تناول الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي ديفيد إغناشيوس، في مقال له نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، كتاباً بعنوان "إدارة التوحش" يفترض أنه نُشر عام 2004 من تأليف مجاهد أطلق على نفسه اسم "أبو بكر ناجي" رسم من خلاله المؤلف صورة لعالم تلاشت فيه هالة القوة العظمى التي تحيط بالولاياتالمتحدة وانزلق فيه العالم الإسلامي القائم ضمن الحدود الاستعمارية التي رسمتها المعاهدة المبرمة سنة 1916، والمعروفة باسم اتفاقية سايكس بيكو، في الفوضى أو بالأحرى "التوحش"، كما يقول الكتاب بصراحة ودون مداراة. ويقول إجناشيوس: "ربما لا يكون الكتاب المقصود كاشفاً بالقدر الذي يضاهي (كفاحي) أو (بيان الحزب الشيوعي)، لكن لا بأس أن يبدأ الباحثون عن نظرة ثاقبة على الاستراتيجية المتطرفة التي تلهب مقاتلي الدولة اللا إسلامية بكتاب يحمل عنواناً مخيفاً هو (إدارة التوحش)". واعتبر إجناشيوس الكتاب الذي ترجمه في العام 2006 من العربية وِلْيَم ماكانتس دليلاً مخيفاً على التكتيكات مفرطة الشديدة التي تعتنقها في يومنا هذا "الدولة اللا إسلامية" وزعيمها الذي يطلق على نفسه اسم أبو بكر البغدادي. وقال إجناشيوس "تبعث قراءة الكتاب الرعب في النفس، لكن ما وجدته إيجابياً فيه هو أن هذه الخطة الحربية الجهادية - من واقع ممارستها البشعة - تستعر بشدة وتتمخض عن قدر كبير من الوحشية وسفك الدماء إلى الدرجة التي يبدو أنها تثير نفور المسلمين، ومن أمارات هذا النفور ذلك الائتلاف الواسع من البلدان الإسلامية التي انضمت إلى الحرب ضد الدولة اللا إسلامية". ورأى الكاتب أنه من حسن الحظ أن دليل "التوحش" ليس من الكتب الأكثر مبيعاً بين المسلمين، حيث يقول أحد خبراء مكافحة الإرهاب الأمريكيين أن الكتاب فيما يبدو "موجه إلى الخاصة" على نحو يتعذر معه أن يكسب قاعدة عريضة من الأتباع بين عامة الجماهير. يقترح هذا "البيان" أن يجر المجاهدون أمريكا المرهَقة إلى حرب تؤدي إلى "إنهاكها" في نهاية المطاف وتدفعها إلى الاستسلام، وهي الاستراتيجية التي تتطلب استقطاب العالم الإسلامي وإقناع المعتدلين، الذين كانوا يرجون الحماية الأمريكية، أن هذه الحماية لا طائل من ورائها. توسع يجادل ناجي في الكتاب بقوله إن الولاياتالمتحدة إذا توسعت أكثر مما ينبغي في نشاطها العسكري، فسوف يؤدي هذا إلى نهايتها؛ "فلا قيمة للقوة العسكرية الجبارة (الأسلحة والتقنية والمقاتلين) بدون تماسك المجتمع وتماسك مؤسساته وشرئحه". وسوف يؤدي فقدان أمريكا هالتها الإعلامية التي تصورها قوة عظمى محيطة إلى "نزع المهابة التي تصور هذه القوة أن لا شيء يقف أمامها البتة". وُضعت خطة ناجي الحربية في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001 والعراق سنة 2003. والفكرة التي يدور حولها الكتاب هي الحاجة إلى جرّ الولاياتالمتحدة بدرجة أعمق إلى الصراع عبر الأراضي الإسلامية. وأوضح إجناشيوس أن الفرضية التي انطلق منها المؤلف هي أن الولاياتالمتحدة نمر من ورق ستنهكه أي حرب طويلة في البلدان الإسلامية بفعل المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها أمريكا، مؤكداً "العمل على إظهار ضعف القوة المركزية لأمريكا بدفعها إلى استبدال الحرب الإعلامية النفسية والحرب بالوكالة إلى أن تحارب بنفسها". ويقول المؤلف إن السبيل إلى تقويض القوة الأمريكية هو الشدة المغلظة. هذه الشدة المغلظة لن تكشف ضعف الغرب فحسب بل سوف تجبر أيضاً المسلمين على الاختيار. وفي خضم الفوضى التي تشهدها الأراضي العربية التي كانت من قبل مستقرة، سوف يصنع المجاهدون أسماءهم من خلال "إدارة التوحش". بل وقد حث ناجي أيضا قُراءه على الرجوع إلى كتب في مجال إدارة الأعمال. مبررات أظهر ناجي ازدراء بخاصة تجاه رخاوة المسلمين؛ "حيث إن عنصر الرخاوة أحد عناصر الفشل لأي عمل جهادي، وأن من عندهم نية البدء في عمل جهادي وكانت عندهم تلك الرخاوة فليجلسوا في بيوتهم أفضل وإلا فالفشل سيكون مصيرهم وسيلاقون من بعده الأهوال ... إننا إن لم نكن أشداء في جهادنا وتملكتنا الرخاوة كان ذلك عاملاً رئيسياً في فقدان عنصر البأس الذي هو من أعمدة أمة الرسالة". وتأييداً للمبررات التي ساقها في صالح استخدام التكتيكات الوحشية، ينوه ناجي إلى أن خليفتين من خلفاء الرسول محمد "مارسا التحريق بالنار [للبشر] على الرغم مما فيه من كراهة لمعرفتهما بأثر الشدة المغلظة في بعض الأوقات عند الحاجة". وفي فقرة أخرى ينوه المؤلف إلى أننا في أوضاع شبيهة بالأوضاع بعد وفاة محمد "ونحتاج لأعمال مثل ما تم القيام بها تجاه بني قريظة وغيرهم". ويرى ناجي أن في الشدة منفعة، ويقول إن "جر الشعوب إلى المعركة يتطلب مزيداً من الأعمال التي تشعل المواجهة والتي تجعل الناس تدخل المعركة شاءت أم أبت ... وعلينا أن نجعل هذه المعركة شديدة بحيث يكون الموت أقرب شيء إلى النفوس". ولفت إجناشيوس إلى أننا نشاهد بأعيننا الآن سيناريو اختبارياً لحجة ناجي المؤيدة لإدارة التوحش باعتباره السبيل إلى إقامة خلافة جهادية ناجحة. فكيف تسير الأمور بعد انقضاء بضعة أسابيع على هذا الصراع الجديد الوحشي؟ يتساءل الكاتب. وأجاب إجناشيوس بقوله: "هناك عاملان ينبغي أن يكونا مشجعيْن، أولهما أن الغرب ليس منهكاً بشدة إلى الدرجة التي أذهبت هالة قوته بالكلية، وثانيهما أن معظم الدول الإسلامية (في وجود قليل من المعارضة الشعبية الظاهرة) تبدو - مثلها مثل الغرب - مشمئزة من الشدة المغلظة التي مارستها الدولة اللا إسلامية، كما أنها جاهزة للانضمام إلى ائتلاف لمحاربة هذا التنظيم".