بدأ التقارب السعودي التركي يتعمق ويتجذر يوماً بعد يوم منذ اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز العرش خلفاً لأخيه الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وبلغ التقارب أوْجَه في الفترة الأخيرة بين البلدين، ووصل إلى حد تعزيز التعاون في أكثر المجالات والملفات المهمة. المؤسسة الدينية في المملكة ذات التأثير الهام في المجتمع، دخلت على خط التقارب، حيث جسد مفتي المملكة العربية السعودية ذلك بالدعوة لمساندة تركيا في موقفها في مواجهة روسيا التي تأثرت علاقاتها بها إثر إسقاط الأخيرة طائرتها الحربية التي اخترقت أجواءها الدولية، وقد علل المفتي دعوته باعتبار "تركيا ثغراً كبيراً وعظيماً للمسلمين". جاء ذلك عبر برنامج "مع سماحة المفتي" على قناة "المجد" الفضائية، الجمعة؛ أكد من خلاله الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية، أن "تركيا بلد إسلامي كبير، وضياعه خسارة للمسلمين"، مضيفاً أنه "لا بد من بقاء هذا الثغر العظيم، ولا بد من تثبيته ومساعدته". وأعرب عن خشيته من حصول أي مكروه (في إشارة ضمنية إلى التهديدات الروسية) لتركيا معتبراً أن ذلك "سيؤثر على حياة الناس" وعلى المسلمين عامة. مجالات تعاون مفتوحة وبدا التعاون جلياً أكثر في الآونة الأخيرة بين السعودية وتركيا بشأن الكثير من الملفات الإقليمية والدولية، لا سيما محاربة الإرهاب، ومستقبل بشار الأسد والأزمة السورية، في حين يرى مراقبون أن هذا الانفتاح يعزز التعاون أكثر بين البلدين اللذين أصبحا لاعبين أساسيين في معظم ملفات المنطقة. ويبدو أن التقارب بين الرياضوأنقرة بدأ يترجم على أرض الواقع ليكون تحالفاً واسعاً يعنى بملفات المنطقة، إذ أعلن رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن تركيا ستبدأ عملية جديدة مع السعودية ودول أخرى لمكافحة الإرهاب في سوريا وبدعم إقليمي، مؤكداً أن حدود تركيا مع سوريا هي حدود حلف شمال الأطلسي (الناتو). وعن تنامي العلاقات الخليجية في الفترة الأخيرة مع أنقرة، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات القطرية، الدكتور محمد المسفر، في حديثه ل"الخليج أونلاين": إنه "يجب أن تكون العلاقات الخليجية التركية في أعلى درجات الانسجام في هذه المرحلة؛ من أجل تشكيل قوة إقليمية كبرى تقابل قوة إيران، التي أصبحت تهيمن على عدد من العواصم العربية". وأكد أن "التحديات الكبيرة التي تمر بها المنطقة تستوجب تحالفاً بين السعودية وتركياوقطر؛ لعدم وجود قوة عسكرية خارجية لدول المجلس، وهناك تهديدات على حدود الخليج مع العراق من جهة الكويت، بالإضافة إلى التهديدات على الحدود اليمنية السعودية". وفي هذا الصدد، قال مسؤول تركي رفيع المستوى ل"الخليج أونلاين"، إن تركيا تسعى لتوقيع عدد من الاتفاقيات مع السعودية، مشيراً إلى أن التعاون العسكري بين البلدين سيكون على سلم الأولويات، وأن الاتفاقيات العسكرية ستكون دفاعية، بهدف تحسين مستوى التصنيع العسكري الدفاعي في الدول الخليجية، إضافة إلى المجالات السياسية والثقافية والتعليمية والتجارية والاقتصادية والاجتماعية. كما أكد المسؤول التركي أن العلاقات التركية الكويتية سائرة في الطريق الصحيح، بالإضافة إلى أن مملكة البحرين ليست بعيدة عن هذا التوجه. وبحسب صحيفة الواشنطن بوست، فقد بدا واضحاً تأثير سياسة قطر الخارجية في مساعيها الحثيثة لتقريب وجهات النظر بين تركيا والسعودية في الفترة الأخيرة، مستغلة بذلك مرونة حليفها التركي، خصوصاً بعد تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة، الذي عمد إلى تعزيز تعاون الرياض بشكل أكبر مع كل من الدوحةوأنقرة. ووفقاً لمحللين خليجيين، من المتوقع أن تشهد العاصمة السعودية الرياض عقد القمة السنوية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في التاسع من الشهر الجاري، حيث ستناقش القمة عدداً من الملفات الإقليمية والمحلية الساخنة تتصدرها ملفات اليمنوسورياوالعراق، إضافة إلى ملف التحالفات العسكرية الجديدة مع تركيا.