طفت آخر بوادر التشرذم داخل تنظيم القاعدة إلى السطح، في كانون الثاني/ يناير عندما أعرب مأمون حاتم، القائد في القاعدة في جزيرة العرب، فرع تنظيم القاعدة في اليمن، عبر تغريدات له على تويتر عن دعمه لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) الناشط في سوريا. وتتبنى "داعش" فكر القاعدة، إلا إن القيادة العليا للتنظيم قد تنصلت منها. وقال الباحث في شؤون القاعدة الدكتور سعيد الجمحي، رئيس مركز الجمحي للدراسات والأبحاث، "رغم أن موقف حاتم شخصي ولا يعبّر عن موقف فرع التنظيم في جزيرة العرب حيث عادة ما يتم الإعلان عن هكذا مواقف عبر القادة العسكريين مثل [قائد فرع القاعدة في جزيرة العرب ناصر] الوحيشي أو [القائد العسكري للتنظيم قاسم] الريمي، أو عبر تسجيل أو بيان في الوسائل الإعلامية المعتادة، إلا إنه قد يشجع الكثير من القيادات للإعلان بصفة شخصية عن مواقف مشابهة". ورغم أن فروع التنظيم المختلفة لم تبد للآن ميولا واضحة لدعمها أحد الطرفين في النزاع الدائر بين "داعش" وجبهة النصرة – الفرع الرسمي للقاعدة في سوريا - فقد ظهرت بعض بوادر توجه قادة محليين نحو تأييدهم طرفا دون آخر، وفقا للجمحي. وقد برزت الخلافات في نيسان/أبريل الماضي عندما أعلن زعيم فرع تنظيم القاعدة في العراق أبو بكر البغدادي، أن جبهة النصرة قد اندمجت مع فرعه في تنظيم واحد تحت قيادته على أن يكون اسم هذا التنظيم "داعش". وفور انتشار هذا الخبر، رد زعيم جبهة النصرة محمد الجولاني على ذلك برسالة صوتية، قال فيها إنه لم تتم استشارته بعملية الدمج، وأعلن مبايعة جبهة النصرة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وقد دفع هذا الصراع المتنامي بين البغدادي والجولاني، بالظواهري إلى التدخل شخصيا لتسوية النزاع عندما نشر في تشرين الثاني/نوفمبر، شريطا صوتيا على الإنترنت قائلا فيه إن جبهة النصرة تعمل بشكل مستقل في سوريا لمدة عام واحد كفرع القاعدة هناك، وأمر البغدادي بتغيير اسم داعش إلى "الدولة الإسلامية في العراق"، حاصرا بذلك سلطاته في العراق. وبعد ذلك، اندلعت معارك عسكرية بين "داعش" وجبهة النصرة على الأرض في سوريا. وفي مطلع شباط/فبراير، جاء في بيان نسب إلى القيادة العامة لتنظيم القاعدة ونشر على مواقع جهادية تنصّل التنظيم من أي علاقة مع "داعش"، وفق ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية. وقال الجمحي إنه باعتقاده أن "هذا الصراع سيستمر ومن غير المستبعد أن تحاول داعش أن تجذب وتستميل فروع القاعدة الأخرى وأهمها فرع التنظيم في جزيرة العرب نتيجة التقارب الجغرافي بين الاثنين، أو فرع المغرب العربي". الانقسامات تجرّ غيرها وأكد الجمحي أن الصراع بين "داعش" والنصرة ليس عاديا بل هو "خلاف عميق واستراتيجي"، لافتا إلى أن كل طرف أصبح يكفّر الطرف الآخر ويتهمه بعدم الالتزام بالإسلام والشريعة. أما الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد عزان، فقال للشرفة إن الصراع بين "داعش" والقاعدة مستمر على مختلف المستويات، ولهذا السبب قد تسعى "داعش" لضم فروع أخرى إليها. وأضاف قائلا "إن داعش تسعى للسيطرة على التنظيم [القاعدة]، والانفصال عن أوامر الظواهري هو المرحلة الأولى لتحقيق ذلك فيما المرحلة الثانية ستكون من خلال الصراع مع التنظيم وفروعه وضربها ثم السيطرة عليها إذا تحقق لهم ما يريدون في العراق والشام". وفي هذا السياق، قال الدكتور فارس السقاف الذي تم تعيينه في كانون الثاني/يناير رئيسا للمركز الوطني للدراسات الاستراتيجية الذي أنشأته مؤخرا الحكومة اليمنية "إن الخلافات بين داعش وتنظيم القاعدة، وتمرد داعش على تعليمات الظواهري، تؤكد ضعف القيادة المركزية [للقاعدة] في أفغانستان". ويرى السقاف أن هذا سيؤدي إلى ظهور حركات انشقاقية ليس على مستوى الفكر فقط بل على مستوى العمل الميداني أيضا بسبب اختلاف القادة من جانب وبسبب السمعة السيئة التي حصدتها القاعدة خلال السنوات الأخيرة من جانب آخر. وقال "هذا يؤكد أن تنظيم القاعدة أصبح في أيامه الأخيرة لأن انشقاق داعش يفيد بأن هناك انقساما في القيادات العليا للتنظيم وهذا ما لم يحدث سابقا على الإطلاق".