم محتاجاً بعض الأحيان وإن حكم بالمظهر قد تذهب صدقته لشخص غير محتاج.. هذا الأمر واحد من المعوقات التي تتسبب في حرمان فئات من المحتاجين ومع هذا نعمل بالنيات عند توزيعنا للصدقات والنية تسبق العمل ونسأل الله ن يجعل ما يتصدق به الإنسان في ميزان حسناته وجزاكم الله خيراً. وختاماً ليس لدي سوى أن استشهد بالبيتين التاليين: لا تسأل ابن آدم حاجة وأسال الذي أبوابه لا تغلق الله يغضب إن سألت عباده وابن آدم حين يُسأل يغضب وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما معنى الحديث "اليد التي تعطي خير من اليد التي تأخذ".