العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    عدن.. هيئة النقل البري تغيّر مسار رحلات باصات النقل الجماعي    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    مانشستر سيتي يسحق ليفربول بثلاثية نظيفة في قمة الدوري الإنجليزي    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    عين الوطن الساهرة (1)    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساعد وزير الخارجية الأمريكي لمنتقدية: اليمنيون أنفسهم لا ينتقدوننا مثلكم وهي بلادهم!
أمريكا تساعد اليمن بيدٍ وتدمرها بكلتا اليدين!
نشر في المشهد اليمني يوم 20 - 04 - 2013

ليس علي عبدالله صالح وحده من يؤدي دور الشيطان في اليمن كما يعتقد . إدارة البيت الأبيض وسفيرها في صنعاء يؤديان الدور نفسه. وإذا كانت اللوس انجلوس وصفت الرئيس السابق بأنه ينظر للعلاقات اليمنية الأمريكية بوصفها "دفتر شيكات الحرب ضد الإرهاب"، فبوسعي القول إن مساعد الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب جون برينان لم يزد عن أنه استعرض، قبل 3 أيام، دفتر الشيكات المقدمة لليمن شيكاً تلو شيك أمام الكاميرات بطريقة مهينة تطفح بالرياء والمنّ كرجل ثري يشكو كُثر إنفاقه على عجزة ومعدمي الأحياء الفقيرة. الآن وجدت تفسيراً لمشهد مهين يصور بدقة شديدة فحوى العلاقات اليمنية الأمريكية، نقلته إحدى وثائق ويكليكس، عندما اعترض الرئيس صالح طريق برينان وأمسك باب السيارة بشكل فج ملحاً عليه بتعهدات مالية ما. رجلان وجد كلاهما في الآخر صفة مشتركة: الجشع!
اليمني عدو نفسه وبلده. عشرون عضواً أمريكياً بمجلس العلاقات الخارجية وجهوا انتقادات شديدة لسياسة الحرب على الإرهاب وهجمات الطائرات بدون طيار في اليمن التي لم ينتقدها اليمنيون أنفسهم إلا لماماً. إثر ذلك دار قبل أيام نقاش ساخن بين أعضاء المجلس ومساعد الرئيس أوباما حول اليمن لكن اليمنيين كعادتهم آخر من يعلم أو يهتم وكأنه جدل يخص شعب تكساس! لم ينكر بيرنان الغارات الأمريكية داخل اليمن كعادة المسئولين اليمنيين ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء المحليون وإنما لجأ إلى ذخيرة رجل بارع في قلب الحقائق وتبسيط الأمور "إنها جزء من الحل لا المشكلة" نافياً "إدعاء" أعضاء المجلس أنها ولدت مشاعر معادية للأمريكيين. وقال ما حسبته لوهلة مزحةً ثقيلة "إن ما يطرحه البعض أن سياساتنا إزاء اليمن يغلب عليها الأمن وجهود مكافحة الإرهاب طرح غير صحيح" ويبدو أن الرجل جاد!
يمكن القبض على ما لم يقله صراحة فيما قاله بيرنان تورية. فكلمته المعنونة ب"نهج أمريكي شامل بشأن اليمن" تقول شيئاً واحداً لمنتقديه الأمريكيين: (اليمنيون أنفسهم لا ينتقدوننا مثلكم وهي بلادهم!). وربما منعته الدبلوماسية والرغبة في عدم إحراج الحكومة اليمنية من القول إنهم طيّعون تماماً للإدارة الأمريكية ولا يظهرون ممانعة ولا تبرماً ولا يفكرون في تحسين الشروط. بالمجمل كان بيرنان يقصد شيئاً آخر غير الذي تقوله كلماته أمام المجلس. فحين قال "إن شركائنا في اليمن أكثر حرصاً على العمل معنا" كان يقصد: "هم بحاجة إلينا أكثر من حاجتنا لهم" مع أن البديهي العكس. وقرار وزارة الخارجية الأمريكية في 3 يوليو برفع الحظر عن اليمن وفتح الباب لتصدير الأسلحة عبر البنتاجون ومقاوليه -إلى بلد كان مصنفاً أمريكياً بوصفه سوقاً سوداء للأسلحة- لا يمكن قراءته بمعزل عن قرار إيقاف الرئيس هادي 12 شحنة أسلحة روسية وأوروبية حسب خبر انفردت بنشره صحيفة الأولى يوم أمس. حان وقت بناء شراكات جديدة بعد رحيل صالح عن السلطة.
سأحصي بعض جُمل المنّ في كلام بيرنان: "هذا أكبر دعم مدني قدمته الولايات المتحدة لليمن". وقال في فقرة مَنٍّ أخرى: "الولايات المتحدة أكبر داعمٍ لليمن في المساعدات الإنسانية". وأضاف لا بلغة مساعد رئيس الدولة العظمى في العالم وإنما بلغة آلة عدّ نقود تصدر ضجيجاً هائلاً حين تعمل: "هذا العام فقط بلغ الدعم الأمريكي لليمن أكثر من 337 مليون دولار". والله لو أن لليمن قادة ونخبة سياسية عزيزة نفس لبصقت في وجه هذا المبلغ التافه غير آسفة. إنه لا شيء. لُعاعة. خسارة اليمن في قطاع الكهرباء جاوزت مليار دولار (دون خسائر المواطنين) كان بدايتها صاروخ أمريكي أطلقته طائرة "البريداتور" على نائب محافظ محافظة مأرب! ثم يأتي السيد بيرنان اليوم للمنّ علينا بفتاته!
عدا الإضرار بالبيئة مارست شركة هنت الأمريكية، حسب دراسة الخبيرين الدوليين د/ديفد ود ود/ اولى جانسون، سياسية تسريع الإنتاج في قطاع
18 بما لا يتفق مع الصناعة النفطية من خلال حفر 120 بئراً معظمها أفقية متسببة في فقدان 198 مليون برميل نفط قدرت ب3 مليار دولار: أي بقيمة المساعدات الأمريكية ل10 سنوات. وخلال إدارة هنت لأكبر قطاع نفطي في اليمن صافر (بمساحة قطر) أحرقت 11 تريليون قدم مكعب من الغاز المصاحب بالهواء (تعادل الكمية المباعة لتوتال الفرنسية ل20 سنة قادمة) ويمنّ السيد بيرنان بالفتات!
ليس بمقدور أي مبلغ على وجه الكرة الأرضية أن يعوض خسارة من فقد قريباً له أو عزيزاً عليه في مذبحة المعجلة وغيرها الكثير من المذابح التي قتلت أطفالاً ونساء وأبرياء. ولا أحسب أن هناك آلة على وجه الأرض تستطيع حساب الخسائر النفسية لا المادية ل140 ألف نازح معظمهم نزح من أبين بفعل الغارات الخاطئة التي ساهمت في زيادة مؤيدي "أنصار الشريعة". ولما أزل أذكر القهر الذي رأيته في عيني الدكتور ناصر العولقي قبل شهور على حفيده عبدالرحمن، وحديثه للتايمز وقتها "يعتبر أوباما الكثيرون رجل السلام العالمي الحاصل على جائزة نوبل أما أنا وأسرتي فهو في نظري مجرد قاتل ومنافق".
تنظر الإدارة الأمريكية إلى اليمن باعتبارها قنبلة موقوتة تقلق عبور 3 مليون برميل نفط يومياً من مضيق باب المندب ولا تحاول مساعدته إنسانياً واقتصادياً وإن أدعت زوراً. إن علاقة البيت الأبيض باليمن واضحة للجميع: تتسم على الدوام بالانتهازية المصحوبة بالإذلال والممعنة في إسقاط استقلالية القرار اليمني وانتهاك سيادته الوطنية. أين أمريكا الملهمة في علاقتها بنا؟ أين المعرفة والأدب والموسيقى ودان براون وولت ويتمان ونعوم تشومسكي؟ هذه ليست علاقة سوية! من غير المعقول أن تقتصر علاقة دولتين على هوس الاستخبارات والأمن ومخاوف القاعدة ودفتر شيكات السيد بيرنان؟ وإليكم الدليل: ثلث كلمة بيرنان انشغلت بسرد أفعال الإحسان على اليمنيين وتذكيرهم بفاقتهم! وددت لو كنت هناك لأقول له إن نصف مساعدات أمريكا تذهب للجانب العسكري والأمني والمستفيد منها بالمقام الأول صقور البيت الأبيض عبر شركاتهم العابرة للقارات كهاليبرتون التابعة لديك تشيني أو بلاكوتر مع وكلائهم المحليون في اليمن. بعبارة أخرى: ستخرج المساعدات من جيب وتعود إلى جيب الأمريكي آخر عند شراء اليمن معدات عسكرية من الشركات الأمريكية ك"طائرات بدون طيار، مدافع رشاشة, بنادق قنص، بناء قاعدتين في الجنوب كما خصص 29 مليون دولار لشراء معدات وأجهزة اتصالات وأجهزة متطورة للرؤية الليلية". باختصار: إنهم يدعموننا بيد ويستردون نقودهم أضعافاً باليد الأخرى!
"نصف المساعدات إنسانية" يقول بيرنان وهذا غير دقيق. فأكثر من ربعها يذهب للعلاقات العامة ونفقات تشغيلية وإدارية وليس خفياً أن بعضها تملح بالفساد. ومن ذلك 110 مليون دولار قدمت ضمن خطة التجاوب الإنسانية للأمم المتحدة، و68 مليون لتحسين خدمات الصحة والتعليم. و74 مليون عبر الوكالة الأمريكية للتنمية لدعم الأمن الغذائي. وبحسب بيرنان فإن ما تقدمها الوكالة الأمريكية مكّنت اليونسيف من رفع مساعداتها للأطفال الذين يتضورون جوعاً في اليمن". كدت أطرش دماً عند قراءة هذه الجملة المحشوة مبالغة وإدعاء! فمخصصات الوكالة تشمل جهات عدة ك"استجابة" وما تنفقه من مشاريع وندوات وإيجار قاعات وبوفيه ووو.. نفس الشيء مع امديست التي نفذت بالكاد مشاريع ترفيهية ليس إلا كبطولة شطرنج فتيات أحزروا فين؟ في الجوبة وبطولة كرة السلة في مأرب التي تشتهر على ما يبدو بتصدير لاعبي السلة للعالم! وفي عدن وصنعاء نفذت دورة وورشتا تأهيل لمدربي السلة تباعاً وورشة تدريب الطائرة فتيات في العاصمة. أما مشروعها الأهم "برنامج قيادة الدراجات ليمن أكثر اخضراراً" وكأننا محاطون بالمروج والمساحات الخضراء! أترون رياء المساعدات الأمريكية؟ تتحدث المنظمات الأمريكية المحترمة مليون طفل جائع فيما الوكالة الأمريكية تعبث بالمنح إرضاء لشغف الأمريكي بلعبة السلة (شل فلوسك وهجعنا)!
رُمي موكب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالطماطم والأحذية في مدينة الإسكندرية مع أن أحداً لا يستطيع الزعم أن مصرياً واحداً قتلته طائرة من دون طيار أمريكية كالحال في اليمن. ورغم تقديم البيت الأبيض أكثر من مليار دولار سنوياً لمصر لا يستطيع أحد الزعم بالسماح لطائرة البريداتور باختراق الأجواء المصرية كما تفعل باستمرار في اليمن. وبينما أخفقت الإدارة الأمريكية إلى حد ما في احتواء الثورة المصرية نجحت بيسرٍ في اليمن مع السعودية فصارت الثورة أزمة، والانتخابات الرئاسية تحصيل حاصل، ووقعت المبادرة الخليجية. وكان ثمن كل ذلك هيِّناً. ثمن المعارضة اليمنية نصف حكومة، وثمن الرئيس السابق الحصانة وعدم تجميد الأرصدة، والرئيس الجديد تدريب 400 شخص من مسقط رأسه كحراسة خاصة. تبدو اليمن كرجل مُعْدم متورط بالديون ومن قلة حيلته أخذ يؤذي نفسه بنفسه ويشج رأسه بحديده حتى غطى الدم وجهه لكنه رغم ذلك لم ينجح في إثارة شفقة وعطف الآخرين عليه.
وددت وأنا أسمع جون بيرنان، والنخب اليمنية في صامتها، لو أطير إلى أمريكا كي أقبّل يديّ الناشطة الأمريكية اليهودية ميديا بنيامين. لا لأنها أقامت ندوات حول حرب واشنطن السرية في اليمن وضحايا المعجلة فحسب، ولا لأنها أسست وزوجها حركتي جلوبال وبينك كود المعنيتان بالسلام والعدالة الاجتماعية. بل لأنها امرأة عظيمة تنتصر للعدالة والقيم الإنسانية. لا أنسى شجاعتها وهي تقاطع خطاباً لبيرنان بمعهد ويلسون قبل أقل عام. كانت تصرخ بصوت مذبوح: "أنا أتحدث نيابةً عن أولئك الضحايا الأبرياء إنهم يستحقون منك الاعتذار يا سيد برنان. لماذا تكذب على الشعب الأمريكي؟ أنا أتحدث نيابةً عن عبدالرحمن العولقي الذي قتل في اليمن وكان يبلغ من العمر 16 عاماً من مواليد دينفر بسبب أن والده أنور العولقي. أنا أتحدث عن طفل باكستاني برئ. أنا أتحدث نيابة عن الدستور ونيابة عن سيادة القانون. أنا أحب سيادة القانون وأحب بلادي. أنت تعرض حياتنا للخطر من خلال قتلك لأناس أبرياء حول العالم.

التغيير بالصدمة ومراكز القوى
في ال 6 من مارس 2012م كتبت مقالاً في صحيفة «الجمهورية» بعنوان "الرئيس هادي، التغيير بقص الأجنحة"، تناولت فيه بعد الشرح لنموذجي التغيير بالصدمة وبالتوافق بيان أن التغيير بالصدمة الذي يؤدي إلى التغيير الجذري غير مسموح به في اليمن، وأن الرئيس هادي خلال المرحلة الانتقالية التي تنتهي في فبراير 2014م سينتهج أسلوب التغيير بالتوافق ضماناً لوصول السفينة إلى بر الأمان وحينها قلت : وما على الذين يطالبون الرئيس عبدربه منصور هادي بسرعة اتخاذ قرارات قوية وعاجلة تأخذ شكل الصدمة إلا أن ينتظروا مثل هذه القرارات فهي في تصوري غير واردة، ويبدو واضحاً أن التغيير سيأخذ أشكالاً متعددة ومنها "قص الأجنحة" لكن كل أساليب التغيير التي ستكون متنوعة سوف تنتج عن توافق ورضا بين الموقعين على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وكان واضحاً حينها أن أمريكا والغرب ودول الخليج ترغب في التدخل الهادئ لتخفيف نفوذ أقارب الرئيس السابق "صالح" في قيادة الجيش والأمن قبل إزاحتهم، وذكرت صحيفة «الواشنطن بوست» في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة تريد أن تلعب ببطء تدريجيا لكي تزيح أقارب صالح من قيادة قوات الجيش والأمن والانتقال إلى جيش أكثر احترافاً وهذا ما تم بالفعل بعد عام وشهر بالتحديد في10 أبريل 2013م، فجاءت قرارات استكمال هيكلة الجيش تقيل ما تبقي من أقرباء صالح وتعينهم في مناصب دبلوماسية أو مستشارين لتؤكد ما ذهبنا إليه استناداً إلى «الواشنطن بوست».
لقد كانت سياسة التغيير"بقص الأجنحة" ضرورة قبل عام كون المؤسسة العسكرية والأمنية منقسمة والسلاح منتشراً بشكل مخيف والقوات الضاربة بيد أقرباء صالح وكان هناك توجس من إعادة الأمور إلى المربع الأول وانفجار الوضع في أي لحظة، أما اليوم بعد صدور قرارات الهيكلة فإن التروي والتأني والتأخير في اتخاذ قرارات التعامل بحسم وجدية مع المجرمين والخارجين على القانون يفتح شهية القوى المتربصة بالتغيير والتي تهادنه للقيام بممارسات أكثر جراءة في إضعاف السلطة والدولة.
لم يعد اليوم التغيير "بقص الأجنحة" مجدياً بعد أن فتحت قرارات الرئيس هادي الشجاعة بهيكلة الجيش الطريق أمام اليمن للتعامل مع مصادر التهديد مثل استهداف الكهرباء والتقطعات في الطرق والإختلالات الأمنية في المدن بجدية وحسم وأصبح أسلوب "التغيير بالصدمة" هو المفيد والمجدي مع المجرمين والخارجين على القانون ومراكز القوى التي تقدم لهم الدعم اللوجستي والمساندة المعنوية والمادية.
لقد تمت الإساءة للمؤسسة العسكرية والأمنية بشكل كبير خلال فترة حكم الرئيس السابق وأصبح دورها سلبياً ومدمراً ومعيقاً لبناء المشروع الوطني الجامع نظراً لسيطرة الأهواء والعصبيات القبلية والمنطقية والأسرية على مفاصل قيادة الجيش والأمن بل ضاقت دائرة القيادة العسكرية والأمنية لتنحصر في أسرة واحدة فكانت قرارات هيكلة الجيش ضربة معلم انتظرها أبناء اليمن طويلا كونها أعادت الاعتبار للجيش وفتحت الباب لبنائه على أسس علمية ووطنية بحتة بعيدا عن الولاءات والانتماءات الضيقة وكذلك باعتبارها خطوة مهمة لتعزيز أجواء ومناخات إنجاح الحوار الوطني الشامل.
ويمكن الجزم أن قرارات هيكلة الجيش قد أربكت مراكز القوى وأصابتها "بالدوخة والصداع المؤلم"، صحيح أنها جاءت عبر التوافق لكنها أحدثت الصدمة مما جعل مراكز القوى في حالة إرباك وتشتت والتروي والتساهل وعدم الحسم واتباع أسلوب التغيير بالصدمة مع الإخلال بالأمن في المدن والمباغتة والجدية في التعامل مع من يستهدف الكهرباء أو أي إعاقات تمس حياة الناس ومعاشهم وأرزاقهم سيمكن مراكز القوى من التخلص من حالة التشتت والإرباك وستخرج من "دوختها " وستعيد ترتيب أوراقها واستعادة حيويتها التي فقدتها بفعل صدمة قرارات هيكلة الجيش.
إن تأكيد الرئيس هادي خلال الاجتماع الأول لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وأمانته العامة على ضرورة التصدي الحازم للأعمال المخلة والخارجة عن النظام والقانون المتمثلة بالإخلال بالأمن سواء من خلال تفجير الكهرباء أو أي تصرفات تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار هذا التأكيد القوي يعتبر توجيهاً صريحاً لقادة المناطق العسكرية السبع الجدد بضرورة القيام بواجبهم وكذلك الأجهزة الأمنية وقوات وزارة الداخلية ولا عذر لأحد بعد اليوم، فالجيش والأمن في بلد كبلادنا اليمن كان ولا يزال هو الضامن في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة لتواصل عمليات التغيير الجذري والشامل لأوضاع البلاد وواقعها المتردي من خلال قيامه بالدور الإيجابي لتأمين مسيرة التغيير باعتباره حامياً للمشروع الوطني الهادف إلى بناء كيان يمني وطني ديمقراطي مدني.
أخيراً : يمكننا الجزم بكل ثقة بأن القوى السياسية ستتحاور في مؤتمر الحوار الوطني بعد قرارات الهيكلة في ظل مناخ حر وديمقراطي وستأتي مخرجات الحوار الوطني ملبية لطموحات الشعب وستلقى طريقها إلى التطبيق دون أي ضغط من مراكز القوى التي كانت تحتكر السلطة والدولة والجيش والأمن والمطلوب فقط هو التعامل بحزم وقوة مع الخارجين على النظام والقانون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.