شهدت أسواق المال واحدا من أسوأ أيامها منذ سنوات حيث تراجع مؤشر داو جونز 504 نقطة، وهو سادس أكبر تراجع في تاريخ بورصة نيويورك واسوأ تراجع منذ هجمات سبتمبر. وجاء ذلك كرد فعل من جانب المستثمرين على إعلان إفلاس بنك ليمان برذرز الاستثماري وبيع بنك ميريل لينش إلى بنك أوف أمريكا مقابل 50 مليار دولار. وتسود الأسواق المالية حاليا مخاوف من استمرار انهيار بنوك ومؤسسات مالية وامريكية. وفقدت الاسهم الامريكية اكثر من 2 في المئة مع بدء التعامل، وهوت اسهم المجموعة الامريكية الدولية (ايه اي جي) للتامين مع عمليات بيع هائلة لاسهمها تحسبا لان تكون الضحية التالية في مسلسل الانهيار. وسارع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الامريكي) الى الاعلان عن انه سيسترد قيمة سندات خزانة مستوجبة بنحو 3.3 مليار دولار في محاولة لسحب بعض السيولة من النظام المصرفي. ويسعى الاحتياطي للحفاظ على نسبة الفائدة على الاقراض لليلة واحدة بين البنوك منخفضة اثر ارتفاعها عقب افلاس بنك ليمان برذرز الاستثماري. اوروبا واسيا وكانت مؤشرات الاسهم في اوروبا واسيا هوت بشدة في بداية تعاملات الاسبوع نتيجة الاضطراب في الدوائر المالية بشأن مستقبل البنك الاستثماري الامريكي ليمان براذرز. وهبط مؤشر فاينانشيال تايمز للشركات المئة الكبرى في لندن بنسبة 2.7 في المئة في بداية التعاملات، بينما هوى مؤشر كاك 40 الفرنسي بنسبة 3.4 في المئة ومؤشر داكس الالماني بنسبة 2.8 في المئة. وفي اسيا، انهى المؤشر الرئيسي في استراليا التعاملات متراجعا بنسبة 1.8 في المئة وفي سنغافورة هبط مؤشر اس تي اي بنسبة 2.3 في التعاملات الصباحية. وفي تايوان اغلق المؤشر الرئيسي للاسهم على انخفاض بنسبة 4 في المئة، وفي الهند هوت اسعار الاسهم باكثر من 5 في المئة في بداية التعاملات, ومعظم البورصات الرئيسية في اسيا مثل طوكيو وهونج كونج وشنغهاي وسيول مغلقة بسبب عطلات هناك. وفي تلك الاسواق لوحظ ان اسهم قطاع البنوك والتامين والخدمات المالية كانت الاكثر تضررا بعدما اعلن ليمان برذرز، رابع اكبر بنك استثماري في امريكا، انه سيطلب حماية افلاس. هبوط الدولار في الوقت نفسه تراجعت قيمة الدولار الامريكي في التعاملات الاسيوية الاثنين بسبب المخاوف حول مدى استقرار النظام المالي الامريكي. افلاس بنك ليمان بعد فشل محاولات بيعه اثر خسائره الكبيرة وهبط سعر الدولار بنسبة 2.3 في المئة الى 105.45 ين، في اكبر نسبة هبوط في يوم واحد منذ مطلع عام 2002. كما ارتفعت قيمة اليورو مقابل الدولار بنسبة 1.7 في المئة ليصل اليورو الى 1.4479 دولار. اما الجنيه الاسترليني فارتفعت قيمته مقابل الدولار الى 1.8040 دولار للجنيه، من 1.7946 دولار يوم الجمعة. وقال بنك انجلترا (المركزي البريطاني) انه يراقب الوضع في سوق التداول على الاسترليني وسيتدخل اذا تطلب الامر. كما اعلن البنك المركزي الاوروبي انه سيتدخل في اسواق النقد في منطقة اليورو اذا تطلب الامر. وقالت انانثا ناجيسواران، كبيرة باحثي الاستثمار في بنك جوليوس باير: "لم يكن ارتفاع الدولار في الشهرين الاخيرين مضمونا وكان سببه ضغوط تسييل اصول من قبل صناديق التحوط على المدى القصير وبسبب الشعور الخاطئ بان المؤشرات الاقتصادية الامريكية بدأت تتعدل". وكان بنك ليمان برذرز خسر مليارات الدولارات في ازمة القروض العقارية الرديئة وهبطت اسعار اسهمه في السوق بشدة في الاشهر الاخيرة. واعلنت مجموعة من بنوك القطاع الخاص الدولية وشركات الائتمان عن الية اقراض جديدة بقيمة 70 مليار دولاربهدف استخدامها من قبل الشركات المالية لتخفيف حدة الانكماش الائتماني. كما اتخذ الاحتياطي الفيدرالي اجراءات لتسهيل الحصول على الائتمان الطارئ للشركات المالية المتعثرة، وذلك بتوسيع نطاق الضمانات التي يمكن للمؤسسات المالية استخدامها للحصول على القروض الطارئة. ردود فعل وتردد صدى هذا القرار حول العالم حيث قالت وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاجارد "إن هذه صدمة". وقال الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي الاميركي الان جرينسبان ان هذه ازمة تحدث "مرة كل نصف قرن وربما مرة كل قرن". اما المرشح الديموقراطي للرئاسة الامركية باراك اوباما فوصفها بانها "اخطر ازمة مالية" منذ الركود الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. ويقول محللون ماليون انه كان على العالم ان يدرك ان هذه الازمة ستحدث عندما تم انقاذ شركتي فاني ماي وفريدي ماك الاميركيتين العملاقتين للقروض السكنية، وكذلك بنك بير ستيرنز للاستثمار هذا العام. وقال ايلي كوهين استاذ الاقتصاد في معهد "سيانس-بو" الفرنسي ان "هذه قفزة الى المجهول لان هذه اول مرة نرى فيها مصرفا عملاقا ينهار". اما مايكل اجليتا استاذ الاقتصاد في جامعة نانتير في باريس فقال "لقد كانت هذه كارثة تتحرك بشكل بطيء وتتكشف على مدى العام الماضي" حيث انخفضت الائتمانات واصبحت الاقتصادات الغربية على وشك الدخول في ركود. واضاف ان السماح بوضع حد لفوضى الديون الكبيرة التي يعاني منها بنك ليمان براذرز بالاعلان عن الافلاس يهدد "بادخال النظام المالي باكمله في حالة من الفوضى". الا ان الياس لم يكن هو الشعور السائد. فقد قال الخبير الاقتصادي جوزف ستيجلتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد الاثنين ان الازمة التي تعاني منها الاسواق المالية لن تشكل "خطرا منهجيا على المدى القصير". واضاف ستيجلتز الذي فاز بالجائزة في عام 2001 لوكالة فرانس برس ان الاضطرابات التي اثارها انهيار بنك ليمان براذرز الاميركي للاستثمار لن تكون بخطورة انهيار البورصة الاميركية عام 1929 التي قادت الى الركود الكبير. واضاف ان "الراي السائد هو ان لدينا ادوات وسياسة نقدية ومالية تمكننا من معرفة كيفية تجنب حدوث ركود كبير اخر". اما لوران كيجنون الاقتصادي في بنك "بي ان بي -باريباس" فقال ان مخاطر حدوث انهيار مالي متوسطة جدا، ومن الصعب تخيل ان تسمح السلطات الاميركية بحدوث اعداد كبيرة من الافلاسات". واضاف "لقد حدثت ازمات مصرفية كبيرة في اليابان والسويد والنرويج وكان الحل هو التأميم". *المصدر: بي بي سي