لم تعد غارات التحالف السعودي على اليمن مجرد عدوان خارجي. العدوان، غالباً ما يكون لأغراض محدودة (لأنه في الأصل مجرد عدوان). إنه ضربات (تأديبيّة) أو (ثأرية) تهدف إلى إرغام الطرف الآخر على تفهمّ الرسالة المرسلة. كنْ لطيفاً، وتوقف عن اللعب معنا؟ لقد تخطّت الحرب التي تقودها السعودية هذا المفهوم، أي مفهوم وحدود الحرب العدوانية وتحولت لحرب خارجية. لقد انتقلت من (العدوان) إلى (الحرب). السعودية وتحالفها تخوض حرباً ضد اليمن ولا تقوم بمجرد عدوان. يجب أن يكون هذا مفهوماً.. وفي الحروب الخارجية لا ينبغي، أبداً، توقع أو تخيّل، أن هناك إمكانية لوقف الحرب. إنها حرب ذات أهداف استراتيجية كبرى، ولذا سوف تستمر. ما يجري في اليمن لا يجري بالصورة ذاتها في سائر بلدان المنطقة. في العراق وسورية مثلاً، يواجه العراقيون والسوريون نوعين من المخاطر: خطر (داعش والقاعدة والجماعات التكفيريّة الأخرى) وخطر محاولات التقسيم أو الفيدرالية بقوة الأمر الواقع. وفي مصر، هناك خطر شبه وحيد: الجماعات الإرهابية في سيناء. أما في ليبيا، فهناك خطر وحيد، أيضاً، تقوده جماعات تكفيريّة، تعمل على تحويلها لإمارات إسلامية متناحرة.
وحده اليمن يواجه بسبب هذه الحرب وأهدافها (الاستراتيجية) ثلاثة مخاطر مترابطة ترابطاً وثيقاً:
1: الحرب الفاشية التي يشنها التحالف السعودي. إنها حرب فاشية من نوع جديد وغير مألوف. لم يسمع العالم حتى اليوم بياناً مثل بيان الناطق العسكري باسمها وهو يدعو سكان محافظة صعدة لإخلاء المحافظة. هذه محافظة مؤلفة من مديريات، والمديريات مؤلفة من عزلات، والعزلات مؤلفة من قرى. هذا يعني أن قادة الحرب الفاشية يطلبون من عشرات الآلاف من البشر أن يتركوا محافظتهم. مثل هذا الحدث لم يقع في أيّ حرب عرفها التاريخ المعاصر؟
وفي بيان آخر - عندما تغيّر اسم الحملة العسكرية - قال الناطق العسكري نفسه باسم (عاصفة عودة الأمل) إن كل المنازل في صعدة أصبحت هدفاً مشروعاً للقصف الوحشي؟
كل هذا تمّ تنفيذه، وجرى قصف المنازل والجامعات والمستشفيات وتدميرها فعلياً. هذا يعني أنها حرب فاشية. لا وصف آخر لها أبداً.
هذا الخطر الخارجي أصبح خطراً حقيقياً، وتخطى حتى أهدافه المعلنة (ما يدعى زوراً إعادة الأمل). وفي حرب خارجية وحشية من هذا النوع، يلعب فيها الخارج دوراً مركزياً لتقطيع أوصال اليمن وتدميره وتحطيمه كدولة وكمجتمع، تصبح الحرب لا مجرد عدوان خارجي؛ بل حرباً فاشية. ما يواجه اليمن هو حرب خارجية فاشية. إن تغيّر طابع الصراع مع الخارج، وتحوّل العدوان إلى حرب كبرى ومتواصلة، يفرض على اليمنيين الاستعداد لحرب طويلة. إنها أمّ المعارك في المنطقة.
2: لقد أيقظ هذا العدوان المتحوّل إلى حرب كبرى، كل نزعات الانفصال القديمة في عدنوحضرموت بشكل خاص. لقد أصبح الجنوب جنوبين. جنوباً يضمّ الضالع والبيضاء وشبوة ولحج وأبين وعدن، وجنوباً آخر يخص حضرموت وحدها.
وبهذا المعنى، أصبح الاشتراكيون والناصريون - من دعاة الانفصال- حلفاء للرجعيين من جماعة الإصلاح (الاخوان المسلمين) أو بقايا رابطة تحرير الجنوب اليمني. ومع هؤلاء سوف تتوزع ولاءات القبائل. كل قبيلة تميل حيث هواها. هؤلاء لا يجمعهم جامع، وهم سيجدون أنفسهم وقد اضطرّوا عاجلاً أم آجلاً إلى خوص حروب صغيرة (محلية) في كل محافظة، ضد الحوثيين والجيش والقبائل المتحالفة معهم، وفي الآن ذاته ضد بعضهم البعض. إنهم انفصاليون. هذا صحيح، ولكنهم من ولاءات مختلفة وعقائد متناقضة. 3: لكن أخطر ما يواجه الجميع، تنامي نفوذ داعش والقاعدة في حضرموت وسقطرى وعدن والضالع ومأرب ولحج والبيضاء. وفي مواجهة هؤلاء سوف يجد الاخوان المسلمون (حزب الإصلاح) أنفسهم أمام خيارين: إما إعلان الولاء لخليفة داعش، أو الانخراط في صراع دموي ضده. هذا يعني أن الحرب الخارجية سوف تصبح حرباً داخلية في كل محافظة بين جماعات لديها برامج وسياسات متناقضة.
عودة الشرعية سوف تصبح - في ظل الحرب- مجرد حكاية خرافية عن رئيس هارب يريد العودة لممارسة مهامه كرئيس، ولكن دون أن يسأل نفسه: في أي مكان من اليمن، يمكنه بالضبط أن يمارس صلاحياته كرئيس؟ في حضرموت الداعشية، أم في الضالع القاعدية، أم في عدن التي تتوزع فيها السلطة بين الحوثيين والجيش الوطني وأنصار علي سالم البيض؟ أم تراه يفكر في صنعاء حيث الرئيس السابق؟ صحيح أن علي عبد الله صالح رئيس سابق، لكنه برهن للعالم كله، أنه رئيس حالي، تماماً كما برهن عبد ربه أنه رئيس هارب؟
وكما ولدّت الحرب الفاشية الأمريكية في العراق حروباً داخلية طويلة، يبدو اليمن اليوم أكثر شبهاً بامرأة حامل يتوقع لها الأطباء أن تضع 3 مسوخ دفعة: داعش، وأنصار الانفصال، ومسلحي الاخوان المسلمين.
في الأساطير اليمينة والعربية القديمة ثمة لوياثان شبيه بلوثيان التوراة. إنه مخلوق مسخ بأطراف متعددّة.
الحل الوحيد أمام اليمنيين هو مواجهة الحرب الفاشية. لا تلتفتوا أبداً لذيول الأفعى، عليكم برأسها.
** انتهت مصاعب الجبال ، لكن ابتدأت مصاعب السهول يقول المسرحي الألماني الشيوعي الشهير برترولد بريشت في مسرحيته (أوبرا القروش الثلاثة): يا إلهي، لقد انتهت مصاعب الجبال، لكن تبقى أمامنا مصاعب السهول؟ في اليمن انتهت مصاعب الجبال بعد أكثر من 60 يوماً من القصف الفاشي لكل شيء حيّ. ولم يتبق - فعلياً- سوى مصاعب السهول. لقد أفلس العدّو وبات في حيرة من أمره: ما الذي يتوجب فعله لإرغام الجنيّ اليمني على الخضوع؟ اليمنيّ- بالنسبة لبدو الصحراء العربية كما تقول الأساطير والمرّويات- هو جنيّ. إنه من نسل سليمان ملك اليمن (ملك الإنس والجن). لكن الملك سلمان السعودي ليس سليمان الملك - النبيّ اليمنيّ؟ ولذا يستحيل توقع خضوع اليمنييّن له.
ليس بوسع سلمان أن يصبح سليمان. وإسقاط الياء لن يمكّنه من حكم جنّ اليمن. اليمنيون، كما تقول الأساطير اليمنية هم بشر من نوع فريد. إنهم من نسل الجنّ والملائكة (بعض أساطير جُرهُمْ تقول إن جُرهُمْ من نتاج زواج الملائكة مع نساء الأرض). لا يمكن لملك صحراوي يدعى سلمان أن يقدّم نفسه لليمنييّن المتّمدنين وأصحاب الحضارة الأرقى على أنه سليمان؟ إنهم يعرفون الفرق جيداً بين الاثنين. ومقابل (عاصفة الحزم) التي تعصف باليمنييّن الفقراء، ثمة عاصفة أخرى يتعيّن توقعها. سوف يطلقها الجنّ اليمنيّ مع حلفائه في المنطقة. لا تستهينوا باليمنيّ الفقير. إنه أذكى من كل أغنياء العرب.
وكما أن لكل فعل ردّ فعل، فمن المنطقي توقع أن لكل عاصفة هناك عاصفة مضادة.
ردّ الفعل المتوقع سوف سيكون في أربعة ميادين لا في ميدان واحد. لأن المعركة أصبحت معركة واحدة من الرمادي حتى دير الزور والرقة وصولاً إلى عرسال اللبنانية حتى صعدة اليمنية.
1: في القلمون وجرود عرسال اللبنانية هناك (عاصفة حزم) كبرى ستجعل من لبنان بلداً آمناً من خطر الفايروسات المتوحشة. لقد انتهت مصاعب الجبال في القلمون، لكن ابتدأت مصاعب السهول في الجرود. وبكل يقين، هناك عاصفة (حزم) في جرود عرسال سوف تبددّ أي وجود طفيليّ للفايروسات المتوحشة. أنها عاصفة لخلق (بيئات آمنة) بديلاً من (بيئات حاضنة). 2: في الرمادي لن تتوقف الحرب ضد الإرهاب إلا بتحرير كامل المنطقة التي ترعرعت فيها فايروسات التوحش الإرهابي من الموصل وصولاً إلى تدمر السورية. 3: في إدلب وحلب والرقة سوف تهب (عاصفة حزم) أخرى لاقتلاع الشرّ الداعشيّ من جذوره. 4: في جرود صعدة الممتدة حتى خميس مشيط (وكامل منطقة عسير) ستكون هناك عاصفة لإعادة الأمل للسعوديين بالخلاص من كابوس أسرة الدم والظلام.