بعد فشل إطلاقه.. صاروخ حوثي يسقط بالقرب من مناطق سكنية في إب    "مسام" ينتزع أكثر من 1800 لغم حوثي خلال أسبوع    وسائل اعلام اسرائيلية: هجوم اسرائيلي أمريكي شاركت فيه عشرات المقاتلات ضد اهداف في اليمن    وقفة نسائية في حجة بذكرى الصرخة    ثلاثة مكاسب حققها الانتقالي للجنوب    شركة النفط توضح حول تفعيل خطة الطوارئ وطريقة توزيع البنزين    عشرات الغارات استهدفت ثلاث محافظات    برعاية من الشيخ راجح باكريت .. مهرجان حات السنوي للمحالبة ينطلق في نسخته السادسة    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الافراج عن موظفة في المعهد الديمقراطي الأمريكي    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    تواصل اللقاءات القبلية لإعلان النفير العام لمواجهة العدوان الامريكي    سوريا .. انفجار الوضع في السويداء بعد دخول اتفاق تهدئة حيز التنفيذ    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    الخليفي والمنتصر يباركان للفريق الكروي الأول تحقيق كأس 4 مايو    بمتابعة من الزبيدي.. إضافة 120 ميجا لمحطة الطاقة الشمسية بعدن    الرهوي يناقش مع الوزير المحاقري إنشاء منصة للأسر المنتجة    الزعوري يبحث مع الأمم المتحدة تعزيز حماية وتمكين المرأة في اليمن    الكثيري يبحث مع فريدريش إيبرت فتح آفاق دعم دولي للجنوب    وزارة الشباب والرياضة تكرم موظفي الديوان العام ومكتب عدن بمناسبة عيد العمال    إلى رئيس الوزراء الجديد    عطوان ..لماذا سيدخل الصّاروخ اليمني التّاريخ من أوسعِ أبوابه    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    أرواحهم في رقبة رشاد العليمي.. وفاة رجل وزوجته في سيارتهما اختناقا هربا من الحر    الأرصاد تتوقع أمطاراً رعدية بالمناطق الساحلية والجبلية وطقساً حاراً بالمناطق الصحراوية    تفاصيل جديدة لمقتل شاب دافع عن أرضه بالحسوة برصاص من داخل مسجد    بيع شهادات في جامعة عدن: الفاسد يُكافأ بمنصب رفيع (وثيقة)    من أين تأتي قوة الحوثيين؟    رسميًا.. بايرن ميونخ بطلًا للبوندسليجا    تشيلسي يضرب ليفربول ويتمسك بأمل الأبطال    تدشين برنامج ترسيخ قيم النزاهة لطلاب الدورات الصيفية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة    بدء تنفيذ قرار فرض حظر على الملاحة الجوية لمطارات الكيان    نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي يعزي في استشهاد عمر عبده فرحان    وسائل إعلام غربية: صدمة في إسرائيل..الصاروخ اليمني يحرق مطار بن غوريون    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    وزير الصحة ومنظمات دولية يتفقدون مستشفى إسناد للطب النفسي    قدسية نصوص الشريعة    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    فيما مصير علي عشال ما يزال مجهولا .. مجهولون يختطفون عمه من وسط عدن    الاجتماع ال 19 للجمعية العامة يستعرض انجازات العام 2024م ومسيرة العطاء والتطور النوعي للشركة: «يمن موبايل» تحافظ على مركزها المالي وتوزع أعلى الارباح على المساهمين بنسبة 40 بالمائة    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    ملفات على طاولة بن بريك.. "الاقتصاد والخدمات واستعادة الدولة" هل يخترق جدار الأزمات؟    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    مرض الفشل الكلوي (3)    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    وسط إغلاق شامل للمحطات.. الحوثيون يفرضون تقنينًا جديدًا للوقود    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيغو    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد إعلان نيروبي: كيف يرد قرنق الجميل لإسرائيل؟
نشر في المؤتمر نت يوم 09 - 06 - 2004

يثير قلقنا شعار «السودان الجديد»، بقدر ما نضع أيدينا على قلوبنا ونحن نتابع تشكَّل «العراق الجديد»، واسألوا الله أن يحفظ ليبيا بعد رياح التحول التي هبت عليها من مثل هذا التجديد!. واذ يفترض أن ميلاد السودان الجديد قد لاحت بوادره مع صدور اعلان «نيروبي» الذي تم توقيعه هذا الأسبوع في العاصمة الكينية، فإننا نرى بأعيننا ما لا حصر له من الشواهد التي تصدمنا في العراق الجديد، سواء فيما يتعلق باستقلاله أو هويته أو استقراره أو ثروته وصولاً إلى تاريخه وذاكرته.
صحيح أن ما يجمع بين تلك الدول الثلاث أنها عاشت زمنا أو عقوداً في ظل معاناة قاسية اختلفت في الدرجة، إلا أن «الجديد» الذي كان مأمولاً توقعنا له أن ينتقل من سيئ إلى حسن أو أحسن. فلا أظن أن أحداً يأسى على سنوات حكم صدام حسين، ولا أحد يتمنى أن تستمر الحرب في جنوب السودان التي خربت البلاد وأنهكت الجميع، ولا أحد يمكن أن يعبر عن أسفه على سنوات المقاطعة والحصار التي فرضت على ليبيا، إلا أن كل مخلص ينتمي لهذه الأمة ظل يحلم طول الوقت بأن تنزاح «الكوابيس» المخيمة على تلك الأقطار، بحيث تنسى أحزانها وتبدأ عهداً جديداً. وإنني لا أخفي توجساً وارتياباً فيما يخص السودان الجديد لماذا؟ لأن تحول حركة تحرير جنوب السودان التي يتزعمها جون قرنق إلى شريك في حكم البلاد لا يطمئن بأي حال. ليس لدي أي تحفظ بالنسبة للجنوبيين، الذين هم جزء من السودان ولهم حقوقهم التي ينبغي أن تحترم ووجودهم في السلطة أمر طبيعي بل واجب وضروري. لكن ما أعنيه على وجه الدقة هو هذا التجمع بالذات، الذي أصبح يطلق عليه حركة تحرير السودان، وهذا القائد بالذات: جون قرنق.
لست أخفي أن انطباعاتي لم تكن ايجابية ازاء الحركة الانفصالية أو قائدها طول الوقت، وكانت لدي مجرد شكوك اعتمدت على متابعاتي الصحفية لمواقف جون قرنق وتصريحاته وللتقارير الصحفية التي نشرت عن الحرب في الجنوب. لكن ذلك الشك تحول إلى يقين حين وقعت على كتاب اسرائيلي أصدره بالعبرية في العام الماضي مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب (هناك ترجمة عربية له محدودة التوزيع) عنوان الكتاب هو: «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان» . أما مؤلفه فهو العميد المتقاعد موشي فرجي، الذي كان ضمن الفريق العسكري الاسرائيلي الذي أدار عملية الاتصال و«التعاون» مع جون قرنق وحركته.
في الكتاب يقول المؤلف ما نصه: أدركت المراجع الاسرائيلية أهمية تكوين علاقات خاصة ومباشرة مع قيادات الجنوب على غرار العلاقات التي نشأت مع قيادات الأكراد في شمال العراق، مصطفى البرزاني، ثم ابنه مسعود البرزاني (عضو مجلس الحكم الحالي في العراق) ولتحقيق ذلك، فقد تم تشكيل فريق ضم خيرة العقول والأدمغة (الاسرائيلية) التي يمكن أن تدبر عملية الاتصال والتعاون مع حركة تحرير جنوب السودان. وفي تشكيل الفريق كانت هناك ثلاث مجموعات من الخبراء; مجموعة في المجال السياسي، وثانية في المجال العسكري، وثالثة في مجال الأمن والاستخبارات (مؤلف الكتاب كان ضمن المجموعة الثانية).
كان المستشارون الاسرائيليون يرصدون ويتابعون حركة هذا «الكولونيل» (جون قرنق) ويحملون المعلومات عنه، حتى تمكنت المراجع السياسية والأمنية من دراسة شخصيته جيداً، واستقر رأيها على المراهنة عليه ومساندته، لكي يحقق طموح بناء دولة في الجنوب، على غرار مطامع الزعيم الكردي مصطفى البرزاني.
أشار المؤلف إلى أن السفارات الأميركية في أوغندا وكينيا وإثيوبيا كانت قد أجمعت على ترشيح قرنق لمنحة دراسية في الولايات المتحدة (التي حصل منها على الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي) وقد عاد منها لكي يعمل في الجيش السوداني، قبل أن ينسحب منه ويشكل تنظيمه من عناصر قبيلة «الدينكا» التي ينتمي إليها، ويتبنى الدعوة إلى الانفصال، ويسافر إلى اسرائيل ليحصل على دورة عسكرية في كلية الأمن القوي هناك (قال المؤلف إن قرنق زار اسرائيل ثلاث مرات). في الكتاب تفصيلات مثيرة عن صور الدعم التي قدمتها اسرائيل إلى حركة قرنق. واحالة إلى مجلة اسرائيلية متخصصة في الشؤون العسكرية (معرخوت) فقد قدرت الدعم بمختلف أشكاله (الأسلحة الدعم المادي الخدمات والمساعدات الأخرى) بما يزيد على 500 مليون دولار، قامت الولايات المتحدة بتغطية الجانب الأكبر منه.
في الكتاب أيضاً عرض مفصل لخطة اسرائيل التي ركزت على الدول المجاورة للسودان (إثيوبيا كينيا أوغندا زائير) لكي تتخذ منها قاعدة للتواصل مع الجنوبيين وتقديم العون لهم، العسكري بالدرجة الأولى) بهدف الضغط على السودان واضعاف مصر في نهاية المطاف، اضافة إلى محاولة تأمين مصالحها في البحر الأحمر، الذي احتل موقعاً خاصاً في الاستراتيجية الاسرائيلية، على الصعيدين العسكري والاقتصادي.
يدهش قارئ الكتاب حين يتتبع صور الدعم العسكري الذي قدمته اسرائيل إلى حركة تحرير السودان، الذي تجاوز السلاح والذخيرة والتعليم والتدريب، إلى الإمداد بصور لمواقع قوات حكومة السودان، كانت الأقمار الصناعية الاسرائيلية تلتقطها خصيصاً، لكي تزود بها القوات الجنوبية، وإلى اشتراك الاسرائيليين الفعلي في العمليات القتالية بالجنوب (الأمر الذي يقدم دليلاً على أن اسرائيل كانت طرفاً مباشراً في تلك الحرب). وفي السياق، تحدث المؤلف عن واقعة قتل خمسة ضباط اسرائيليين، بينهم اثنان من الموساد في احدى المعارك التي دارت على أرض السودان.
من بين المعلومات الغزيرة التي تضمنها الكتاب استوقفتني الأمور التالية: إن اسرائيل هي التي أقنعت الجنوبيين بتعطيل تنفيذ مشروع قناة «جونجلي» الذي تضمن حفر قناة في منطقة أعالي النيل لنقل المياه إلى مجرى جديد بين جونجلي وملكال لتخزين 5 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً، ويفترض أن يسهم المشروع في انعاش منطقة الشمال والاقتصاد المصري. قالت اسرائيل لجنوبيين إنهم أولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم، ثم أنها ادعت أن ثمة خطة لإرسال ستة ملايين فلاح مصري إلى الجنوب (كما حدث في العراق) لتغيير تركيبته السكانية لصالح العرب.
انه بمجرد ظهور النفط في الجنوب أوفدت اسرائيل في النصف الأول من الثمانينات واحداً من أكبر خبرائها، هو البروفيسور ايلياهو لونفسكي لدراسة احتمالاته، التي قدرها بسبعة مليارات برميل. ونتيجة لذلك شرع الجنوبيون في المطالبة بحصتهم من هذه الثروة، وعارضوا انشاء مصفاة للنفط في منطقة كوستي باحدى الولايات الشمالية.
إن اسرائيل في دعمها لقرنق وضعت تحت تصرفه، العام الماضي، (2003) مجموعة من الضباط ذوي الأصل الإثيوبي الذين هاجروا إليها في الثمانينات (يهود الفلاشا) وقد أورد المؤلف قائمة بأسماء بعضهم.
إن جون قرنق بعدما أحكم سيطرته على الجنوب استعد لإعلان الانفصال وإقامة دولته المستقلة. وأبلغ الولايات المتحدة واسرائيل والدول المجاورة للسودان بذلك، بل أنه طلب من واشنطن رسمياً التدخل إلى جانبه إذا ما هاجمه جيش السودان من جراء ذلك. وان وزارة الدفاع الأميركية أصدرت تعليماتها إلى قواتها في كينيا وإريتريا بالاستعداد للتدخل في السودان إذا لزم الأمر.
لقد أشاد موشي فوجي بالانجاز الذي حققته اسرائيل في جنوب السودان، الأمر الذي مكن قوات قرنق من بسط هيمنتها على ولايات الجنوب، وتحدي حكومة الخرطوم، خصوصاً بعدما ثبت أن القدرات العسكرية التي توفرت لجيش التحرير فاقت ما لدى الجيش السوداني. ونقل المؤلف على لسان جون قرنق قوله لمسؤول كبير في وزارة الدفاع الاسرائيلية كان قد زار العاصمة الإريترية أسمرة في العام الماضي: «أنتم ظهير للجماعات والأقليات المقهورة. ولولاكم لما تحرر الأكراد من العبودية العربية ولما نفض الجنوبيون عن كاهلهم غبار الخضوع والخنوع والذل والعبودية.. ونحن نتطلع إلى استمرار هذا الدور حتى بعد أن يتمكن الجنوبيون من تشكيل كيان سياسي وقومي خاص بهم، يكون منسلخاً ومنفصلاً عن سيطرة الشمال».
حسب المؤلف، فان ذلك نص حرفي لما قاله قرنق، معترفاً بفضل اسرائيل عليه، والذي مكنه من أن يتجاوز ما كان يحلم به، بحيث يدخل الى الخرطوم منتصراً وفارضاً شروطه عليها.
كيف سيكون السودان الجديد في ظل هذا الوضع؟ ربما لا نحتاج إلى وقت طويل لكي نتلقى الإجابة، لأن المقدمات دالة على النتائج.
المصدر صحيفةالشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.