تصدَّر خطاب رئيس المؤتمر الشعبي، أمام حشد مليوني شهده ميدان السبعين في الذكرى السنوية الأولى لنقله السلطة سلمياً إلى نائبه هادي، اهتمامات وسائل الإعلام المحلية والعربية الدولية. وسائل الإعلام الخارجية بدأت تناول أخبار خطاب الرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ الانتهاء منه، ليحدث ردة فعل كبيرة على مستوى الشارع اليمني، عكست مدى حجم وقوة أنصار حزبه، رغم تسليمه السلطة عبر التسوية السياسية التي تقدَّمت بها دول الخليج وبرعاية دولية، مشيدة بدور رئيس المؤتمر في إنجاح التسوية السياسية والعمل على المضي قُدماً في إخراج اليمن من دوامة حرب أهلية كانت وشيكة. وركَّزت وسائل الإعلام الخارجية على خطاب صالح، خصوصاً ما يتعلق بتجديد دعمه للرئيس الانتقالي ومهاجمته لأطراف سفكت دماء اليمنيين وتسعى لإحداث الفوضى في البلد، وأخرى تحاول إفشال مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده في ال18 من مارس الجاري. ويلعب رئيس المؤتمر دوراً محورياً في إخراج البلاد من الأزمة السياسية التي تفاقمها أخطاء وتصرُّفات "الإصلاح"؛ نتيجة اختلال أدائه والتصرُّف بوصفه الوحيد المنفرد بصنع القرارات. وفيما وصفت قناة "العربية" على موقعها الالكتروني ظهور الرئيس صالح أمام قواعد وأعضاء حزبه ب"الظهور النادر" منذ تسليمه السلطة، فقد أوردت قناة "الجزيرة" القطرية نقلاً عن محللين سياسيين أن ظهور رئيس المؤتمر الشعبي العام علي عبدالله صالح في الخطاب المقتضب حمل رسائل موجَّهة للداخل والخارج، ومؤشر على أنه لايزال حاضراً بقوة و يحظى بشعبية كبيرة في الداخل رغم تسليمه السلطة. وفي السياق ذاته قالت قناة ال"سي إن إن" الأمريكية في خبرها عن خطاب الرئيس صالح أمام قواعد حزبه بميدان السبعين، إن فيه هجوماً قوياً لقوى الانفصال التي تتلقى دعماَ خارجياً لزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن. وأشارت القناة إلى أن الرئيس صالح أكد، وبجدية مطلقة، الوقوف الكامل إلى جانب الرئيس هادي، وهو ما فاجأ الجميع من خلال خطابه الذي وُصف بالقوي والمقتضب الذي حمل رسائل عدة لكل الأطراف المحلية والخارجية. ومثل الحشد المليوني المهيب لقواعد وأنصار حزب المؤتمر في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء للاحتفال بالذكرى الأولى للتداول السلمي للسلطة، رداً مناسباً على تقولات وتصريحات بعض قيادة أحزاب المشترك خصوصاً قيادة تجمع الإصلاح التي تتعمد الإساءة إلى الحزب عبر أحاديث متشنِّجة ومنفعلة وتصرُّفات انتقامية وتسعى جاهدة إلى إقصائه عن الساحة السياسية قبيل الانتخابات القادمة. وفي هذا السياق أكد قيادي بارز في اللقاء المشترك، أن حشود السبعين رسالة قوية وواضحة لأحزاب المشترك.. وتساءل حسن زيد، أمين عام حزب الحق، عمّا إن كان المشترك سيجيد قراءتها. ومثلما كانت مليونية المؤتمر صفعة في وجه حزب الإصلاح لم يفق منها حتى اللحظة، خصوصاً وأنه كان المعني الأول برسائل الحشد؛ كونه الأكثر استهلاكاً للمصطلحات الثورية الزائفة، ومن يرفع شعارات الإلغاء والاجتثاث في وجه الآخر المختلف بطريقة استئصالية تنم عن نازية عِرقيَّة وتمثل أبرز تجليات الفاشية الإسلامية.. فقد حمل الحشد رسائل لقوى أخرى تعتقد، مخطئة، أن بمقدورها التكويش على الحزب وإزاحة الرئيس السابق عن المشهد من خلال تكريس إمكانات الدولة لاستمالة بعض الولاءات وشراء الذمم، وعبر إغراق الهيئات الأممية برسائل وتقارير مخادعة ومضللة تسوق الاتهامات جزافاً إلى الرئيس اليمني السابق رئيس المؤتمر الشعبي. وتجلَّى حجم الصدمة التي أصابت تجمع الإصلاح من ظهور الرئيس صالح بتلك القوة والثقة أمام أعضاء وقواعد حزبه وبكل تلك القاعدة الجماهيرية والشعبية، في تصريحات سامجة وفضَّة ومرتبكة، ساقها عناصره عبر وسائل إعلام محلية وخارجية، وهروب قناة "الجزيرة مباشر" القطرية من طوفان صالح في السبعين، إلى مدينة إب لتنقل على الهواء نواح العشرات تجمَّعوا في فعالية لحزب الإصلاح بدت كما لو أنها مأتم عزاء. وواجه المؤتمر تحديات داخلية وخارجية كبيرة.. لكنه بحسب مراقبين استطاع أن يتجاوز تلك التحديات بفضل تماسك بُنيته التنظيمية ومن خلال العمل على تنقية ذوات المنتمين إليه من جواذب الإغراءات المختلفة، بالإضافة إلى سياسة النفس الطويل في العمل والبناء التنظيمي التي يتحلى بها والتي عملت بدورها على إكساب أعضائه الصبر وعدم الاستجابة الآنية لشتى الاستفزازات التي تسعى إلى استدراجه إلى فخ المواجهة والصدام. ومنذ نشوئه مطلع عقد الثمانينات جسَّد حزب المؤتمر نهج الوسطية والاعتدال، وسجَّل حضوراً قوياً على الساحة الوطنية وصنع التحولات المهمّة في الحياة السياسية اليمنية.. واستطاع أن يبني وجوده القوي من خلال الحركة المتجدِّدة التي اتسم بها وأكسبته مقدرة التعاطي المرن مع كافة المستجدات وعمقاً في الوعي والممارسة. ورغم شعارات الاجتثاث والاستئصال التي رفعها طرف يحاول التوفيق التعسفي بين القبول مكرهاً بالتعددية السياسية تماشياً مع المرحلة وإلغاء الآخر المختلف بمنطق فاشي بحت.. ضد حزب المؤتمر.. ورغم أنه ظل على مدى عامين هدفاً لسهام قوى لا ترى إلاّ نفسها.. فقد خرج المؤتمر بحشد مهول يعلن انحيازه للتسامح ويدعو لطي صفحة الماضي، وفتح أخرى أكثر إشراقاً ويطرح الحوار كحل أمثل لمشكلات البلد. * صحيفة المنتصف