من الرقة في سوريا، إلى الفلوجة في العراق، وسقوط الموصل تحت نفوذها اليوم... تسيطر على الأراضي، وتفرض قوانينها، وتقتل من تشاء وتبقي على من تشاء، بل وترفع علمها الخاص.. إنها سلطة جديدة، في بلاد لم يعد فيها للقانون سلطة.. إنها "داعش". "الدولة الإسلامية في العراق و الشام"، تختصر اسمها في الحروف الأولى من كل كلمة لتشكل "داعش"، فيما يطلق عليها البعض اسم "الدولة"، لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا. تهدف داعش، كما تصرح، إلى إعادة ما يسميه منظموها ب"الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة" في البلاد التي ينتشرون فيها، إلا أن ما يعرفه العالم أجمع اليوم هو أن داعش تنظيم مسلح إرهابي، يتبنى الفكر الجهادي التكفيري، متخذاً من العراقوسوريا، تحديداً، مسرحاً لعملياته. تأسيسها رغم كثرة الحديث عن داعش في السنوات الثلاث القليلة الماضية فحسب، لا سيما مع اشتداد الحرب في سوريا، إلا أن أصول التنظيم تعود إلى عام 2004، حين شكل أبو مصعب الزرقاوي تنظيماً أسماه "جماعة التوحيد والجهاد"، وأعلن "مبايعته" لتنظيم "القاعدة"، بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة، أو ما سمي ب"تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". أما على الساحة العراقية، فبرزت داعش إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، على أنها "تنظيم جهادي ضد القوات الأمريكية"، الأمر الذي جعله مركز استقطاب للشباب العراقي، الذي سعى لمواجهة الاحتلال الأمريكي لبلاده، وسرعان ما توسع نفوذ التنظيم، ليصبح من أقوى الميليشيات المنتشرة والمقاتلة على الساحة العراقية. وفي عام 2006، خرج الزرقاوي على الملأ في شريط مصور، معلناً عن تشكيل "مجلس شورى المجاهدين" بزعامة عبدالله رشيد البغدادي، فقتل الزرقاوي في الشهر نفسه من إعلانه، وعين أبو حمزة المهاجر زعيماً لتنظيم القاعدة في العراق، وفي نهاية 2006، تم تشكيل تنظيم عسكري يختصر كل تلك التنظيمات، ويجمع كل التشكيلات الأصولية المنتشرة على الأراضي العراقية، وهو "الدولة الإسلامية في العراق"، بزعامة أبو عمر البغدادي. أمير داعش والفكر التكفيري قامت القوات الأمريكية بتنفيذ عملية عسكرية، في 19 أبريل (نيسان) 2010، أدت لمقتل أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر، وبعد حوالي أسبوعين انعقد مجلس شورى الدولة الإسلامية في العراق، ليختار أبي بكر البغدادي خليفةً لأبي عمر البغدادي، ليبقى أميراً للجماعة إلى اليوم. البغدادي خريج الجامعة الإسلامية في بغداد، درس فيها البكالوريوس، والماجستير والدكتوراه، وعمل أستاذاً ومعلماً وداعية، ضليع بالثقافة الإسلامية، والفقه الشرعي، ولديه اطلاع واسع على العلوم التاريخية، والأنساب الشريفة، وولد أبو بكر البغدادي لعائلة متدينة تتبع العقيدة السلفية التكفيرية. أعضاء التنظيم تشير وثائق مسربة إلى أن عدد أعضاء المجلس العسكري لداعش يزيد وينقص، ويتراوح بين 8 و13 شخصاً، وأن قيادة المجلس يتولاها 3 ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. وبدأت داعش العراق التركيز على خطّين، الأول ضمان عدم تصدّع تنظيمهم وحمايته من الداخل، عبر إنشاء مفارز أمنية تُصفّي أي جهة تُشكّل خطراً عليه، مع ضمان توفير الموارد المادية. بينما تتمثل الخطوة الثانية في بناء جهاز أمني لتنفيذ تصفيات واغتيالات سرية، تشكّل في البداية من 20 شخصاً، ووصل خلال أشهر إلى 100 شخص. مناطق نفوذ وجنسيات "مجاهدة" تنتشر داعش اليوم على امتداد قوس كبير في الشمال السوري، يبدأ من الحدود العراقية السورية ويمرّ في دير الزور والرقة التي باتت تسيطر عليها بشكل كامل، وصولاً إلى جرابلس، ومنبج والباب، وإعزاز شمال حلب، إضافةً إلى شمالي إدلب قرب الحدود التركية. تسعى داعش دائماً للتوسع في نفوذها، عبر قضم مستمر للمناطق المحيطة بالأراضي التي تسيطر عليها، وما تلبث أن تعلنها "تابعةً للدولة الإسلامية". وحددت داعش 16 ولاية لها في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها أو نفوذها في العراقوسوريا. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تغنّت داعش في كلّ من بغداد ونينوى وديالى بانتحارييها الأجانب، وأعلنت أنّ "المفجرين الانتحاريين من تونس، وليبيا، ومصر، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وسوريا، وإيران، وأوزبكستان، وأفغانستان، وباكستان، وطاجيكستان، وجمهورية الشيشان الروسية، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والدنمارك"، قد نفذوا هجماتٍ للمجموعة. تواصل اجتماعي الأمر اللافت في فكر داعش، هو اعتماد التنظيم بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أن له حساب على موقع "تويتر"، يستقطب عبره الشباب، لاسيما الأجانب، وتتلقى الصفحة أنواعاً مختلفة من الأسئلة، من قبل شباب يطلبون رؤية مقاطع فيديو لعمليات إعدام، وأسئلة أخرى حول الزواج من فتيات سوريات وغيرها. وتصدر داعش مجلة إلكترونية مكوّنة من 11 صفحة، تحتوي على صورٍ وتعليقات قصيرة وبيانات تثمن فيها جهود انتحاريها الذين تطلق عليهم لقب "شهداء"، تدعى "أخبار الدولة الإسلامية".