تقدم بشكوى فاختطفوه.. مليشيا الحوثي في إب تختطف مواطنا ووالده رغم تعرضه لاعتداء    «كاك بنك» يشارك في المؤتمر المصرفي العربي السنوي 2025 بالقاهرة    محطات الوقود بإب تغلق أبوابها أمام المواطنين تمهيدا لافتعال أزمة جديدة    بيان مهم عن عملية كبرى في عمق الكيان    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    للمرة الرابعة ..اليمن يستهدف عمق الكيان مجددا    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    الجوع يفتك بغزة وجيش الاحتلال يستدعي الاحتياط    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    النائب العليمي يبارك لرئيس الحكومة الجديد ويؤكد وقوف مجلس القيادة إلى جانبه    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    التركيبة الخاطئة للرئاسي    أين أنت يا أردوغان..؟؟    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    الحقيقة لا غير    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    من يصلح فساد الملح!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضراب القضاة مخالف لشرع الله

شهدت الساحة القضائية إضرابا واسعا على مدى عامين أوصدت خلالها أبواب المحاكم في وجوه المتقاضين وتوارى القضاة فيها عن الأنظار إذ قلما نجد قضاة اعتلوا منصات القضاء خلال تلكم الفترة وبالكاد يمكن القول بأن مجموع أيام حضور بعض القضاة آنذاك لا يتجاوز الثلاثة الأشهر متصلة ومنقطعة وتعزى أسباب ذلكم الإضراب إلى ذرائع غلب فيها المضربون مصالحهم الشخصية دونما يرقبوا لمصالح العامة إلا ولا ذمة .
والغريب في الأمر هو محاولة المضربين من القضاة وإصرارهم الشديد عل إضفاء المشروعية على ما أقدموا عليه من امتناع عن عقد الجلسات والنظر في القضايا مستخفين بذلك بعقول الأمة في الوقت الذي صدوا فيه عن رأي الشرع صدودا نابذيه وراء ظهورهم ولم يأت أيا منهم بدليل يبرهن من خلاله على مشروعية ما اقترفوه. وقد يكون مرد ذلك هو تجاهل المضربين أحكام الشرع الحنيف أو جهلهم بها فإن كان تجاهلا فتلك مصيبة وإن كان جهلا فالمصيبة أعظم. وفي هذا قال عمر بن عبدا لعزيز رضي الله عنه : من عمل دون علم فإنه يهدم أكثر مما يبني.
ونظرا لأهمية موضوع الإضراب وحساسيته وما ينطوي عليه من انعكاسات وآثار سلبية ترتد آثارها إلى صدع كيان الدولة وبث الفتن فيها وانعدم الأمن والاستقرار ولكون المحامين معنيون بإزالة العراقيل والتعقيدات عن المتقاضين وتيسير سبل العدالة لهم باعتبارهم مساهمون في تحقيق العدالة وأن هذا من الواجبات الملقاة على عواتقهم وفقا لما نصت على ذلك المادة (4) من قانون تنظيم مهنة المحاماة لذلك فقد رأينا أن نبحث في مسألة الحكم الشرعي والقانوني لإضراب القضاة ومدى موافقة إضرابهم للشرع والقانون من عدمه .
أولا : بيان الحكم الشرعي في تولية القضاء :
أجمع الفقهاء على أن من الواجب على ولي الأمر تكليف قضاة ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط الشرعية وذلك للفصل في النزاعات وحسم الخصومات بين أفراد المجتمع. ويعتبر القضاء من فروض الكفاية على العامة ويعتبر القاضي المكلف بالقضاء ملزما بأداء ما كلف به ولا يجوز له الامتناع أو الإحجام عن أداء ما كلف به دونما عذر أو مبرر شرعي يحول بينه وبين أداء ما كلف به على اعتبار أن الوظيفة في الإسلام تكليف لا تشريف ولا تخضع إطلاقا لمزاج المكلف أو هواه أداء أو امتناعا إذ أن الأصل القيام بالعمل في حدود التكليف وما عداه فتعد وإفراط وتهاون يوجب المساءلة الشرعية.
1- وردت جميع الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بالحكم بصيغ تدل على وجوب الحكم بين الناس بالحق والعدل ، قال تعالى : ( يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله له عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ص آية 26. والشاهد في هذه الآية أن المولى جل شأنه قد ألزم نبيه داوود بالحكم بين الناس بالحق وقد وردت الآية في سياق متصل لما سبقها في الآيات التي أوردت قصة الخصمين اللذين تسورا على نبي الله محرابه وفزع منهم ورغم ذلك لم يحل بينه وبين الحكم بينهما حائل على اعتباره مكلفا بالحكم لا يحق له الامتناع فإذا كان الحال كذلك وكانت الآية قد وردت مشددة على وجوب الحكم بالحق فإنه ومن باب الأولى لا يحق الامتناع عن الحكم إطلاقا ولو كان الأمر غير ذلك لامتنع نبي الله داوود عنه رغم توافر مبرري إفزاعه وتسور محرابه.،كما قال جل شأنه : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) النساء آية 58،والشاهد في هذه الآية أن الحكم بالعدل هو أمر رباني واجب وبالتالي فإن الامتناع عنه يعد معصية لأمر الله فإذا كان الحكم قائما وله وجود واقعي ولكنه كان حكما بجور أو حيف يعد معصية فما حال الامتناع عن الحكم أصلا ؟ .
ضف إلى ذلك فلم يرد أي دليل على الإطلاق يبرر الإعراض عن القضاء سوى آية واحدة وردت مخيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم قال تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) المائدة آية 42. والشاهد في الآية ومن مفهوم دلالة النص يوحي أن الإعراض عن الحكم غير جائز سوى الحكم بين أهل الكتاب.
2- مما لا خلاف عليه إطلاقا بأن القضاء هو أمر من أمور الولاية و به تحفظ الحقوق وتصان الدماء وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة على صاحبها وآله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم تشدد على وجوب التقيد والالتزام بأداء أمور الولاية ومراعاة مصالح العامة دونما مشقة أو عناء يتكبده أبناء الأمة وقد اعتبر الوالي المحتجب والممتنع عن الناس من أبغض خلق الله إلى الله ومن أشدهم عرضة للعقاب وفي ذلك ورد عن نبينا المصطفى في الحديث المروي عن القاسم بن مخيمرة عن أبى مريم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ولي من أمور الناس شيئا واحتجب دون حاجتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره )رواه الترمذي (عارضة الأحوذي من أبواب الأحكام 6/74 )، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من وال يلي شيئا من أمور الناس إلا أتي يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه لا يفكها إلا عدله فيوقف على جسر من النار ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يقاد فيحاسب فإن كان محسنا نجا بإحسانه وإن كان مسيئا أنخرق به ذلك الجسر فيهوي به في النار سبعين خريفا) رواه الطبراني . ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد شيئا ثم لم يعدل بينهم ) . والشاهد في ألأحاديث السالف ذكرها أنه لا يجوز لمن ولي أمرا في الإسلام أن يحتجب عن الناس لأن احتجابه عنهم يحول دون أداء ما كلف به وعهد إليه وبالتالي فإن الامتناع عن أداء العمل محل التكليف يكون أشد إثما لأن الاحتجاب هو أقل من الامتناع وقد يتمكن عند الاحتجاب الوصول إلى الوالي أما عند الامتناع فمن المتعذر الوصول إليه وهذا أبلغ في الدلالة على عدم جواز الامتناع عن أداء القضاء والفصل في الخصومات .
3- ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: ( العدل فريضة محكمة وسنة متبعة ) بمعنى يؤكد أن إقامة العدل أ مر واجب والتخلف عن أداءه معصية توجب العقاب .
4- ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله :( العدل البطئ ظلم) وفي هذا دلالة تؤكد على وجوب الإسراع بالفصل بين القضايا بالعدل فهل يستقيم إذن أن يكون من الجائز حرمان الناس من العدل أيا كان بطيئا أو سريعا؟
والمستفاد من جميع تلك النصوص آياتها وأحاديثها وأقوالا مأثورة بأن الحكم بين الناس والفصل في خصوماتهم أمر واجب يثاب عليه فاعله ويعاقب عليه تاركه ولهذا قيل في القضاء بأنه : ( محنة ومن دخل فيه فقد ابتلي بعظيم لأنه عرض نفسه للهلاك ) تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام الجزء الأول ص12
ثانيا : حكم الامتناع عن النظر في الخصومات والفصل فيها (الإضراب):
بما أن الحكم بين الناس بالعدل هو أمر واجب على من كلف به لعموم الأدلة الواردة في هذا الصدد وتبعا لذلك يتعين القول بوجوب كل ما لا يتم إقامة العدل إلا به ، وبما أن حسم النزاعات والفصل في الخصومات بين المتقاضيين يستلزم وجود قاض مكلف يمثل الخصوم أمامه في مجلس قضاء يستمع فيه لأدلتهم وأقوالهم وتبعا لذلك يتعين القول بأن حضور القاضي مجلس الحكم هو أمر واجب لا يجوز له مخالفته كون ذلك ركن رئيسي للوصول إلى حكم عادل ومن غير المنطقي أن يتم البت في خصومة والحكم فيها دون النظر فيها ودون حضور أطرافها ودون وجود قاض للفصل فيها وعلى ذلكم الأساس واستنادا إلى القاعدة الفقهية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فقد أضحى القول بأن حضور القضاة مجالس الحكم هو أمر واجب لا مناص منه تبعا لوجوب الحكم بين الناس بالعدل وبذلك يعتبر المتخلف عن أداء ذلك الواجب (وهو الممتنع عن نظر الخصومات وحضور مجالسها ) آثما وعاصيا لأوامر الله وأحكام الشرع الحنيف . وقد يكون في هذا الإيجاز بيان كاف لبيان الحكم الشرعي لإضراب القضاة وهو عدم الجواز .
وحرصا منا على بيان المزيد من أسباب عدم جواز الإضراب فإنا سنورد بعضا من الحجج القاطعة والأسباب المانعة والتي تدحض في مجملها وتفاصيلها فرية مشروعية الإضراب وبيان ذلك نورده على النحو الآتي :
1- امتناع القضاة عن الحكم يؤدي إلى إثارة الفتن في أوساط المجتمع :
نظرا لأهمية القضاء ومكانته الرفيعة فقد ألزمت الشريعة الإسلامية أبناءها باللجوء إلى القضاء للفصل في خصوماتهم بعيدا عن النزعة الفردية والثأر الشخصي في استيفاء الحقوق . قال تعالى :(يا آيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء آية 59. كما قال جل من قائل ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) النساء آية 065 والشاهد في الآيتين يتمثل في ضرورة احتكام المسلمين لشرع الله لفض ما يحصل بينهم من نزاعات وقد اعتبر الممتنع عن ذلك متجردا من الإيمان . كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :( لا قدست أمة لا يحكم فيها بالعدل.)
وما حرص الشريعة الإسلامية على إلزام أفرادها باللجوء إلى القضاء إلا مراعاة لاستقرار المجتمع وبث روح الأمن فيه إذ لو كان الأمر غير ذلك لأصبحت الحياة في المجتمع أشبه بحياة في غابة يستعدي بعضها بعضا ويثب بعضها على بعض ولتدافع الناس بعضهم على بعض في نزعات فردية تؤدي إلى الفوضى والاضطراب لذلك قيل بأن الحكمة من مشروعية القضاء تكمن في ( رفع التهارج ورد التواثب وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) – تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ص10. وبالتالي فإن في عزوف القضاة عن العمل وامتناعهم عن النظر في القضايا من شأنه تهييج الفتن وإشعال نيرانها ويؤدي إلى المبالغة في ظلم المظلومين وتركهم دون إنصاف وإلحاق كبير الضرر بهم لا سيما من يقبع خلف السجون دون أن ينظر القضاء في أمره كما أن من شأن ذلك ترك الظالم يتمادى في ظلمه دون أن ينتصر منه بل ويجعله بمنأى عن المساءلة وهذا يفوت الغرض الذي لأجله شرع القضاء وبذلك يعد هذا العزوف عن القضاء ضررا يتعين إزالته إعمالا للمبدأ الشرعي ( الضرر يجب أن يزال ) .
2- امتناع القضاة عن الحكم يحرم العامة من حقهم الشرعي في اللجوء إلى القضاء:
بما أن أبناء المجتمع المسلم ملزمون شرعا باللجوء إلى القضاء للحكم في خلافاتهم فإن القضاء بذلك يكون حقا شرعيا لهم على القضاة بمعنى أن القضاء حق على القضاة للمتقاضين كونهم ملزمون شرعا بأدائه في إطار تكليفهم بذلك ويتعين عليهم أداء ذلك الواجب للعامة دونما من أو استكثار في عليهم في ذلك . ولما كان الأمر كذلك فإن عزوف القضاة عن حضور مجالس الحكم وإحجامهم عن نظر القضايا يترتب عليه حرمان أبناء المجتمع من حقهم الشرعي في اللجوء إلى القضاء ويعد إجحافا بحقوقهم وظلما يقترفه بحقهم من يفترض فيهم تحقيق العدالة . وهو الأمر الذي تأباه كافة النظم والتشريعات إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال حرمان أبناء المجتمع من أي حق من حقوقهم الشرعية ولا يجوز لأي كان فردا أو جماعة العمل على حرمان أبناء المجتمع من تلك الحقوق تحت أي مسمى كان.
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب
3- امتناع القضاة عن الحكم يؤدي إلى هدم كيان الدولة :
تعتبر السلطة القضائية أحد أهم الأركان الرئيسية الثلاثة التي لا يمكن أن يكتمل بناء الدولة بدونها ومن غير المعقول أن يشيد بناء دون أن تكتمل أركانه وإن إضراب القضاة وامتناعهم عن العمل من شأنه خلق فجوة واسعة يتعذر سدها ومن شأن الاستمرار في ذلكم الامتناع عن العمل إضاعة هيبة الدولة وبذلك تؤول كامل الأركان للسقوط وبسقوطها يسقط النظام القائم برمته فهل من المنطقي أن يصبح خلفاء الله في الأرض معاول هدم وسببا في ضياع المجتمعات .
4- امتناع القضاة عن الحكم من شأنه دفع ما لا يستحق لمن لا يستحق :
مما لا خلاف عليه بأن المرتبات التي يتقاضاها المكلفون بأداء الوظائف العامة هي نظير ما يقومون به من أعمال تم تكليفهم بها وتكون تلك المرتبات عرضة للاستقطاع والخصم فيما لو تغيب المكلف عن أداء عمله دونما مبرر لذلك بمعنى أنه لا يجوز على الإطلاق أن يتقاضى مكلف ما أي مبلغ قل أو كثر ما لم يقم بأداء مقابل ذلك عملا ويعد صرف أي مبالغ لأي شخص كان بدون مقابل من قبيل أكل الأموال بالباطل وقد نهى الشارع الحكيم عن ذلك في قوله جل من قائل :
(ولا تأكلوا أ موالكم بينكم بالباطل)
وبما أن القضاة هم مكلفون بالقضاء ويتقاضون مقابل ذلك مرتبات قد تكون هي الأعلى في سلم المرتبات فإن رواتبهم تلك يفترض أن تكون رهينة ما يقومون به من عمل وفي حال تغيبهم تكون عرضة للخصم وإن تقاضوا أيا منها حال تغيبهم فإن تقاضيهم لتلك الأموال يعد أكلا لها بالباطل فهل يرضى رجال العدالة أن يأكلوا سحتا وهل يرضى القائمون على أمر الإدارة المالية أن يغضوا الطرف عن ذلك ويصرفوا ما ليس بمستحق لمن لا يستحق ؟ ألا يعد هذا خيانة للأمانة وفيه خسائر تتكبدها الخزينة العامة في مجتمع يعاني أبناؤه مرارات الفقر المدقع في الوقت الذي بخل فيه قايضوا تلك الرواتب -القضاة المضربون- عن منح أبناء المجتمع أبسط الحقوق الشرعية المكفولة لهم. قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ).
5- امتناع القضاة عن الحكم يترتب عليه تعطيل حدود الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لأن يقام حد بأرض قوم خير لهم من أن يمطروا أربعين صباحا) كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام : ( إنما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ) والشاهد في هذين الحديثين يؤكد على أهمية إقامة الحدود وأن ترك إقامتها يعد سببا من أسباب الهلاك . وبما أن معظم القضايا الجنائية الشائعة في هذا العصر يودع المتهمون على ذمتها السجون ويرقبون لحظات محاكمتهم وفي محاكماتهم تتضح حقيقة إداناتهم من عدمها وفي حال ثبوتها يستلزم تطبيق شرع الله فيهم بما فيه من حدود وعقوبات شرعية وبما أن إحجام القضاة وامتناعهم عن نظر تلكم القضايا يؤدي بالضرورة إلى عدم الفصل فيها وهو ما ينتج عنه تعطيل إقامة الحدود وصد عن الحكم بما أنزل الله وفي ذلك قال المولى جل وعلا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) . المائدة نهاية الآيات47،45،44.
6- امتناع القضاة عن الحكم ذريعة لم يأت بها أحد في التاريخ القضائي :
لم يخل زمنا قط من القضاء كما لم يشهد التاريخ القضائي وجود قضاة يمتنعون عن القضاء وبشكل جماعي عدا هذا الزمن الغريب الذي نعيشه ، وإن المتأمل في تاريخ القضاء الإسلامي يجد بأن القضاة كانوا أشد الناس إدراكا لخطر القضاء لذلك عزف الكثير منهم عن توليه وسطر التاريخ تحكي بأن أبا حنيفة ا لنعمان بن ثابت جلد نتيجة لرفضه تولي منصب القضاء وأن أبا قلابة غادر البصرة هاربا منها إلى اليمامة ومنها غادر إلى الشام هربا من تولي منصب القضاء وفي الشام أرغم على ذلك لعدم وجود غيره عندئذ قال :مثل القاضي العالم كالسابح يسبح في البحر فكم عسى يسبح حتى يغرق . أما حال قضاة اليوم فنجدهم يتهافتون على القضاء حاثي الخطى سعيا إليه وما إن يتم توليتهم نجد البعض منهم يتولى مستكبرا ويمتنع عن القضاء لأسباب ومطامع شخصية دنيوية ولو تأمل القضاة المضربون سير القضاة من قبلهم لاستحيوا أن يقدموا على اقتراف ما هم عليه من صد وامتناع ولو اطلعوا في حال الولاة بالأمس لوجدوا في كتب تاريخ القضاء قصة وال صيني فقد سمعه ثم وجد باكيا - ولم يكن بكاؤه طمعا لزيادة في مال أو اعتراض على قرار سياسي- وعندما سأله أعوانه مالك تبكي لا بكت عيناك؟ فأجابهم قائلا: أما إني لست أبكي على المصيبة التي نزلت بي ، ولكن أبكي لمظلوم يصرخ بالباب فلا أسمع صوته.
أما حال المظلومين في هذه الأيام فإن دموعهم جرت أنهارا وصرخاتهم بلغت عنان السماء وهم ينشدون العدالة من قضاة أولي مسامع وأبصار جعلوا على آذانهم وقرا و على أبصارهم غشاوة فأبوا إلا أن يبوء المظلومين بهمومهم متجرعين ظلما أذاقهم إياه رجال العدالة المضربين.
قضاتنا المضربون الأفاضل :
يؤرقنا كثيرا ويقض مضاجعنا إدعاءاتكم بمشروعية الإضراب رغم عدم جوازه شرعا وقانونا وكما أن ا لشرع يحظر ذلك فكذلك حال القانون الذي لم يرد فيه أي نص يجيز الإضراب عدا مادة أوردها قانون العمل تحت عنوان الإضراب المشروع وقد وردت محددة ضوابط وقيود توجب رفع الإضراب إن وصل حد الإضرار بمصلحة رب العمل علما بأنكم مستثنون من ذلكم القانون ولا مجال إطلاقا للقياس على تلكم المادة بل أنكم تندرجون تحت تعريف الموظف العام وفقا لنص (المادة 1) من قانون العقوبات الذي أوردت فيه المادة (165) عقوبة من امتنع عن أداء عمله في وظيفة عامة كلف بها ، كما أن المادة (186) من ذات القانون قد اعتبرت القاضي الممتنع عن الحكم عرضة للعزل والغرامة عقوبة له عن امتناعه باعتباره منكرا للعدالة ،فأي مشروعية تلك التي تجيز لكم الإضراب ؟. وأي سند قانوني لكم يدرأ عنكم المساءلة؟
وإن كان لكم أدنى دليل فما نجد لكم من قول سوى : ( هاتوا برهانكم) ،(فأتوا به على أعين الناس) ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ).
(قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون).(وحسبنا الله ونعم الوكيل).
المحامي / خالد أحمد الصالحي
المراجع :-
1- القرآن الكريم .
2- الأحاديث النبوية.
3- تبصرة الحكام بأصول الأقضية ومناهج الأحكام.لبرهان الدين إبراهيم اليعمري المالكي.
4- أخبار القضاة . لمحمد بن خلف بن حيان (وكيع).
5- إحياء علوم الدين . للإمام أبي حامد محمد الغزالي.
6-إمام الرعية تحفة عارضة الأحوذي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.