بدا التوتر السياسي في لبنان اشبه ب «بقعة الزيت» الاخذة بالانفلاش في ملاقاة استحقاقات بدأت تحضر بقوة، وفي مقدمها بدء عمل المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في الاول من الشهر المقبل، والانتخابات النيابية في السابع من يونيو المقبل، والتي استحقت لقب «المصيرية» نتيجة الصراع الحاد بين مشروعي تحالف «14 مارس» وقوى «8 مارس». وانضمت ملفات خلافية جديدة في الملفات المفتوحة في اطار تجاذبات تشبه «المصارعة السياسية» بين المعسكرين وكأن البلاد تنزلق مسرعة الى «الحلبة الانتخابية»، وسط مظاهر تأزم اقليمي ترجمتها حظوظ فوز «الليكود» في الانتخابات الاسرائيلية وعكسها استمرار «الحرب الباردة» العربية مع العد التنازلي للقمة العربية العادية في الدوحة اواخر مارس المقبل. فبيروت التي تتحضر لاحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس الحريري في 14 فبراير الحالي، شهدت اندفاعة ل «هبة ساخنة» من المماحكات السياسية التي بدأت تهدد ب «تقاعد مبكر» لحكومة الوحدة الوطنية العاجزة عن ادارة الملفات الخلافية على النحو الذي يؤدي الى مخارج له، لاسيما وان بعضها يرتبط بالاستحقاق الانتخابي. ففي الوقت الذي غادر الرئيس ميشال سليمان بيروت امس متوجهاً الى البحرين ومنها الى الامارات العربية المتحدة في اطار جولاته الخارجية، بقي الداخل معلقاً على «فوهة» مجموعة من الملفات المتفجرة، وفي مقدمها: ملف التنصت الذي شهد عاصفة كلامية على مدى اسبوعين ومن المتوقع ان يحضر ثانية على طاولة لجنة الاعلام والاتصالات النيابية يوم الخميس المقبل على وقع تزايد المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتحديد «المسؤوليات» في هذا الملف. التصعيد المتمادي في شأن ما يعرف ب «عقدة» مجلس الجنوب، وخصوصاً مطالبة حركة «امل» التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري وزير المال محمد شطح بالاستقالة الفورية، رداً على قوله ان الحكومة لم تعد صالحة حتى لتصريف الاعمال وانما صارت ل «تعطيل الاعمال». ملاحظات رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط على اداء بعض ضباط الجيش وتأييده من رئيس الهيئة التنفيذية ل «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ما افسح امام قوى 8 مارس اطلاق حملة سياسية شعارها «الدفاع عن المؤسسة العسكرية وهيبتها». انضمام ملف «الاستراتيجيا الدفاعية» الى حفلة العراك السياسي بعدما اقدم جنبلاط على سحب ممثله المقدم المتقاعد شريف فياض من «لجنة الخبراء» المنبثقة من طاولة الحوار لرغبته بعدم المشاركة في «حفلة التزوير» القائمة على «التلاحم» بين الجيش والمقاومة. تداعيات المواقف البالغة الدلالة التي كان اعلنها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير واطلق عبرها ما يشبه «التحذير» من فوز قوى 8 مارس في الانتخابات المقبلة لما قد يشكله هذا الامر من اخطار لها وزن تاريخي على الوطن. وكانت لافتة مساء الأحد الزيارة التي قام بها جنبلاط لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة حيث كان لقاء استمر نحو ساعتين في حضور الوزيرين غازي العريضي ووائل ابو فاعور والنائب مروان حماده. وتطرق اللقاء في جانب منه الى الانتقادات التي وجّهها رئيس «اللقاء الديمواقراطي» في حديثه التلفزيوني الاخير آلية معالجة موضوع الهبة السعودية للمتضررين من حرب يوليو 2006 . وبرر جنبلاط بعد اللقاء ان سحب مندوبه من اللجنة التي شكلها المتحاورون في قصر بعبدا للاستراتيجية الدفاعية بقوله «يبدو انهم يملكون كل الاختصاصات الكفيلة لتدعيم مسيرة التلاحم بين الجيش والمقاومة... هكذا قالوا، انا غير موافق ولن اشارك في حفلة تزوير». في غضون ذلك، ومع انتهاء مهلة الأيام التي كان مجلس الوزراء حددها لتأمين مخرج لعقدة مجلس الجنوب في موازنة سنة 2009 ، اشارت معلومات الى مشروع تسوية يجري تداوله يقضي باعتماد الآلية التي اتبعتها وزارة المال مع مختلف الصناديق والمجالس والمؤسسات العامة المستقلة من خلال تقديم موازناتها وتحديد حاجاتها المالية لسنة 2009 من اجل درسها وادراج ما يمكن ادراجه في الموازنة العامة مع مراعاة التوجهات المالية للانفاق والعجز ومنع زيادة الدين العام. وهو ما يعني ان يقدم مجلس الجنوب مشروع موازنته الى رئاسة الحكومة لترفعها بدورها الى وزارة المال وارفاقها بالموازنة العامة. واذ بدا مستبعداً تحقيق اي اختراق في ملف مجلس الجنوب قبل عودة الرئيس سليمان من الخارج، انفجر «السجال» بين وزير المال محمد شطح (القريب من السنيورة) وحركة «امل» (يترأسها بري) بعدما اعلن شطح «ان مجلس الجنوب يقول ان لديه مشاريع يريد ان يقوم بها، لكن مجلس الوزراء لم يناقشها»، ورأى «عناوين فقط لا تخوله دفع الاموال على أساسها». واضاف «ان ليس المبلغ هو المهم بل كيف سيصرف»، متمنياً «الا تتكرر تجربة الحكومة الحالية» قائلاً «اتمنى لو كانت حكومة تصريف اعمال، انها حكومة تعطيل اعمال». ولم يتأخر ردّ «امل» على شطح معتبرة «ان الوزير الذي يصدر عنه ان حكومته هي لتعطيل الاعمال «واجبه ان يستقيل فوراً». ورداً على قول وزير المال ان مجلس النواب عطّل الموازنة في السنوات الثلاث الاخيرة، قالت «امل»، ان «الذي لا يعرف ان مجلس النواب لا يستطيع ان يستقبل حكومة غير شرعية لا يعرف من الديموقراطية شيئاً وتاريخك في شتى الدوائر الاجنبية يؤكد انك لم تمر بهذه التجارب قبل الآن».