عندما تسجن الطفولة وراء قضبان حديدية تتقيد خطوات البراءة ويحظر نقش اجل سنين العمر حينها تتجرد كلمة الطفولة من معانيها لتستبدل بكلمة كهولة بكل ما ترمز إلية من تجارب ومعاني ثقيلة يصبح الطفل معها كهلا عاجزا حتى عن تحقيق الرغبة حتى في الحلم.. أطفال أبرياء ملائكة صغار صفحات بيضاء لم يخط القدر عليها أي هموم بعد ولم تعرف معنى القيد أو الزنزانة. فالأطفال هنا في السجن المركزي بالحديدة أو كما يسمى بإصلاحية الحديدة لا ذنب لهم سوى أن أمهم تقضي عقوبة فيضطرون إلى العيش معها ومشاركتها الحياة .. الأطفال هنا لا يعرفون معنى الألوان ولا يفهمون لم هم محرومون من الانطلاق كفراشات الربيع والتحليق بأجنحة الملائكة. ففي السجن لم تتوفر المتطلبات الأساسية للشخص البالغ فكيف بالطفل الصغير فالأطفال هنا يعانون من تردي الوضع الصحي وسوء التغذية وغياب النظافة ونقص المستلزمات الخاصة بهم وتناسي كثير من الجهات الداعمة لهم , فتراهم يتسألون ببراءة أو ليس الأجدر بنا أن نذهب إلى المدرسة بدلا من المكوث في هذا السجن . السجن معاناة .. وألم - أم محمد إحدى السجينات تقول : ولدت طفلي الأول في السجن وعمره الآن سبعة اشهر ولا اقدر على إخراجه فليس هناك من يهتم به غيري خصوصا انه لازال يرضع , السجن مكان موحش جداً لنا فكيف الحال بالنسبة لطفل صغير ليس له أي ذنب وأنا ليس لدي إمكانيات لاشتري له ما يحتاجه من خارج السجن وكما تعرفون إن الطفل يحتاج لأشياء كثيرة كالحليب والحفاظات والأطعمة الإضافية الخاصة بالطفل. أم مريم سجينة أخرى تقول : ابنتي مريم عمرها الآن سنة ولنا شهرين إلى الآن وابنتي تعاني من سوء التغذية وفقر الدم حيث إنني أطعمها من الأكل الذي نأكله نحن وليس لدينا من يزورنا أو يسال علينا وابنتي دائما مريضة وأناشد إدارة السجن بتوفير الأكل الخاص بالأطفال وتوفير الملابس والحفاظات لأطفالنا حيث إنهم هنا رغما عنا فمعاناة طفلتي هنا أقسى من معاناتي أنا. م . ع . سجينة من الصومال تقول : لنا هنا سنة وشهرين ونحن ننتظر ترحلينا إلى خارج اليمن ولدي 3 أبناء محمد عمره خمس سنوات و عبلة عشر سنوات وهيفاء سبع سنوات و نحن نعاني من وجودنا هنا كما إن أطفالي الثلاثة دائماً يتساءلون عن سبب بقاءنا هنا ويتمنون الخروج من السجن فلا يوجد هنا مدرسة وبالتالي ضاعت سنة من أعمارهم بلا جدوى وأنا كأم قلقة على وجود أبنائي في هذا المكان وأطالب بإخراجنا من السجن كما نطالب بضرورة توفير مدرسة للأطفال الذين يمكثون هنا وكذلك ضرورة وجود مكان مناسب للعب بعيداً عن جو السجن لان السجن لا يناسب الأطفال الذين لا يفهمون معنى السجن. إدارة السجن بين التمني ونقص الإمكانيات تحدث إلينا العقيد / ناصر محمد العولقي مدير السجن المركزي بالحديدة قائلاً : عدد الأطفال المتواجدين بالسجن اليوم هم ستة أطفال وقد يزيد العدد أو ينقص من وقت لأخر , وقد أعطى قانون السجون الرعاية الكاملة للام الحامل وكما إن مصلحة السجون تقوم بتقديم الحليب للأطفال كما توجد جهات أخرى منها مجموعه إخوان ثابت وجمعية أبو موسى الأشعري يقومون بتوفير الحليب للأطفال. السجن كما هو معروف بيئة غير مناسبة لبقاء الطفل فيها ولكننا نضطر إلى قبول الأطفال مع أمهاتهم لعدم وجود من يهتم به غير الأم والتي تكون متهمة بجريمة وتقضي فترة العقوبة. كما توجد في السجن عيادة خاصة لمعاينة الأطفال وتقديم الدواء لهم بحسب الإمكانيات المتوفرة وفي بعض الحالات التي تتطلب عناية خاصة يتم إرسالهم إلى مستشفيات خارج السجن. ونتمنى إن توجد هناك روضة تهتم بالأطفال وتوفر لهم بيئة صحية وتعليمية مناسبة بحيث لا يتأثر هؤلاء الأطفال بمكوثهم داخل السجن. أطفال السجينات مشاريع منحرفين كما التقينا بالدكتور / عبد الرحمن محمد جار الله أخصائي أمراض نفسية وعصبية حيث وضح لنا الآثار المترتبة على الأطفال أثناء تواجدهم في السجون قائلاً: أن التأثير السلبي لأطفال السجينات يكون اشد خطرا من السجن الحقيقي للسجينات فيظهر تأثيره لاحقا حين يتحول الكثير من هؤلاء الأطفال مستقبلا بفعل نبذ المجتمع لهم إلى مشاريع مجرمين وقنابل إجرام موقوتة. هذه التنشئة للطفل المسجون رغما عنه تختلف عن الطفل الطبيعي لأنه يخرج إليها فلا يرى سوى المجرمين ولا يجد حضنا يستقبله سوى حضنا واحد في الليل والنهار وهذا الحضن لم يجد فيه ما يشبع حناه لان الأم تكون اصلااً مجهدة وحزينة ومنكسرة بسبب تواجدها في السجن فيرضع منها الألم والحزن والقسوة والسخط على المجتمع الذي أودعه خلف القضبان. أن الطفل في صغره وبعد أربعين يوما من مولده يبدأ في التقاط وتسجيل التصرفات والأفعال والسلوكيات من المجتمع الذي يحيط به وبالتالي فان محصلة عقله وذاكرته وعاداته التي سيتربى عليها في السنتين الأولى التي سيقضيها في السجن ستكون خطيرة ومؤثرة جدا عليه عندما يكبر وان لم نسارع إلى إبعاده عن هذا الجو القاسي فإننا نكون قد ساهمنا في خروج طفل منحرف في سلوكه وعاداته. كما أن هذا الطفل يصبح معقدا وينتابه شعور بالخوف من الناس ولا يستطيع التعامل مع الآخرين بسهولة لما يشعر به من ضعف وانكسار وبالتالي ينعكس هذا على شخصيته التي تتحول إلى العدوانية وتميل والعنف والجريمة. فالواجب على كل المنظمات المهتمة بقضايا الطفولة أن تمد يد العون لهؤلاء الأطفال من خلال إنشاء دور رعاية متخصصة ومستقلة تتولى تعليمهم ورعايتهم وتوفر لهم بيئة آمنة بعيداً عن بيئة السجن المنفرة. ختاماً هذا الطفل الذي ولد داخل السجن وترعرع فيه هل تراه يحلم بمكان أخر؟ .. يستطيع فيه أن يمارس طقوس طفولته وشقاوته بعيداً عن قيود السجن التي اغتالت براءته و قيدت أحلامه خلف أربعة جدران.. إلى متى ستظل خطواتهم تترنح بين أورقة عنابر السجن الصامتة التي لا حياة فيها وأي مستقبل مظلم ينتظر هؤلاء الأطفال وكيف لهم أن ينسوا ما شاهدوه من مشاهد مؤذية لمشاعر البراءة والطفولة ما يجعل الضياع والتشرد في انتظارهم وربما يتخرجون مجرمين بطبعهم لأنهم تعودوا على حياة السجون ولن تفرق معهم الحياة داخل السجن أو خارجه. فهل سيأتي يوم وتحن عليهم الدولة أو المنظمات المهتمة بالطفولة وتنشئ لهم مؤسسات تربوية وحضانات خاصة تحت إشراف أخصائيين ونفسيين تتولى تربية ورعاية هؤلاء الأطفال بعيدا عن زنزانة السجون أم ستغض الطرف إلى أن يصبحوا أساتذة في فن الإجرام ؟ سؤال مشروع ينتظر الإجابة