قبل أيام تناول البعض حادثة هي أقرب لشطحات الخيال منها إلى الواقع، حادثة اغتصاب طفل بعمر "ثلاث سنوات". هكذا تم الإعلان عن هذه الحادثة في سياق لا يتعلق بالجانب الحقوقي ولا بالمنطق بقدر ما يتعلق بتلطيخ جهة ما ضمن حرب التراشقات الكلامية بين أطراف الحالمة تعز. انهمك جمع من الناشطين يشيعون هذه الأقصوصة بلا أية مسؤولية ودونما أية مراجعات ولو لجعل المسألة أكثر منطقية, هكذا فقط عن قناعة بإمكانية اغتصاب طفل لم يتخط سنواته الثلاث الأولى! تلتها حادثة اغتصاب طفل من قبل مشرف حوثي, وأخيرا الحادثة التي اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعي بالأمس لاغتصاب طفلة بعمر السبع سنوات من قبل مشرف حوثي آخر، والتي نجم عنها حسب رواية النشطاء موت الجدة لدى سماعها الخبر. حسنا, تعالوا هنا ننظر في القاسم المشترك بين هذه القصص/الحوادث الثلاث: اغتصاب "أطفال" في سن مبكرة جدا, في "تعز", وفي "زمن متواتر". لماذا فقط هذه الفئة العمرية؟! ولماذا فقط في تعز؟! نحن نتحدث هنا عن محافظة هي واحدة من اثنتين لم يتمكن الحوثي من كسر "ناموسها" رغم انكبابه على هذا الهدف لسنوات وتسخيره في سبيل ذلك كل إمكاناته. تعز, كما مأرب, بقيت شامخة ومستبسلة حين سقطت باقي المحافظات مثل قلاع كرتونية. سخر الحوثي منذ البداية لا فقط طاقته البشرية وإنما الإعلامية أيضا وسلك في تحشيده لتركيع هذه المحافظة كل الطرق الممكنة من استغلال الخلافات المناطقية والفئوية إلى الحصار إلى الحرب النفسية, ورغم ذلك بقيت تعز قطعة من ألق الجمهورية عصية على الانطفاء. صمدت تعز, بقيت مثل صخرة صلدة تهشمت عليها كل مساعي الإمامة تباعا, وظلت هذه المحافظة هي القبلة الوجدانية للجمهوريين من كل المحافظات, تتكئ أرواحهم إلى رصيدها النضالي كلما أحسوا بالتعب أو الهوان. استنفد الحوثي أوراقه الممكنة ولكن دون جدوى. ماذا سيفعل إذن؟! سيعمل على تشويه هذه المحافظة الشامخة ومجتمعها الأبي بأكثر الطرق خسة وانحطاطا. كلنا نعلم ما الذي يعنيه هتك الأعراض في كل المجتمعات الإنسانية فكيف به في مجتمعنا اليمني المحافظ جدا والذي بوسع المرء فيه أن يقتات فقط على الهواء ويعيش ولكن ليس بوسعه أن يحيا لحظة واحدة وقد هتك عرضه. لا أعرف شيئا عن مدى حقيقية هذه القصص التي راجت بمواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام, قصص الاغتصاب هذه, لكنني شعرت بالصدمة والهول من التهافت الذي حدث لإشاعتها وتناولها. ما الغاية من ذلك؟! هل مجتمع الفيسبوك هو السلطة التي من شأنها ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة؟! هل الحوثيون سيتورعون عن تكرار مثل هذه الجرائم خوفا من تلطيخ سمعتهم؟! هل من شأن تناول هذه القضايا بهذه الطريقة جبر كسر أرواح أهالي الضحايا؟! نحن نتحدث هنا عن الحوثيين, عن عصابة اغتصبت البلاد بتأريخها وجغرافيتها وإنسانها, ولا يهمها أي شيء عدا ترسيخ وجودها وتوطيد نفوذها, ولا سبيل ليقتص اليمنيون من هذه العصابة سوى باستمرارية المعركة وأن يصطف الجميع فيها مؤجلا الحروب البينية الصغيرة والسخيفة. إن الناشطين الذين يسوقون لنا هذه القصص ويشيعونها لا يكترثون كثيرا لغير أن يكتبوا, أن يشغلوا فراغهم وأن يثبتوا حضورهم, هذا إن لم يكن بعضهم جزءا من هذه اللعبة الخطيرة القذرة, لعبة تشويه الوجه التعزي الناصع وضرب قدسية تعز في الوعي الجمعي اليمني. لا أعرف كم سنحتاج من الوقت لنتعلم ما هي القضايا التي يجب علينا أن نتناولها في كتاباتنا ومنابرنا الإعلامية وما هي التي تحتاج طرقا أخرى في المعالجة. إن تكرار طرح مثل هذه القصص كارثي, يستهدف حساسية المجتمع في الجزئية الأكثر هولا في منظومته الأخلاقية, ومن شأن ذلك تمليس هذا الشذوذ مع الوقت وجعله شيئا أقرب لكونه معتادا. لست أنادي هنا بالطبع للتعامل مع هذه القضايا, إن وجدت, باستراتيجية النعامة بأن ندس رؤوسنا في التراب ونكتفي, وإنما للمزيد من الفهم كيف ينبغي علينا التعاطي من القضايا ذات الحساسية الكبيرة, وأن ندرك طبيعة الصراع وأدواته, وأن نتوقف قليلا لنسأل أنفسنا: ألا تعني تفاصيل هذه القصص, نوعية ضحاياها وحدوثها في ذات الفترة الزمنية وبمحافظة بعينها, ألا تعني أن ثمة خطأ أساسي هنا وأن المسألة برمتها مطبوخة لاستهداف مكانة تعز في الوجدان الجمعي؟! وهل إشاعة مثل هذه القضايا وتداولها بهذه الطريقة يحدث أدنى معالجة أم بالعكس يؤدي فقط للمزيد من الضرر؟! هذا ما أتمنى من الناشطين أن يفكروا به جيدا, فلربما نتوقف جميعا عن كوننا بلهاء ولا مسؤولين إلى هذه الدرجة.