العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الذي يخشاه الملك الأردني من "صفقة القرن"؟
نشر في المشهد اليمني يوم 02 - 06 - 2019

تصدّر الأردن صفوف المعترضين العرب على ما بات يُعرف باسم "صفقة القرن". كل ما يصدر عن عمّان، من مواقف وتصريحات، يشي بحجم القلق والانزعاج من المبادرة الأميركية الجديدة، ويستبطن رفضا صريحا لعناصر هذه المبادرة، مع أن الأردن يحرص في الوقت ذاته، على تجنب الصدام المباشر مع أكبر حليف دولي استراتيجي له: الولايات المتحدة الأميركية، والتي تُعد المانح الأكبر للدولة الأردنية التي تمر بضائقة اقتصادية خانقة.
والحقيقة أن الأردن لطالما لعب دورا محوريا قياديا في عملية سلام الشرق الأوسط، ولا يمكن لأحد أن يتهمه بتخريب أو عرقلة تقدم هذه العملية، أو بمحاباة "معسكر الرفض العربي". ولطالما حصد ملكا الأردن المتعاقبين، الإشادات المثمّنة لأدوارهما كمنافحين كبيرين عن هذه العملية، ورياديين في تذليل العقبات التي تعترضها.
لكن، يبدو أن لدى "القصر الملكي" في عمان، ما يثير قلقه هذه المرة، ومن هذه الصفقة بالذات، الأمر الذي دفعه لإبداء كل هذا الحذر والتحفظ حيال جهود الثلاثي الأميركي: كوشنير، غرينبلات وفريدمان... فما الذي يثير قلق الملك من "صفقة القرن"، ولماذا أخذ على عاتقه مهمة التصدي لها وتحمّل مختلف صنوف الضغط والابتزاز من قبل حلفاء وأصدقاء وأشقاء له؟
الأردن وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم
منذ أن تولى الملك عبد الله الثاني مقاليد العرش في الأردن قبل عشرين عاما، انتهج سياسة متمايزة عن أسلافه، حيال "حق تقرير المصير" للفلسطينيين. دشّن الملك معادلة "الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين"، وعرّف المصلحة الوطنية الأردنية العليا في الحل النهائي للقضية الفلسطينية بقيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو وعاصمتها القدس الشرقية، واعتبار أي حل دون ذلك، إنما يفتح الباب على مصراعيه، لأدوار أردنية غير مرغوبة (فيدرالية، كونفدرالية وغيرها)، أو لحلول في الأردن وعلى حسابه.
الوصاية الهاشمية على المقدسات، أمر بالغ الرمزية بالنسبة للهاشميين والأردنيين
وفقا لآخر إحصاء صدر عن مركز الإحصاء الفلسطيني (الحكومي)، فإن أعداد الفلسطينيين في الأردن تبلغ 4.4 مليون نسمة، غالبيتهم تحظى بالجنسية الأردنية (حوالي الثلثين)، والباقي يحتفظون بحق الإقامة وبعض الحقوق المدنية ووثائق سفر لا تثبت جنسية حاملها.. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن عدد سكان الأردن من الأردنيين يبلغ 7.5 مليون نسمة، فإن نسبة الفلسطينيين من إجمالي عدد السكان تكون حوالي 60 بالمئة، وهي نسبة عالية، سيزيدها تعقيدا، دخول ثلاثة ملايين فلسطيني من سكان الضفة الغربية في التعداد العام للسكان، أو ربما إضافة مليوني فلسطيني في قطاع غزة إلى هذا التعداد.
وما لا يدركه كثير من المراقبين الغربيين والإسرائيليين، بمن فيهم المختصين بالشؤون الأردنية، فإن البلاد شهدت في العقود الثلاثة الأخيرة، نمو تيار "الهوية الوطنية الأردنية"، وتنامي إحساس الأردنيين، بالذات من أبناء العشائر الأردنية، بهويتهم الوطنية، وتزايد القلق في أوساطهم من مغبة أن يفضي أي حل منقوص لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، إلى تبديد هوية بلادهم الوطنية، وتحويلهم إلى أقلية ضئيلة في وطنهم..
والحقيقة، أن لا أحد بمقدوره تجاهل قوة وتأثير هذا "اللاعب الجديد" في المعادلة الأردنية، والذي لم يكن حاضرا بذات القوة والزخم في محطات تاريخية سابقة، منذ وحدة الضفتين قبل سبعين عاما وانتهاء بكافة المحاولات التي بذلها الملك الراحل الحسين بن طلال في استعادة حكمه للضفة الغربية.
المشهد الأردني الداخلي اليوم يبدو مختلفا، و"معادلة الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين" هي المعادلة الضامنة لأمن الأردن واستقراره وهويته، وليس بمقدور الملك عبد الله الثاني، أن يتجاهل هذه الحقيقة، وربما هذا هو المصدر الرئيس لقلقه من "صفقة" تستبدل الحل السياسي (تقرير المصير) بالازدهار الاقتصادي، وتقترح كيانا على الفلسطينيين أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، يرفضه الفلسطينيون بإجماع وطني نادر.
الأردن وحق عودة اللاجئين
يستقبل الأردن أكثر من أربعين بالمئة من اللاجئين المسجلين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا". ويبلغ عدد المسجلين منهم على كشوفها حوالي 2.2 مليون لاجئ، ويُعتقد أن العدد الكلي ربما تجاوز الثلاثة ملايين لاجئ، بعد تراجع عمليات تسجيل المواليد الجدد في ضوء انتفاء أية حوافز للمضي في عملية التسجيل، وبسبب "اغتراب" مئات ألوف اللاجئين الفلسطينيين للعمل في دول الخليج وغيرها.
شهدت الأردن في العقود الثلاثة الأخيرة، نمو تيار "الهوية الوطنية الأردنية"
هؤلاء يتمتعون بالجنسية الأردنية، في ضوء نتائج "مؤتمر أريحا 1949" والإطار القانوني والدستوري لوحدة الضفتين حيث تعهدت الدولة الأردنية في حينه، بعدم الانتقاص من حقوق مواطنيها الجدد: اللاجئين الفلسطينيين، في "العودة والتعويض" وفقا للقرار الدولي 194، وعلى اعتبار أن "مواطنتهم الأردنية" لا تنتقص من حقهم في العودة.
أي حل لا يلحظ حلا عادلا لقضية اللاجئين وفقا لهذه المرجعيات، العودة و/أو التعويض، سيضع الدولة الأردنية في مواجهة مباشرة مع قطاع رئيس من مواطنيها، وهذا عامل آخر من عوامل عدم الاستقرار المتوقعة في حال أمكن لإدارة ترامب فرض "صفقتها" على الأردن والفلسطينيين والمنطقة.
ولا يتوقف التهديد لأمن الأردن واستقراره عند هذه النقطة فحسب، فثمة ما يزيد عن مليون فلسطيني في الأردن، لا يتمتعون بالجنسية الأردنية، وهم متحدرون من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.. هؤلاء وبموجب ما يُشاع أن "صفقة القرن" تنص عليه، يتعين الاحتفاظ بهم في أمكان إقامتهم، وتجنسيهم (اقرأ توطينهم). أمر كهذا لن يجد مقاومة ورفضا من قبل هؤلاء فحسب، بل وسيجد مقاومة أشد ورفضا أعلى، من قبل أشقائهم الأردنيين من أبناء العشائر وشرق الأردن.. هؤلاء يشكلون ما بين 14 إلى 18 بالمئة من سكان البلاد ومن أصحاب الحق في الاقتراع حال توطينهم.. مثل هذه المقترحات ستكون بمثابة صب مزيد من الزيت الحار فوق جمر "أزمة الهوية" والتوترات والاستقطابات الداخلية الأردنية.
وربما هذا ما يفسر "الدور الطليعي" الذي لعبه الأردن في العامين الفائتين لاستنقاذ "الأونروا" بعد القرارات الأميركية المتعاقبة بتخفيض الدعم لهذه المنظمة الدولية، وصولا ل "تصفيره" وتزايد الدعوات الأميركية الإسرائيلية لتصفية هذه المنظمة. الأردن رفض عرضا أميركيا بتسلم مبالغ إضافية من الدعم المالي، تعادل، وربما تزيد عن كل ما تنفقه "الأونروا" على اللاجئين في الأردن.. المسألة بالنسبة للأردن ليست مالية وخدمية فحسب، المسألة سياسية بامتياز في المقام الأول والأخير.
الأردن والقدس ورعاية المقدسات
أولى الملوك الهاشميون منذ أن أخرجهم "آل سعود" من مكة المكرمة حيث كانوا يرعون "بيت الله الحرام"، أهم مسجد في الإسلام، أولوا اهتماما خاصا برعاية المسجد الأقصى في القدس، وقد دشن الشريف حسين، الجد الأكبر لملوك الأردن، هذه الرعاية، وأوصى بأن يوارى جثمانه الثرى في رحاب الأقصى المبارك، وجرى توارث هذه الرعاية جيلا بعد آخر، وصولا للملك عبد الله الثاني. ولقد أنفق ملوك الأردن من حساباتهم الخاصة، الكثير من الأموال لرعاية وترميم هذا الأثر الإسلامي المقدس، ووضعوا كل ما بحوزتهم من أوراق لحمايته من عمليات التهويد و"الأسرلة" التي حاولت إسرائيل أن تغير بنتيجتها طابع المدينة الديني والتاريخي والتراثي والقانوني.
في العام 2103، وبعد أن بدا أن عملية السلام قد تلقت ضربات قاتلة، تزايدت في إثرها التعديات الإسرائيلية على المسجد وأكنافه، وقع الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس اتفاقا أوكل بموجبه الفلسطينيون الملك برعاية المسجد والمقدسات، لا سيما وأن القدس الشرقية لم تنتقل للسيادة الفلسطينية، وبعد أن اتضح أن إسرائيل تحث الخطى وتسابق الزمن لتكريس ضمها وتهويدها.
القدس وهي مصدر من مصادر شرعية نظام الحكم في الأردن
قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، عزز المخاوف الأردنية من صفقة القرن، ووضع الرعاية الهاشمية للمقدسات في مرمى سياسات اليمين الإسرائيلي الديني والقومي المتطرف، وسط صمت يبلغ حد التواطؤ من قبل فريق ترامب المكلف بهذا الملف، وهذا سبب إضافي من أسباب القلق والتحسب الأردنيين من المقاربة الأميركية الجديد لملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الوصاية الهاشمية على المقدسات، أمر بالغ الرمزية بالنسبة للهاشميين والأردنيين سواء بسواء، فمكانة القدس عندهم تفوق مكانتها عند غيرهم من العرب والمسلمين، وهي مصدر من مصادر شرعية نظام الحكم في البلاد، ولا يمكن للأردن أن يبتلع انتهاكات إسرائيل لهذا الدور، أو تعديها عليه، كما لا يمكن لعمّان أن تغفر لتل أبيب محاولاتها اللعب بروقة "رعاية المقدسات" فتعرضها أو تلوّح بها، تارة على السعودية وأخرى على تركيا، لكأننا في "بازار" يفوز به من يدفع الثمن المناسب.
هذه أبرز وأعمق المخاوف الأردنية من "صفقة القرن" وتداعياتها، وهي ذاتها الأسباب التي دفعت الأردن مرغما، لأن يكون في صدارة صفوف معارضيها ومنتقديها، وهو الأردن وإن حاول تفادي الاشتباك المباشر مع حليفه الأكبر دوليا: واشنطن، إلا أن "تكتيكه" هذا، لا يخفي أعمق مخاوفه الاستراتيجية على أمنه واستقرار وهويته وشرعية حكمه ونسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.