يوما بعد يوم يتسع نطاق النجاح الذي حققته ولا زالت تحققه الحملة الأمنية التي نفذتها قوات مشتركة من الجيش والأمن المركزي والشرطة في محافظة أبين، بإشراف مباشر من الأخ اللواء محمد ناصر أحمد وزير الدفاع والأخ المهندس محمد الميسري محافظ محافظة أبين. ومع كل نجاح تحققه الحملة الأمنية بتطهير مدينة جعار والمناطق المحيطة بها من أوكار الإرهاب والتطرف وناهبي الأراضي والممتلكات العامة والمال العام، وإلقاء القبض على المزيد من المطلوبين أمنيا، يتسع التأييد الشعبي لهذه الحملة التي جاء تنفيذها تلبية لمطالب المواطنين والرأي العام بعد أن شهدت مدينة جعار منذ أواخر العام الماضي 2008م انفلاتا أمنيا خطيرا كاد أن ينذر بسقوطها التام والمطلق تحت سيطرة جماعات مسلحة تلبس عباءة الدين وترفع سيوف «الجهاد» ضد الدولة والمجتمع استنادا إلى أفكار متطرفة قام بتسويقها في اليمن بعض شيوخ الإسلام السياسي الصحوي الذين يحرضون على تكفير الدولة والمجتمع وتحريم الديمقراطية والفنون والغناء والموسيقى ويدعون إلى حرمان النساء من الحقوق والمكاسب التي حققتها الثورة اليمنية لهن في التعليم والعمل وتولي الوظائف القيادية والإشرافية في أجهزة الدولة والمؤسسات العامة والخاصة والمشاركة في الحياة السياسية والعامة. والثابت أن الحملة الأمنية التي نفذتها الدولة في مدينة جعار والمناطق المحيطة بها، جاءت بعد تصاعد حالة الانفلات الأمني وتزايد سطوة الجماعات «الجهادية» المسلحة في هذه المدينة التي كادت أن تتحول إلى بيئة مغلقة على نمط «الإمارات» الإسلامية التي أقامتها في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات جماعات متطرفة مماثلة في معظم مناطق محافظة «أسيوط» المصرية حتى تمكنت من الوصول إلى المركز الإداري لمدينة أسيوط، بالإضافة إلى قيام إمارة «أمبابة» في أحد الأحياء الشمالية الغربية لمدينة «القاهرة» عاصمة جمهورية مصر العربية أوائل التسعينات، وإمارة «طالبان» في قندهار والتي امتدت لتشمل كل أنحاء أفغانستان في النصف الثاني من التسعينات، كما نجحت الجماعات المتطرفة في إقامة إمارات إسلامية متطرفة في بعض مناطق الصومال والجزائر والعراق جعلت حياة السكان فيها جحيما.!! وكما هو حال تلك الإمارات الإسلامية قامت الجماعات الجهادية المسلحة في مدينة «جعار» منذ بضعة شهور بتطبيق شريعتها الخاصة بها من خلال السعي لفرض نمط حياة «طالباني» متشدد يتم بموجبه استخدام مختلف أشكال الإرهاب الفكري والمسلح لتحريم الفنون والغناء والموسيقى، وإحراق محلات التسجيل الفنية وإغلاق استوديوهات التصوير الفوتوغرافي والملاعب الرياضية ودور السينما التي تم تحويلها إلى مساجد، وتحطيم الأطباق اللاقطة والقنوات الفضائية والتضييق على مدارس البنات وحفلات الأفراح وملاحقة النساء في المؤسسات والأجهزة الحكومية والأسواق العامة، وصولا إلى التصفية الجسدية لبعض المواطنين بتهمة الشذوذ الجنسي ونشر الرذيلة. وكانت تلك الأعمال المتطرفة قد لقيت استنكارا واسعا من المواطنين والمثقفين والمستثمرين والقيادات الحزبية ومشايخ القبائل وأعيان المجتمع وبعض خطباء المساجد المستنيرين الذين أدانوا الممارسات التي تسيء إلى الدين وتنتهك حريات وحقوق المواطنين ولا يقبلها عقل ولا منطق، وآخرها قيام الجماعات الجهادية المسلحة بتفسيق المجتمع وتسفيه الرجال والنساء وتكفير أسلوب حياة المواطنين الذين اعتادوه وسار عليه من قبلهم آباؤهم وأجدادهم. كما استنكرت الأوساط الاجتماعية والسياسية قيام بعض المتطرفين بأعمال إجرامية تحت مسمى الجهاد في سبيل الله، وأبرزها تنفيذ بعض الاغتيالات وإقامة بعض المجازر الدموية الميدانية على غرار التجربة «الطالبانية» في أفغانستان تحت يافطة (هذا شاذ وتلك فاجرة)، وصولا إلى توزيع منشورات إرهابية وإيصالها إلى بيوت المواطنين، ولصقها على جدران منازلهم تهدد بقتل نسائهم وبناتهم الفاجرات إذا لم يقم آباؤهن وأزواجهن بإهدار دمائهن!! وزاد من خطورة الممارسات الإرهابية للجماعات الجهادية المسلحة انتشار المنشورات التي تحرض ضد المثقفين والقيادات الحزبية والتيارات الفكرية والفنانين والموسيقيين بدعوى محاربة البدع الضالة والثقافة العلمانية والديمقراطية الكافرة والمخططات الصليبية واليهودية، الأمر الذي أدى إلى نزوح عدد كبير من شباب مدينة «جعار» إلى مدينة زنجبار ومدينة رصد ومدينة عدن وغيرها من المناطق القريبة حيث كان المواطنون قبل بدء الحملة الأمنية يخشون من زحف هذه الجماعات المسلحة والخارجة عن القانون على المناطق المجاورة فور الانتهاء من استكمال بناء إمارتها «الطالبانية» الجهادية في مدينة جعار. وكما تعرض المجتمع في مدينة جعار قبل بدء الحملة الأمنية الأخيرة لإرهاب الجماعات الجهادية الخارجة عن القانون، فإن الدولة لم تسلم هي الأخرى من هذا الإرهاب المتستر بقناع «الدين» حيث تعرضت مقرات الشرطة والأطقم الأمنية لاعتداءات مسلحة غادرة، فيما تعرضت مكاتب البريد والتربية والتعليم والصحة والثقافة لأعمال نهب وسلب بذريعة محاربة البدع والتصدي لبرامج الصحة الإنجابية وتنظيم النسل التي تنفذها الدولة بالتنسيق مع منظمات دولية تعتبرها هذه الجماعات مخططات صليبية معادية للإسلام والمسلمين، الأمر الذي أجبر معظم المكاتب والإدارات على الانتقال إلى مدينة زنجبار، بعد أن أصبحت مدينة جعار خارجة عن إطار السلطة والقانون، وخاضعة لشريعة الغاب التي تمارسها تلك الجماعات الجهادية المسلحة، بعد أن تم نقل معظم المقرات الحكومية والمراكز الأمنية إلى زنجبار حيث لم يتبق في مدينة جعار بعد نقل مقر الشرطة وتفجير المبنى الجديد لمديرية خنفر وتكسير وتشليح المبنى القديم وتحطيم ونهب مكتب الضرائب وبعض المدارس إلا مكتب الاتصالات، بعد أن انتهى كل ما يدل على وجود الدولة في مدينة جعار، قبل الحملة الأمنية الأخيرة التي طهرتها من أوكار التطرف والإرهاب. يقينا أن التأييد الشعبي الواسع للحملة الأمنية على أوكار الإرهاب والتطرف في مدينة جعار وبعض المناطق التابعة لمديرية خنفر، يعكس استعداد المواطنين للدفاع عن سيادة الدولة على أراضيها وواجبها في الدفاع عن أمن وسلامة مواطنيها وتطبيق سلطة القانون وعدم السكوت إزاء الانفلات الأمني والجرائم الإرهابية في مدينة جعار التي احتضنت طوال تاريخها الحديث مختلف أنواع الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي قبل أن تقع تحت سطوة هذه الجماعات المتطرفة التي ترفع شعارات (الجهاد) زورا وباطلا. في هذا السياق جاءت الحملة الأمنية التي نفذتها الدولة بإشراف مباشر من وزير الدفاع ومحافظ أبين بهدف تطهير مدينة جعار من الجماعات المتطرفة، وإعادتها إلى حظيرة الدولة وسلطة القانون كمهمة وطنية تقع على عاتق الجميع، خصوصا بعد أن أصبح ما كان يجري في مدينة جعار يهدد أمن وسيادة مدينة عدن، في حال نجاح المتطرفين بإقامة إمارة «طالبانية» في جعار، والتمدد نحو زنجبار التي تعتبر البوابة الشرقية للدفاع عن أمن مدينة عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن الموحد، وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات ومخاطر جدية تهدد مستقبل الوحدة في ظل انبعاث المشاريع الاستعمارية الأنجلو سلاطينية، والنعرات المناطقية والأوهام الانفصالية التي تراهن على إمكانية إضعاف الدولة الموحدة، والتحريض ضدها تمهيدا لتفكيكها لاحقا بواسطة أعمال خارجة عن القانون في مناطق مختلفة. وبوسعنا القول إن أكبر ما يسيء إلى الوحدة ويشوهها هو الممارسات والظواهر التي تسعى إلى الإيحاء بأن الوحدة تشكل رجعة إلى الوراء بدلا من أن تدفع بحياة شعبنا نحو مزيد من الحرية والتقدم والعدالة والمساواة في المواطنة والنهضة العصرية في ضوء أهداف الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) حيث تسلل أعداء الوحدة والهوية الوطنية اليمنية، وبقايا مخلفات المشاريع الاستعمارية الانجلو سلاطينية لنخرها من داخلها، والعبث بمقدرات الدولة الموحدة ونهب الأراضي والسطو على الملكية العامة باسم الدفاع عن الوحدة، واضطهاد حملة الثقافة الوطنية الوحدوية، بهدف الانتقام من تاريخ ثورة 14 أكتوبر ومنجزاتها، والعودة إلى الكيانات السلاطينية الانفصالية التي تحالفت مع الاستعمار في تنفيذ مشاريعه الرامية إلى نزع الهوية اليمنية للجنوب وتلفيق هوية بديلة تتذرع بالعروبة والإسلام. ولئن نجحت ثورة 14 أكتوبر في تحرير الوطن من الاستعمار وإسقاط الكيانات السلاطينية العميلة لما كان يسمى (اتحاد الجنوب العربي) وتوحيدها في إطار دولة وطنية استعادت الهوية الوطنية للجنوب المتحرر من الاستعمار والسلاطين كخطوة على طريق الوحدة اليمنية التي تحققت في (22 مايو 1990م)، فقد كان انتصار ثورة (14 أكتوبر) بانتزاع الاستقلال الوطني يوم 30 نوفمبر 1967م انتصارا للهوية الوطنية اليمنية ولقضية الوحدة التي كافحت من أجلها الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، وعمدتها بدماء الشهداء والتضحيات الجسيمة. وعليه فإن الوحدة لا يبنيها ولا يحميها بالدماء والأرواح غير الوطنيين الوحدويين الحقيقيين الذين آمنوا بها ورفعوا راياتها وبذلوا دماءهم وقدموا التضحيات الجسيمة دفاعا عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل في عهد الاستعمار، وتصدوا ببسالة للمشاريع الاستعمارية الأنجلو سلاطينية التي استهدفت تكريس تجزئة الوطن اليمني وسلب الهوية اليمنية عن جنوبه.. ولسوف يواصل شعبنا اليمني السير على درب الرواد الأوائل من قادة الثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) دفاعا عن اليمن الموحد ومن أجل حياة حرة وكريمة ومتجددة.