متوسط أسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 22 نوفمبر/تشرين ثاني 2025    منتخب الناشئين يستهل تصفيات آسيا 2026 بفوز ثمين على قرغيزستان    قراءة تحليلية لنص "فرار وقت صلاة المغرب" ل"أحمد سيف حاشد"    الدوحة تفتتح مهرجانها السينمائي بفيلم فلسطيني مؤثر    الكاتب والمثقف والصحفي القدير الأستاذ أحمد عبدالرحمن    صلاة الظهر بدلا عن الجمعة.. مليشيا الحوثي تمنع العشرات من أداء خطبة الجمعة في إب    صهيونيّ يتحدّى الجولاني: احتفال واحد لفلسطين يكفي لفضحكم    العليمي يلتهم أهم وأكبر قطاعات نفط شبوة وحضرموت (وثائق)    بورصة مسقط تتراجع وتفقد مستوى ال 5700 نقطة    قتل وتجنيد واعتداء.. اللجنة الوطنية توثّق تعرض 5,700 طفلا لانتهاكات جسيمة    وزير الصحة يوجه برفع مستوى التأهب الوطني لمواجهة فيروس "ماربورغ"    فليك: يامال ورافينيا استعادا الجاهزية.. والحمى تبعد راشفورد    قائمة مرشحي الكرة الذهبية 2026 تكشف مفاجآت مبكرة    سيدات الجيش المغربي يتوجن بلقب دوري الأبطال    مصر تعتمد مركبة بديلة عن "التوك توك" في المناطق الشعبية    حديقة عدن مول تتحول إلى مساحة وعي... فعالية توعوية لكسر الصمت حول مرض الصرع    مركز عين الإنسانية يدين جريمة الجيش السعودي بحق المواطنين في صعدة    طائرة شباب القطن تحلق فوق سيئون وتتأهل إلى نهائي البطولة التنشيطية الثانية لأندية حضرموت الوادي والصحراء    وزارة النفط: مرحلة سوداء صنعت الانهيار في الجنوب (وثيقة)    بن بريك بين النزاهة ومستنقع السياسة: نصيحة من قلب بدوي شبواني    اسبوع مجاني لمرضى السكري بصنعاء    طنين الأذن واضطرابات النوم.. حلقة مفرغة يكشفها العلم    إرث الزنداني والترابي.. عودة التكفير إلى الواجهة العربية    الترب :اليمن مع السلام ولا يمكن أن يكون لقمة سائغة في يد السعودي    تسوية بلا شركاء: الانتقالي يكشف تناقض القوى اليمنية    انهيار داخلي يقترب.. تحقيقات ووثائق غربية تتوقع زوال إسرائيل خلال عقود    واشنطن تحذر الطيران المدني في أجواء فنزويلا    كاتب أمريكي: الهجمات الصاروخية اليمنية على منشآت بقيق كافية لعدم الوثوق بالإدارة الأمريكية    كم جنت أميركا من بيع مقاتلات إف-35 في العالم؟    8 شهداء وجرحى بنيران العدو السعودي في منبه بصعدة    الأنثى المبدعة بين التقييم الجنساني والانتقاد الذكوري .. المظاهر، والنتائج، والآفاق    الدكتور عبدالله العليمي يزور منتدى باصره الثقافي ويشيد بمسيرته العلمية والسياسية    مونديال الناشئين قطر2025 .. ايطاليا إلى المربع الذهبي    «ليالي الفنون الخالدة» تعيد الغناء بالفصحى    علماء آثار يعثرون على حجر شعار نبلاء عائلة "توت" السويدية    اكتشاف تابوت روماني محفوظ منذ 1700 عام    بترومسيلة تسلم قطاع نفطي في شبوة    متفوفا على مبابي وفينيسيوس.. "لامين" يحصد جائزة أفضل لاعب بإسبانيا    استهداف دورية عسكرية بعبوة ناسفة في شبوة    صحيفة امريكية: أوكرانيا عدّلت "بند الفساد" في خطة واشنطن للتسوية    الأوقاف والخطوط اليمنية توقعان اتفاقية لنقل أكثر من 6 آلاف حاج    أهم مفاتيح السعادة    تحطم مقاتلة هندية خلال عرض جوي بمعرض دبي للطيران    ميزان الخصومة    اتحاد المنسوجات يعلن استعداده توفير الملابس المحلية بجودة اعلى ومنع المستورد    مدير عام هيئة المواصفات يطّلع على سير العمل بفرع الهيئة بتعز مدير عام هيئة المواصفات يطّلع على سير العمل بفرع الهيئة بتعز    الأسعار في الجنوب ترتفع مجددًا رغم تحسن العملة وسط إجراءات حكومية لا تعكس واقع السوق    يمن شباب تدين لغة التحريض من سلطة تعز والنقابة تدعو لوقف الزج بالأجهزة الأمنية بقضايا نشر    الأصبحي: آلاف المرضى محرومون من العلاج بالخارج    مينديش يعود لpsg الفرنسي    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملكة سبأ بين الجدل التاريخي والتدوين الأسطوري.. دراسة تحليلية في ضوء النص القرآني (الحلقة السادسة عشرة)
نشر في المشهد اليمني يوم 19 - 06 - 2023


مقالات
توفيق السامعي
تابع.. ملكة أم مكربة؟
يحاول البعض أن يفسر نصوص النقوش كما لو كانت باللغة الإنجليزية أو الخط اللاتيني، ويفسر النص إما مُصَحَّفاً أو محرفاً، كما حاولوا تفسير "مُكرِّب" على أنه "مقرَّب"، وممن ذهب إلى هذا التفسير جواد علي( )، وهذا الأمر يناقض خصائص لغة المسند؛ فخط المسند يذكر الحروف صريحة فصيحة دون خلط أو تشابه أو تحريف أو تصحيف؛ فصوت الكاف هو الكاف الطبيعي في النقوش، والقاف له رسم خاص به وهو القاف الطبيعي، كما هو الضاد والظاء، أو الضاد والصاد، كما فسروا أن المدينة التي دمرها جيش كرب إل وتر في المعافر "ضبر" على أنها "صبر" الحالية، وهو أمر غير صحيح، وقد فندنا ذلك في بحثنا جبأ التاريخي، وأن "ضبر" هو الاسم القديم لمدينة "جبأ" فيما بعد.
وهناك العهد الثاني لمرحلة زعماء دولة سبأ وهي مرحلة الملوك، وبدأ العمل بها من عهد كرب إل وتر الذي جمع ما بين السلطتين الدينية والسياسية، وتلقب بالملك.
فقد تكون هذه السلطة الدينية واللقب (مكرب) ربما بدأ بعد زيارة ملكة سبأ لسليمان واتباع الإسلام، خاصة وأن القرآن الكريم ذكر ملكة سبأ بصفتها ملكة لا مكربة، أو أن اللفظ "تملكهم" في الآية لفظ جامع للحكم والملك على السواء، ففي مواضع أخرى وصف ملوك اليمن بالتبابعة أيضاً جرياً على ألقاب ملوك اليمن، فقال: ﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾( )؛ فالكهنة - على ما أظن- لم يكونوا يتخذون العروش البسيطة، فضلاً عن العروش العظيمة ومنها عرش ملكة سبأ!
فقد كانت خدمة الكهنة في المعابد غالباً، أو أنه قبل المُلك وقبل نظام الدولة والمُلْك، وعليه تكون تفسيرات تواريخ النقوش التي ذهب إليها العلماء لفترة المكاربة ببداية الألف الأول قبل الميلاد غير صحيحة، فهي ذات تاريخ أقدم بكثير تعود لبدايات تكوين الدولة قبل التاريخ المذكور بزمن بعيد، والدليل مُلْك ملكة سبأ التي قابلت النبي سليمان، وكل النقوش الموجودة اليوم لا تدل ولو بإشارة بسيطة إلى هذا المُلك والملكة، وعليه فنظام المكربين قبل ملكة سبأ بزمن طويل.
ومن خلال التقلبات التاريخية اليمنية في الممالك فقد كان اللقب مضطرباً بحسب الفترات والأسر الحاكمة للدولة السبأية؛ فتارة نجده "مكرباً"، وأخرى "ملكاً"، وثالثة "تُبَّعاً"، ثم ما يلبث أن يعود من جديد إلى "ملك".
يمكن أن يكون بدأ الأمر بتسمية "ملك" ثم تحول لاحقاً إلى "مُكرِّب" ليعود مجدداً إلى الصفة الأولى "ملك"، ثم إلى "تُبَّع"، غير أن "تُبّعاَ" من خلال بعض النقوش اليمنية التي ذكرت هذه الصفة ذكرتهم في الفترة المتأخرة من الدولة السبئية (بعد الميلاد) على أنهم زعماء دينيون وجدوا في عهد ملوك، ولم يكونوا همو الملوك للدولة، وذلك مثل النقش الموسوم (Ir:26) المؤرخ بسنة معد كرب بن تبع كرب في زمن الملك نشأ كرب يأمن يهرحب ملك سبأ وذي ريدان( )؛ بمعنى أن تبعاً هذا لم يكن ملكاً وإنما كاهن ديني تعاصر مع ملك آخر، وربما كان لقب التبع للملك لاحقاً في الفترة المتأخرة من مملكة سبأ وذي ريدان التي تعرف بالعصر الحميري.
ولو عدنا لاستعمالات اللفظ "كَرَّب" كما يستعمل في لغة اليمنيين فهو بمعنى: سعر النار، أوقد، و"مِكْريب": موقد مشتعل، و"مُكْرِّب": مُوقِد، فاعل كرّب. وكرّبت النفس: ضاقت واشتعلت.
وفي نقش النصر يشير كرب إل وتار إلى هذه الوظيفة من إيقاد النار فيقول: و ه ن ر / ب ت ر ح / و و ه ب / ع ث ت ر / و ه و ب س / خلفم..
والمعنى:
وأوقد نار ترح وكسا عثتر وهوبس
نار تُرَح: نار كانت توقد في قمم الجبال يجتمع الناس في مكان محدد عند إشعالها( ).
فهل استخدم اللفظ كمنصب على سبيل المجاز أنه مشعل الحروب وحامي البلد، أو موقد النار كناية عن الهداية وتجميع الشعب حوله مثلاً؟ ويبدو أن طقوس إشعال النار للتحشيد كان عندهم نوع من أنواع الطقوس لهذا التجميع والتفاف الناس حول زعيمهم أو ملكهم، كما يفهم من اللقب والنصوص، وهو ما فسرته فقرة النقش السابق.
وعرفت فترة المكاربة بخط المحراث الحلزوني، كما يسميه جواد علي، وهي (كتابة السطر من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين) دون غيرها من الفترات، ونجد في فترة الملوك مع كرب إل وتار انتظم الخط باتجاه واحد فقط من اليمين حتى نهاية السطر، ومن ثم العودة مجدداً من بداية السطر يميناً كما هو حال الخط العربي؛ أي إن كرب إل وتار أحدث إصلاحات وتغييرات جذرية مختلفة ليس فقط في نظام الملك والحكم بل حتى في الإطار الثقافي والأبجدية.
واللقبان (مُكَرِّب وتُبَّع) لا نجدهما إلا في الممالك اليمنية فقط، كما يمكن أن يوجد اللقب "إل" الذي يسبق كثيراً من أسماء الملوك، أو يكون الاسم مركباً من "إل" والإسم بعده أو قبله مثل الأول "إل شرح"، ومثال الثاني "شرحب إل/شرحبئل". ومع أن "إل" بمعنى (الإله) أو (الله)، كما عند بعض العلماء فتكون تركيبة الإسم كما في العهد الإسلامي مثلاً "عبدالله" و"عبدالإله".
وبالعودة إلى الإجابة عن هذا السؤال من خلال التوضيح السابق، فإن لفظ ودلالة الآية الأولى في قول الهدهد (إني وجدت امرأة تملكهم) أي: ملكة عليهم، بهذه الصيغة وليس بصيغة غيرها، ومن هنا نستنتج أنها كانت ملكة لا مكربة، وهذا يفتح أبواباً كبيرة من الاستنتاجات والتساؤلات الكبيرة أيضاً، أهمها:
- بحسب تقسيمات علماء الآثار والتاريخ لفترات المكاربة والملوك بعد القرن العاشر قبل الميلاد، وهذا يأتي بعد ملكة سبأ أم أنه سيعيد الأمر لما قبلها وبذلك تكون تواريخ تلك النقوش متقدمة للألف الثاني قبل الميلاد ما قبل ملكة سبأ، وأن التواريخ التي حددوها بعدها ستكون غير صحيحة؟!
- إذا كانت كل النقوش المكتشفة إلى اليوم هي بعد زمن ملكة سبأ، فلماذا خلت كلها من أية إشارة للديانة اليهودية التي اعتنقتها الملكة بعد لقائها سليمان؟ أم إن هذه النقوش حقيقة تعود لما قبل تلك الملكة وأن ما وضعه المؤرخون من تواريخ غير صحيحة؟
- بل الأهم من ذلك؛ لماذا خلت النقوش اليمنية المكتشفة من أية إشارة لهذه الملكة وملكها وعرشها؟!
- هل يمكن إعادة قراءة التاريخ اليمني من جديد في حال كانت هذه النتيجة هي الأساس؟
الإجابة عن هذه التساؤلات ستفتح مجالاتٍ واسعةً لإعادة صياغة التاريخ اليمني من جديد، بغير المنهج الذي سار عليه المؤرخون والآثاريون السابقون، وتغيير فتراتها.
في الحقيقة لدي رؤية واستنباطات أخرى في هذا الصدد من خلال المشاهدة النظرية على النقوش مقارنة بتلك التواريخ التي حددها العلماء والباحثون، وبحسب نتائجهم أيضاً، لكن من خلال الغوص فيها. فمثلاً:
- هناك نقوش تراها في الصخر الأسود وكأنها محفورة منذ عهد جديد لا يتعدى سنين عددا، بينما يرجعها الباحثون إلى ما دون ثلاثة آلاف عام (800، 600 ق.م)، بينما هناك نقوش أخرى حفرت في صخور سوداء وصماء صارت من أصل لون الصخر وبعضها لا يكاد يقرؤها الباحثون من الطمس وعتاقة اللون يعيدها البعض إلى 400، 200 ق.م أو ب.م!!
وأجد هذا المنطق غريباً، وحجتهم في ذلك فحص الإشعاع الكربوني، فهل إن هذا الإشعاع الكربوني لا يخطئ أبداً، وما مدى دقته الفعلية في تحديد الزمن؟! فالكربون المشع فقط يستخدم للمواد العضوية من عظام وشجر وجلود، ولا يدخل في فحص الطبقات الحجرية، ولذلك يتم تقدير أعمار هذه النقوش من خلال محتوياتها من أسماء، أو بالنظر إلى الطبقات الجيولوجية المجاورة لها (ينظر الصورتان رقم1-2).
- عدم ذكر النقوش أية إشارات لديانة ملكة سبأ بعد مقابلة سليمان.
- كما إن الأسماء المحددة في بعض النقوش هي من يعتمد عليها الباحثون في تحديد بعض الأزمنة، غير أن هذه الطريقة أيضاً قائمة على الظن التقريبي وليس على سبيل القطع اليقيني، والدليل على ذلك تخبط علماء الآثار والمؤرخين في تحديد قوائم مكاربة وملوك الدول (سبئية، معينية، قتبانية، حميرية، حضرمية).
- ثمة ملاحظة يمكن أن نلاحظها للمقارنة بين نصوص موغلة في القدم ونصوص متأخرة؛ نجد في النصوص القديمة الأسماء والألفاظ شديدة الغرابة والثقل السمعي، والأسماء المركبة تركيباً ثلاثياً وأحياناً رباعياً (يثع أمر بين) أو (كرب إل وتر يهنعم)، (علهان نهفان)، (يهقبضن...إلخ، (ر ع ظ) بمعنى: أمر، تكون ثقيلة على النطق عصية على الفهم لا يفهمها الدارسون إلا بعد عناء شديد من البحث والتأمل، فضلاً عن الطلبة المبتدئين، بينما النصوص المتأخرة ما قبل الإسلام مثلاً، أو ما بعد القرن الثاني للميلاد نجدها أقل تعقيداً وثقلاً، وهي سهلة وميسرة إلى حد ما وأخف من سابقاتها، وهذا يقودنا إلى القول أن لا يقين ولا جزم بالتواريخ التي وضعها العلماء لأزمنة وتواريخ تلك النصوص، وقد تأتي دراسات قادمة من واقع نصوص جديدة مكتشفة تعيد صياغة التاريخ مجدداً وتقلب مسلماته رأساً على عقب.
.....يتبع
* ملكة سبأ
* اليمن
1. 2. 3. 4. 5.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.