لم تكن المخاطر تحوم حول اليمن منذ الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح العام 2011 كما هي عليها اليوم، فالبلد تمر بمرحلة لا تقل صعوبة عما شهدته قبل ثلاث سنوات، لدرجة أن كثيراً من المراقبين يؤكدون أن أحوال اليوم ربما تفوق في خطورتها ما شهدته البلاد من احتجاجات وما تلى ذلك من أزمات . منذ أشهر واليمن يعيش على إيقاع معركة تغذي وقودها الخلافات العلنية بين الرئيس عبدربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبدالله صالح حيال عدد من القضايا الساخنة في البلاد، وسط مخاوف من أن تمتد ذيول هذه المعركة على حاضر هذا البلد ومستقبله الذي يكتنفه المجهول، بخاصة في ظل أوضاع أمنية لا تهدأ، تبدأ في الشمال، حيث المعارك الملتهبة بين قوات الجيش المسنود برجال قبائل ومسلحي الحوثي ولا تنتهي في الجنوب، الذي تعيش مناطقه معارك عنيفة مع عناصر تنظيم القاعدة . لم يتوقع الكثير من المراقبين أن يبدأ الصراع باكراً بين الرئيس عبدربه منصور هادي وسلفه علي عبدالله صالح، خاصة أن الرجلين ينتميان إلى مؤسسة حزبية واحدة، هي المؤتمر الشعبي العام، والذي ظل يحكم البلاد بقبضة حديدية لمدة لا تقل عن 33 عاماً، قبل أن تتغير موازين القوى وتأتي بقوى أخرى للحكم . منذ انتخابه رئيساً للبلاد في فبراير/ شباط من العام 2012 بتوافق من قبل الأحزاب السياسية كافة، حاول الرئيس هادي أن يتحرر من الانطباع من أنه يقف خلف ظل صالح، أو بالأصح التحرر من "جلباب صالح"، الذي حاول الأخير أن يصور هادي به ومحاولة إظهاره ب "الرئيس الضعيف"، الذي يعود للتشاور مع سلفه في كل صغيرة وكبيرة . كانت قرارات هادي، بخاصة تلك التي مست أنصار وأقارب الرئيس، وأخرجتهم من مختلف المؤسسات العسكرية والأمنية، هي الشرارة التي بدأت فيها الخلافات بالظهور بين الرجلين، شعر صالح بأن هادي لم يعد ذلك الذي كان يتحدث في لقاء حزبي عندما تم ترشحه ليكون مرشحه للانتخابات الرئاسية، وقال حينها إنه قبل بالمنصب إرضاء لصالح . بعد القرارات الجمهورية الكثيرة التي أضعفت قبضة صالح على المؤسسات العسكرية والأمنية، بخاصة إبعاد أشقائه وأنجال أشقائه، وقبلهم نجله العميد أحمد، الذي أزاحه من قيادة أكبر قوة عسكرية في الجيش وهي قوات الحرس الجمهوري، بدا وأن المعركة بين الرجلين في طريقها إلى التصعيد . أدرك صالح أن هادي قرر وضع حد لنفوذه داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، بخاصة أن صالح كان يعلم أن هادي لن يكون أداة طيعة بيده وأن الرجل لا يريد البقاء في دائرة نفوذ رئيسه السابق، الذي عمل معه لمدة تصل إلى 17 عاماً كنائب له . كان صالح يدرك أن إبقاء هادي تحت جلبابه لن يدوم طويلاً، وأن الرجل صار مستعداً للخروج من الصورة النمطية التي كونها الناس عنه وأنه ليس ذلك الذي يستلم توجيهاته وتعليماته من حي الكميم، الذي يقع فيه منزل الرئيس السابق، وأن الوقت قد حان ليصنع دولته . هذا الصراع بين رأسين حاول الطرفان إخفاء تفاصيله، لكنه كان يكبر مع الوقت ويتحول إلى صدامات جانبية، وكان ساحة المواجهات تدور في مربعين الأول ميداني، أي على الأرض من خلال رفض صالح للقرارات التي يصدرها هادي ويعتبرها "إقصاء" لنفوذه، والثاني سياسي، أي داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي انقسم في ولائه بين الرئيس هادي و"الزعيم" صالح، وفي الأغلب كانت الغلبة لصالح الأخير بحكم تأثيره الكبير في الحزب وقيادته لفترة تقترب من 30 عاماً . ودخل الإعلام على خط المواجهة فكان إعلام حزب المؤتمر من قنوات فضائية وصحف وإذاعات وغيرها مناصراً لصالح، بل وبدا في كثير من المحطات محرضاً ضد الرئيس هادي وللقرارات التي يتخذها، بل واتهامه أنه صار عصا في أيدي حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) . تجنب الفوضى العارمة خلال الأسبوع الماضي انقشع الضباب الذي كان يلف علاقة الرئيس هادي بسلفه صالح، خاصة بعد خروج الآلاف إلى الشوارع في واحدة من مظاهر التحدي للرئيس هادي من قبل أنصار صالح، والتي يمكن عنونتها ب "محاولة إرباك المشهد السياسي في البلاد"، والتي كان يخطط لها صالح للعودة إلى الواجهة من جديد . في الحادي عشر من شهر يونيو/ حزيران الجاري بدت العاصمة وكأنها على موعد مع مخطط للانقلاب على الرئيس هادي ووصول هادي إلى قناعة من أن الرئيس السابق كان يحاول الدفع بالأوضاع إلى مرحلة الفوضى العارمة، خاصة بعد الاحتجاجات التي عمت العاصمة ووصول أنصار صالح إلى منزل هادي والمطالبة برحيله وعودة الرئيس السابق إلى الحكم . بعد يوم من الأحداث أبلغ الرئيس عبدربه منصور هادي سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية أن صالح يريد خلط الأوراق واستغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، خاصة ما يتعلق بشح المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء وغيرها، بهدف إضعاف مكانة الرئيس هادي وإظهاره بموقف الرئيس العاجز وإفساح المجال أمام فوضى تعيد نجله إلى الحكم حتى وإن كان بواسطة انقلاب . يقول مقربون من هادي إن التحقيقات التي أجريت مع عدد من المعتقلين في أحداث 11 يونيو/ حزيران كشفت أن أنصار صالح أعدوا العدة لإدخال البلاد في فوضى عارمة، وأن ذلك اتضح من خلال قيام أنصار صالح بتوزيع إطارات السيارات التالفة لإحراقها في توقيت واحد في مناطق مختلفة من العاصمة صنعاء، كما قاموا بتوزيع كميات من البترول على كافة الجهات التي تولت حرق الإطارات ووزعت مبالغ مالية لعدد من الأشخاص للقيام بتقطيع الشوارع الرئيسية قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية بإغلاق كافة الشوارع الفرعية وخنق العاصمة بشكل كامل، خاصة مطار صنعاء الدولي . ويشير هؤلاء إلى أن الرئاسة تسلمت معلومات تفيد قيام قناة "اليمن اليوم"، بإعلان ساعة الصفر لتحريك أنصار للاستيلاء على بعض المؤسسات الحكومية المهمة بما فيها الوزارات قبل الانتقال إلى محاصرة منزل الرئيس هادي، فأبلغ هادي قوات من الحرس الرئاسي بالعمل على اقتحام مقر القناة ومصادرة أجهزة البث . وتؤكد مصادر مقربة من الرئاسة أن الرغبة في الفوضى برزت بشكل واضح في منشور نشره نجل شقيق الرئيس السابق ووكيل جهاز الأمن القومي عمار محمد عبدالله صالح، الذي أقيل من منصبه قبل نحو عامين عندما أكد عودة اليمن إلى مرحلة ما قبل هادي بقوله: "لقد بدأت الضبابية تزول والطريق بدأ وضوح معالمه، فقط الوقت يفصلنا عن عودة اليمن التي ظنت الأفاعي التي خرجت من جحورها أننا غافلون وسنترك لها الحبل على الغارب وهم لا يتخيلون أن الدولة اليمنية لها من يدافع عنها في الوقت الذي ظن فيه كل عميل وخائن أن اليمن ملعب لأجهزة المخابرات والجواسيس والعملاء الذين استهانوا ولم يقدروا أن تراب اليمن أغلى من كنوز الدنيا ولكننا لن نقابل الاستهانة بالغفران فالحساب قادم ولا تهاون مع خائن، لقد حان وقت دفع الثمن باهظاً" . الحرب مع الحوثيين علاوة على أن هادي يواجه تركة صالح ورغبته في العودة إلى السلطة، تبرز مخاطر تمدد جماعة الحوثي كواحدة من القضايا الأخطر التي تبرز أمام الرئيس الانتقالي، على الرغم من سلسلة الاتفاقات التي يتم الإعلان عنها بين وقت لآخر لوقف الحرب الدائرة في المناطق الشمالية من البلاد، بخاصة في مناطق عمران والمناطق المحيطة بصنعاء العاصمة . من المؤكد أن أشياء كثيرة تغيرت في علاقة الأطراف المتصارعة في اليمن، فبينما يجد حزب الإصلاح نفسه في كماشة بعد تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، يحاول الحوثيون أن يكونوا الأداة الجديدة في الصراع والتواجد القوي في المناطق التي كانت تعتبر مناطق نفوذ لحزب الإصلاح وقبيلة حاشد . لا يخفي المراقبون للوضع السياسي في اليمن خطورة ما تمر به البلاد في هذه الفترة لجهة تصاعد لهجة الحوثيين حيال النظام، خاصة أن الأحداث الأخيرة أظهرت أن لديهم ما يكفي من القوة لهز النظام في صنعاء، وربما برز ذلك في الأسابيع القليلة الماضية عندما تمكنوا من تطويق العاصمة صنعاء من عدد من الجهات، بخاصة من همدان وبني مطر التي سيطروا عليها بعد معارك شرسة مع قوات الجيش ورجال القبائل المسنودة من حزب التجمع اليمني للإصلاح . وفيما يرى المراقبون أن الحوثيين يريدون أن يكونوا رقماً صعباً في المعادلة السياسية القائمة في البلاد، فإن المخاوف من انجرار البلاد إلى فتنة طائفية تبقى قائمة، بخاصة في ظل سلوك عناصر الحركة التي تقوم بتدمير منازل معارضيها، وهو ما حدث في أكثر من منطقة . من هنا تبدو مخاوف المراقبين من بروز الفتنة الطائفية مبررة، وقد أكدها وزير الدولة البريطاني آلن دنكن في ختام زيارته الأسبوع الماضي عندما أبدى خشيته من تكرار "الحالة العراقية" في اليمن . من هنا يرى مراقبون أن هادي بدا خلال الفترة الأخيرة أكثر حذراً في التعاطي مع الجوانب الأمنية والسياسية على السواء، سواء في علاقاته بالرئيس السابق أو بجماعة الحوثيين وحزب التجمع اليمني للإصلاح . وأشارت مصادر عسكرية إلى أنه أصدر توجيهات صارمة بإنزال الصواريخ والمدافع الثقيلة من المرتفعات والقمم المحيطة بالعاصمة صنعاء، خاصة من جبل نقم، والتي كانت مصدر خطر ضد هادي . وتؤكد كل خطوات هادي الأخيرة أن الرجل يريد تأمين نفسه جيداً، خاصة في ظل تصاعد المخططات لإدخال البلاد في فوضى عارمة، وتشير كل تحركات هادي إلى أنه يجد مساندة دولية كبيرة في كل ما يقوم به، بخاصة في ظل العلاقة التي تسوء مع مرور الأيام بينه وبين صالح ووجود انقسام في صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام الذي لا يزال جزء منه يدين بالولاء لصالح وجزء آخر منه يميل بالولاء للرئيس هادي . - See more at: http://alkhaleej.ae/supplements/page/de9457eb-1a5d-4fd7-8fdd-20f99b5d8d48#sthash.CNAotOPb.dpuf