(لطائف) كثيراً ما دفعتني الحياة بفطرتها المنقلبة إلى التعامل والتفاعل مع بشر من كل الانتماءات الحزبية. لكن وحتى أنقل واقعي بكل مصداقية إلى قارئي الكريم، كنت أخفق في الحصول أو الوصول إلى خدمات كثيرة من هذا أو ذاك بسبب عدم وضوح انتمائي الحزبي. ورغم أن تلك الخدمات يمكن توصيفها بشكل دقيق كحقوق.. إلاّ أنني، أيضاً، كنت أعاني وسواي من مساومات عدة تتعلق بضرورة الانتساب إلى هذا الحزب أو ذاك، على اعتبار أن الحياة تصبح أسهل في ظل رعاية حزبية متكاملة! وهكذا فإن الأحزاب أصبحت تلعب دور مؤسسات التأمين التي تفشل في نهاية المطاف عن الوفاء بالتزاماتها التعويضية خاصة حين تكون الخسائر في الأرواح والضمائر والمضمون الفكري! لا مفر من هذا الواقع المأزوم، ولا مجال لمحاولة إظهاره كأفضل الحلول الممكنة لاستيعاب حجم الفشل الذريع الذي أحدثته الحزبية في بنية المجتمع القبلي يوم تعاضد الجهل والفساد على مائدة واحدة. وهنا يمكن تصنيف الحزبية إلى حزبية وطنية وأخرى قبلية على خلفية الواقع المشحون بمواقف الاختيار والتنشئة الحزبية مع كل أحزاب الساحة السياسية. وفي الحقيقة يجب أن نعترف أن الحزبية في البلدان التي تدعي الديمقراطية أصبحت تندرج ضمن البنية العرقية.. فعلى سبيل المثال يُقال: بيت فلان أو قبيلة فلان جميعهم مؤتمر، بينما بيت فلان جميعهم إصلاح.... إلخ، وهكذا يبحث كل فاقد لهويته الاجتماعية عن حزب يمنحه الهوية السياسية الموحدة التي يجتمع تحت مظلتها الأغنياء والفقراء مع الاحتفاظ بحق الأقدمية!! لقد أصبح الوطن مساحة شاسعة لممارسة كل الفنون الحزبية على اختلاف أدواتها وتعدد اتجاهاتها وتناقض أهدافها، وأما نحن ال(مستقلون) فسنبقى في حكم المعلقة التي ترفض الامتثال لبيت الطاعة وتعجز في ذات اللحظة عن افتداء نفسها بإمهار الحزبية بما تستحق.. فمتى نصبح أحراراً من هذا الطوق الذي حبس أنفاسنا وحرّياتنا؟! ومتى يصبح للوطنيين هوية خاصة، نقية من شوائب المصلحة والمعرفة والمحسوبية؟! متى يُترك المايكرفون لأصحاب الفكر والإنجاز والارتقاء بالمجتمع؟! هل وصلنا إلى درجة أن يكون الحزب هو الخصم والحكم؟! * المنتصف