إنهم يقتلون ونحن بدورنا ننتظرُ الموتَ، ونتوقعه في كُلِّ شارع، في كُلِّ حي، في باقة وردٍ نعتزمُ شراءها لمَنْ نحبُ، تعبيراً منَّا على شعورنا بالامتنان له؛ لأنه لم يمُر بالقرب من موت مختبئ.. ولكنَّا، أيضاً، نعزف عن شراءِ باقة الورد خوفاً من أنْ تكونَ مُفخَّخة بالموت دون أن ندري! إنهم يقتلون.. وربما يصفِّقون.. وربما يسجدون وهم يصرخون الله أكبر، معتقدين أن الله يُبارك القتلَ ويسعد حين يستقبل في ملكوته أرواحاً فزِعة خائفة وجِلة لا تعرف تحديداً لمَ جيئ بها إلى هُنا، وربما وقفت بين يدي الله تبحث عن مُبرِّر لمجيئها المفاجئ، فيحتضنها ويُربِّت عليها لتهدأ ويخبرها أن يداً مُلوَّثة هي من أفزعتها وسرقت جسدها. هم طبعاً – القاتلون - يعتقدون أن الأرواح التي يزهقونها يرسلونها إلى جهنَّم!! لا أعرف كيف يتوقعون أن تقبل جهنمُ أروحاً انتُزعتْ بلا رحمة؟ وكيف يتخيَّلون أن الجنَّة ممكن أن تفتح بابها في وجوههم، وكيف يمكن أن تقبل على نفسها إهانة أن يعتقدوا أنهم من أهلها؟؟ إنهم يقتلون، ولأن القتل هو المرحلة الأخيرة من حقد عمدت بها قلوبهم، وبشاعة أرواحهم المُتخفّية وراء مصطلحات مَقيتة يعتقدونها تقرُّباً لإله أو لحزب أو لرغبة في خلق الرُّعب بين الأبرياء. الموتُ.. إنه الشيء الوحيد الذي يترصَّدنا في هذا البلد، كُنَّا من قبل نخرج من منازلنا ونحن نتمنى أن يحالفنا حظ ما جميل، وندعو الله أن يقابلنا بخير حلمنا به البارحة، أما اليوم نخرج من منازلنا ونحن نتمنى أن نعود ولو بخُفي حنين! المهم أن نعود لنلقي نظرة أخرى وضحكة أخرى مع من نحبهم. إنهم يقتلون اعتقاداً منهم أنهم يقتلون أشخاصاً هم لا يدركون أن الرصاصة التي يطلقونها والعبوة الناسفة التي يزرعونها تقتل وطناً بكل أحلامه البريئة والمؤجلة، بكل أوجاعه التي يعمل على شفائها. "كريم".... حارتنا تضجُّ بأصوات الألعاب النارية، وكريم ابن أخي، والذي لا يتجاوز عمره العشرة أشهر لا يتردد للحظة بالوقوف والرَّقص والتصفيق اعتقاداً منه أن كُلَّ الأصوات التي يسمعها صالحة للرقص والابتهاج، هو لا يعرف أن هذه الأصوات لا تشبه صوت أغنيته المُفضَّلة للرقص "صعبة عليا فرقتك"، هو لا يعرف، أيضاً، أن هذه الأصوات لا يشبهها إلا صوتُ الموتِ الذي صار اليمنيون يجيدونه ويتقنونه أكثر من أي ابتهاجٍ آخر...!!؟ * أسبوعية "المنتصف"