"المنتصف"/ عصام الذيفاني:- تفضي أية انتفاضة أو ثورة شعبية ناجحة بالمجتمع إلى تغيير جذري أو جزئي في حال تعرضت لانقلاب يجهضها من داخلها، غير أن الأحداث المشابهة لتلك الحالات في اليمن دفعتها إلى تسوية سياسية استأثر بها الرئيس الثوري المنتخب لإعادة إنتاج ذات النظام السابق بأدوات ثورية وتأييد مطلق من حماة الثورة وعصبها الثوري، بعد أن قبضوا الثمن. تشير الأحداث الأخيرة أنه لم يعد هناك من يؤمن بالتغيير فعلاً غير بسطاء هذا الشعب المكافح، فالرئيس عبدربه الذي أؤتمن من الداخل والخارج على قيادات الفترة الانتقالية قد منح فريقه كل مفاصل الدولة، تلك التي ثأر من أجلها شعب وسالت لتحريرها من قبضة العصبة السابقة دماء المئات من الشباب كما يدعي رواد ما يسمى بالثورة الشبابية. كانت القوى المعارضة للرئيس السابق تعد السيطرة على تلك المناصب عملية في غاية الحساسية في ظل مجتمع يعاني من تركيبة اجتماعية معقدة وشبكة مصالح سياسية متشابكة، وتصفها بالقرصنة الممنهجة لاحتكار الثروة والسلطة وكل أدوات التغيير، بينما الوضع مع هادي تغير تماماً وباتت تسميها عملية ثورية بامتياز. تؤكد ما يسمى بالمسيرات الثورية الأخيرة مؤخراً أنه لم يعد هناك فعل ثوري ، وأن الأمر كله لا يعدو كونه اضفاء الشرعية الثورية على المقايضات والصفقات السياسية التي تبرم بين أطراف ما يسمى الثورة الشبابية والقوى القابعة في سدة الحكم الآن، فيا ترى ما هو الثمن الذي قبضه حزب الإصلاح العمود الفقري لتلك الأحداث وحليفه "ديدبان الثورة" اللواء العجوز علي محسن مقابل الإطاحة بأهداف الثورة؟ كيف سيطر هادي على مفاصل الدولة؟! تفصح القرارات الجمهورية التي اتخذها الرئيس الانتقالي "هادي" الفترة الماضية أن المناصب والمواقع المهمة في المؤسسات السيادية والإيرادية، أكانت في الجهاز العسكري أم المدني، قد ذهبت بمعظم مفاصل الدولة إلى زمرة دثينة العولقية، فيما توزعت المواقع الثانوية والمحدودة التي حظي الإصلاح وحلفاؤه بنصيب الأسد منها على بقية عموم الشعب. وتكشف القائمة التي أعدتها صحيفة "المنتصف" أن أهم المناصب في المؤسسة العسكرية "الجيش" ذهبت لصالح فريق هادي، الذي ينتظم في إطار العصبة القبلية "العوالق" أكانوا في ابين أو في شبوه، وتوزعت تلك المناصب ما بين نائب رئيس هيئة أركان وقائد منطقة ولا تقل عن منصب قائد لواء. كان نصيب ذلك الفريق قيادة منطقتين عسكريتين من خمس مناطق عسكرية أخرى، فالمنطقة الجنوبية ذهبت للواء الركن الدكتور ناصر عبد ربه الطاهري الى جانب منصب قيادة اللواء 31 مدرع، بينما صارت المنطقة الوسطي وقائد اللواء 12مشاة تحت نفوذ العميد الركن أحمد سيف محسن فضل اليافعي المقرب من الرئيس هادي نفسه، وعلاوة على ذلك أضافت القرارات الأخيرة الى قوام تلك المناطق مايقارب 8 ألوية عسكرية كانت تابعة لقوات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع. وهيمن الفريق على دائرة الاستخبارات العسكرية بتعيين اللواء الآخر أحمد محسن اليافعي بدلاً عن العميد مجاهد الغشم، ليلحق به موقع نائب رئيس هيئة الاركان العامة لشئون القوات البحرية والدفاع الساحلي والجزر للواء الركن رويس عبدالله مجور وقائد القوات البحرية والدفاع الساحلي للعميد الركن عبد الله سالم علي عبد الله. يعد موقع قائد القوات الجوية والدفاع الجوي أهم المناصب التي نفذت من دائرة النفوذ المناطقي لفريق هادي، حيث كان من نصيب العميد طيار ركن راشد ناصر علي الجند، غير أن استمرار العميد الطيار الركن عبدالله الباشا والذي ينتمي إلى فريق ابين في منصب نائب القائد لشئون الطيران قد يعيد ذلك المنصب إلى نفس المربع. وينطبق ذلك الحال مع قيادة المنطقة الشرقية واللواء الذي أُنيط للواء الركن علي الجائفي قائد قوات العمالقة سابقاً، اذ أن إصرار القائد العام للقوات المسلحة على تعيين نواب للقائد بقرارات جمهورية خلافاً للأعراف العسكرية قد يضعه تحت السيطرة المناطقية غير المباشرة. كانت المناصب الأقل أهمية، والتي تأتي من قائد لواء ثانوي وأدنى، من نصيب ضباط وقيادات عسكرية من محافظات: صنعاء، حضرموت، تعز، الضالع، وعمران. وتمتع فريق هادي العسكري بالمواقع الأكثر أهمية وحساسية من المناصب والمواقع القيادية في السلك الأمني التي شملها التغيير بقرارات جمهورية، وأبرزها رئيس جهاز الأمن القومي للدكتور علي حسن الأحمدي محافظ شبوة سابقاً الذي تربطه مع أسرة الرئيس صلة مصاهرة بالإضافة إلى منصب نائب وزير الداخلية اللواء علي ناصر لخشع الذي كان يشغل رئيس مصلحة السجون. وتمكن إثر القرارات الجمهورية التي صدرت عقب جريمة السبعين التي راح ضحيتها أكثر من 100 جندي تابع للأمن المركزي بصنعاء من الاستحواذ على منصب وكيل جهاز الأمن القومي لقطاع الشئون الخارجية لمحمد جميح الخضر بدلاً عن عمار صالح ابن شقيق الرئيس السابق، بالاضافة الى موقع قائد قوات النجدة ممثلاً ب العميد حسين محمد الرضي. تجدر الاشارة الى أن التغييرات في الجهاز الأمني قد طالت المسئول الأول عن الأمن في 12 محافظة بالاضافة الى جميع قطاعات الوزارة واذرعتها الأمنية مثل الأمن المركزي وقوات النجدة والمنشآت، وحظي ذلك الفريق بمنصبي مدير أمن أمانة العاصمة وعدن. ويعد اللواء عبد الرحمن حنش والدكتور حسن الشرفي من أبرز القيادات الموالية لمحسن التي انضمت لما يسمى بالثورة الشبابية. وتمثل مناصب قائد الأمن المركزي الذي منح للواء فضل القوسي عضو لجنة الشئون العسكرية للأمن والاستقرار، ومديرا أمن لمحافظة عمران ورئيس مصلحة السجون ووكيل مصلحة الاحوال الشخصية، أبرز ما خرج من دائرة نفوذ هادي ومحسن داخل الجهاز الأمني التابع لوزارة الداخلية ومرافقها. وفي إطار الجهاز المدني والخدمي فقد استأثر فريق هادي بأهم المناصب القيادية في الجهات الإيرادية والمؤسسات السيادية في بضعة أشهر والتي كانت في أيدي المقربين من الرئيس السابق الذي امتد حكمه 33 عاماً. واعتبرت بعض القوى السياسية ذلك مبرراً كافياً للقيام بالثورة على النظام السابق ، إلا أنها قابلت استئثار هادي بتلك المناصب بالتأييد والتشجيع. ويأتي في مقدمة تلك المناصب التي أصبحت في قبضة الرئيس الجديد الآتي: - تعيين صهر هادي الكابتن أحمد مسعود العلواني رئيسا لمجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية بدلاً عن صهر صالح عبد الخالق القاضي. - تعيين الدكتور منصور البطاني رئيساً لمجلس إدارة شركة النفط اليمنية من محافظة ابين بدلاً عن صهر صالح خالد الارحبي. - تعيين منصر صالح القعيطي رئيساً لمجلس إدارة بنك التسليف التعاوني الزراعي بدلاً عن الحضرمي المقرب من القيادي في المؤتمر حافظ معياد. - تعيين المهندس/ محمد كليب مديراً تنفيذياً لشركة صافر. - تعيين الدكتور منصور بن سفاع أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية بدلاً عن عبد الهادي الهمداني. كانت شركة التبغ والكبريت الوطنية التي عُين على رأسها وزير السياحة السابق نبيل الفقية من أهم المؤسسات الإنتاجية والايرادية المحسوبة على أقارب صالح غير أنها أفلتت هذه المرة من قبضة الرئيس، في حين تمكن وزير الدفاع (عديل) الرئيس هادي من الالتفاف على تعيين ياسر الحرازي مديراً عاماً للمؤسسة الاقتصادية من خلال لجمه بقرار اتخذه مجلس إدارة المؤسسة بضرورة تفعيل رئيسه والذي هو نفسه وزير الدفاع. نصيب الإصلاح وعلي محسن من الصفقة حظي الإصلاح وعلي محسن، وأحزاب اليسار، من تصف نفسها بالليبرالية، والقوى المحسوبة على الهاشميين، بعدد قليل من المناصب المهمة الى جانب مواقع قيادية في المحافظات و أقل أهمية في الوزارات والمؤسسات السيادية، لكنها لا تنمتع بمستوى يجعلها تلتزم الصمت إزاء تصرفات هادي ومازالت جراح ما يسمونها بالثورة غائرة. يمثل ذهاب منصب مدير عام مكتب الرئاسة للموجه الإعلامي للانتفاضة نصر طه مصطفى ضد الرئيس السابق صالح، أعلى مرتبة، على الرغم من أن فعاليته تظل مرهونة بمزاج الرئيس الانتقالي، فقد حاصره هادي بالمقربين منه من بين يديه ومن خلفه. بالإضافة إلى تمكن الإصلاح من القبض على زمام الأمور في سبع محافظات مؤخراً إلى جانب ثلاث وزارات مهمة يسيطر عليها مباشرة وست أخرى بطريقة غير مباشرة وبعض المناصب الثانوية، بينما حظي الاشتراكي والناصري بمواقع لا يتعدى عددها أصابع اليد على غرار الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار ورئيس مجلس إدارة البنك الأهلي اليمني. مخاطرها على المستقبل وبالنظر إلى ما تمثله تلك القرارات من أهمية في تحديد معالم الدولة الجديدة واتجاهاتها مسبقاً والتحكم في صياغة النخبة الحاكمة مستقبلاً قبل أن تبدأ جلسات الحوار الذي يعول عليه إرساء تلك القواعد، فإن الدولة القادمة لن تخرج من رحم الثورة كما كانت تبشر بها قوى المشترك، وأنها ستكون جنيناً مختلطاً شارك في زراعته داخل رحم الوطن الخارج قبل الداخل تحت إدارة دفة هادي وفريقه المتعطش للسلطة. وقد يشير ضعف موقف قوى المشترك إزاء سياسات هادي إلى شعورها بأن الظفر بثماني محافظات ملتهبة ليس لها ثقل انتخابي باستثناء عدن، أو ما جنت من مكاسب سلطوية غير ذات أهمية نظراً لما يتمتع به خصمها الجديد على السلطة، قد يعد كافياً، خاصة وأنها باتت تعاني من حصار سياسي وشعبي متناقض فرضته عليها التسوية وأدوات الفعل السياسي التقليدي وغيرها في هذا البلد. ويبقى بيد هادي الورقة الأخيرة فقط لإجبار كل القوى السياسية في الداخل والخارج للقبول به حاكماً وحيداً لليمن في المستقبل، تبدأ بالموافقة على الذهاب إلى التمديد وليس الحوار والخروج من عنق الزجاجة بحلول 2014م، ستتيح له متسعاً من الوقت لالتهام ما تبقى من أدوات القوة والسلطة داخل إطار الدولة أو في البنية التنظيمية للمؤتمر الشعبي العام. فالرئيس العائد من جولة خارجية للتو بدأ يضع أوراقا جديدة امام اللاعبين على طاولة القمار، ليست في إطار الترتيب للحوار الوطني المزعوم، إنما تعد تجاوزاً لمفهومه، فقد ربط في حديثه أمام سفراء الدول العشر مؤخراً في صنعاء عن هيكلة الجيش بحسم الخلاف على قانون الانتخابات، وليس ربطهما معاً بمخرجات الحوار. هيكلة الجيش همُ يشتغل عليه الإصلاح وحلفاؤه العسكريون والقبليون والسياسيون في المشترك بهدف إقصاء من تبقى غير موالٍ لهم في الجيش والأمن، على أن الخلاف الانتخابي هدف يسعى المؤتمر لتجاوزه ويعد أهم الأسباب التي دفعت بالبلاد إلى هذا الوضع. ردود أفعال الأطراف السياسية إزاء ما طرحه هادي مؤخراً هي من ستحدد الى أين ستسير البلد، فإبقاؤه على ملف الانقسام الحاصل في الجيش مفتوحاً يعد بمثابة ورقة فاعلة ومستمرة تمكنه من موازاة اتجاهات الأحزاب حول ملفي الانتخابات وهيكلة الجيش. وهو ما يفرض على اللواء محسن الذي كان يتفاخر بحماية مقدمة الثورة الشبابية في يوما ما، التوقف عن الاستمرار في إعطاء المشروعية للرئيس الجديد المتعطش أكثر للإستئثار بكل مفاصل الحكم والذي يعتبر عبثاً بالثورة وأهدافها من الخلف. وحينها سيشعر أن تعيين من يحسب أنهم موالون له في مناصب رفيعة بوزارة الداخلية ومتدنيه في بعض الوزارات ليس إلا مقدمة لإقالته حتى وإن أستمر في تبنيه الخطاب الثوري فالأطراف الخارجية الراعية للمبادرة باتت مقتنعة بضرورة إخراجه من المشهد السياسي والعسكري. قريباً سيدرك علي محسن أن ما تبديه بعض القوى السياسية والاجتماعية من تعاطف معه ليس إلا بهدف جني المزيد من المكاسب السياسية والمالية والمناورة لابتزاز الآخر لبرهة من الوقت، إذ لم تكن ملابسات الاعتداء الذي قيل أنه تعرض له الأمين العام للحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان إلا مفتتحاً لضغوطات سياسية تجبره على المغادرة في أقرب وقت.