في عهد النظام "البائد" كان جهاز الأمن القومي يصلب على مداخل بعض المواقع الإخبارية والصحف، بتهمة الوقوف وراء انقطاع التيار الكهربائي عن إحدى حواري صنعاء لساعة زمن.قبل أن تتطور الفكرة إلى أن "صالح" يتحكم بالكهرباء من سكين وضعت في دولاب صغير أعلى المكان الذي يضع فيه رأسه نهاية كل يوم رئاسي. الآن؛ وبعد أن دخلت البلد في عهد نظام "الثورة" – وبالمناسبة ظل سميع يمسك بحقبة وزارية لسنوات خلال حكم النظام السابق - تغيب الكهرباء عن غالبية المدن اليمنية لأيام، ويعترف وزير الكهرباء صالح سميع؛ أمام عدسات المصورين وأعضاء البرلمان بصفقات فساد مهولة في الكهرباء، لكن الماكينات الإعلامية - ذاتها- تكفلت بترقيع فضائح وزير"الثورة"؛ وكرسة نفسها وعمالها للبحث عن مخارج أنيقة، وصارت تستعير من دماغ إبليس كل الحيل لتلصق التهم بمؤخرات أسماء مستعارة !! مثلا، كرست هذه الوسائل في الذهنية العامة شخصية نكرة اتفق شقاتها على تسميتها ب "كلفوت" كغريم لليمنيين يجب أن يدمغ بشقدفة جماعية مع كل انقطاع للكهرباء، مع أن كلفوت هذا مجرد اسم رومانسي ل"سميع". لا أعتقد أن مصدر مسئول بوزارة الكهرباء - يفضل في الغالب عدم ذكر اسمه- خرج يعلن تعرض خطوط نقل الطاقة لعمل تخريبي جبان نفذته عناصر خارجة عن القانون، دون أن يعقب ذلك خروج مصدر خاص يكشف بالوثائق- وهذا هو الفارق طبعا بين المصدرين- قيام سميع بتوقيع صفقات شراء طاقة من شركات خاصة بعقود وهمية ودون مناقصات رسمية.. تعج الصحف بالفضيحة وتسترسل الأقلام في الكتابة عنها. المفارقة العجيبة حد القرف أن إعلام التكهنات والشعوذة الذي كان يقول في السابق أن قطع الكهرباء بقرار سياسي، صار يستميت الآن في الدفاع عن وزير اعترف بمحض إرادته بكونه فاسد يغرق في وحل الفساد حتى أخمص أذنيه، ولا يجد هذا الإعلام أدنى حرج في تقديم الرجل بثوب من الطهر والنقاء، مع أن سميع نفسه، يرفض إن يظهر بهذه الصورة، أو في صورة مسئول نزيه يحترم نفسه! وفي النهاية يكون سميع أفضل الوزراء فسادا؛ لكنه أوفرهم حظا.. ربما! محافظ عن بعد ! أغرب تصريح يمكن أن تقرأه أو تسمعه لمسئول رفيع بدرجة محافظ؛ هو تصريح طازج لمحافظ مأرب..! تخيلوا؛ مأرب توشك أن تخرج نهائيا عن نطاق سيطرة الدولة المركزية وربما هي المحافظة الأولى التي انفلت فيها عقال العصابات المسلحة لتحول المدينة إلى ساحة للاحتراب، وقائد الشرطة العسكرية يحشد محاربي قبيلته وأصحاب الشعر المنكوش لتأديب جنود اللواء الثالث مشاه سابقا، والرجل – محافظ مأرب- يتدلى من واجهة وسيلة إعلامية يتحدث من صنعاء عن إستراتيجية تنموية طويلة الأمد، وأشياء من قبيل : مباحثات مستفيضة مع وزراء وسفراء عرب وخواجات، ونقاشات وبرامج وخطط ومفاوضات، ولم ينسى - طبعا- الإشادة بحكمة القيادة السياسية نهاية المطاف. منذ أن أدى اليمين الدستورية؛ لم يغادر صنعاء باتجاه المحافظة التي وضع على رأسها بالصدفة؛ ولو من باب التفسح، والتقاط صور تذكارية أمام "معبد الشمس"..! ورغم كل شيء خرج المحافظ الافتراضي "العرادة" يتقمص شخصية باحث مبتدئ في مركز دراسات ، فيما كان الأولى به أن يطير إلى مأرب ويعلن حالة الطوارئ في المدينة، أو على الأقل يناشد "سميع" توجيه شقاته في الجدعان بضبط النفس، أو حتى ترشيد استخدام الخبطات ضد خطوط نقل الطاقة، لتصبح واحدة في الأسبوع، إلا حين التفكير بتسوية شاملة، أو يصل سميع مرحلة الاكتفاء الذاتي! على أية حال ؛ ربما على بقية المحافظين الاستفادة من خبرة محافظ مأرب "العرادة" في الإدارة عن بعد! * صحيفة المنتصف