لم يجد اليمنيون أنفسهم في دائرة مغلقة من القلق والحيرة قبل ما هم عليه الآن. فالخواء يعتمر رأس "الحكمة" التي تقال. والبؤس يتغلغل في أعماق شعب انكمشت طموحاته إلى لقمة العيش؛ تلك الغاية التي أصحبت هي الأخرى، بمثابة حلم تعتري طريق تحقيقه مطبات تخلق كل يوم. البلد ضاق ذرعاً بالمصائب والأزمات. وما زال لدى البعض طاقة لخلق المزيد. حروب ستة في صعده بشمال الوطن والسابعة ربما في طريقها إلى الاحتدام. "حراك" يتنامى في بعض مدن الجنوب. وانشقاق طموح ومتوقع وغل وغبن واقتتال. أنياب القاعدة هي الأخرى مكشرة لالتهام ما تبقى من خيط للحياة الآمنة في اليمن وتتربص بكل ما يمتن أو يحرق حبل الود مع الغرب. لم نعد نفهم شيئا في "يمن" تسكنه الإشكالات من رأسه حتى الأقدام. خطيرة هي تلك التي تسفك فيها دماء الأبرياء سواء في صعده وعمران أو في بعض مدن الجنوب، والأخطر والأدهى من كل ذلك هو أن الاقتصاد شارف على الانهيار. إذ لم نشهد تدهوراً كما هو عليه الآن، لأن الريال انخفض ووصل سعره أمام الدولار الواحد إلى حوالي 250. وعليه ستترتب مصائب معيشية اكبر مع قدوم شهر رمضان. وما يزيد من خطورة الأوضاع الملتهبة في البلاد، هو الأزمة السياسية هي الأخرى تكاد تطبق على أنفاس منظومة الحكم منذ فترة، وفقاً لما هو ظاهر. غير أن حقيقة الأمر تبدو أقرب ما يمكن إلى المسرحية. فالعامة وبالطبع في ظل هكذا ظروف لا يريدون من المنظومة السياسية سواءً كانوا في الحكم أو المعارضة إلا أن تلتفت إليهم ولاحتياجاتهم المعيشية بعيداً عن أي مطالب أو بطولات أخرى. لكن على أرض الواقع فإن البطولات الرسمية لا تشمل أي خطط وإجراءات تنفيذية منطقية تنتصر لهذه لأحلام البسطاء من الناس. وتترجم طموحاتهم بالحصول على حقوقهم المعيشية الآمنة. في الضفة الأخرى تؤكد معارضة متمثلة بأحزاب اللقاء المشترك أنها تخوض منذ حوالي عامين حربها ضد السلطة لأهداف شخصية بحتة بعيدة كل البعد عن طموحات شعب. ويدل اتفاق فبراير بين المشترك والمؤتمر ومراحل الاختلاف التي مرت بها الأزمة وما توصلت إليه في ال17 من يوليو الماضي بتوقيع محضر تنفيذي لاتفاق فبراير ومن ثم تجدد الخلاف وإعلان نقاطه الأساسية على الملأ. في خضم كل هذه التفاصيل ثمة ما يشيئ إلى أن هناك خواء سياسي حقيقي وانفلات قيمي تعيشه الساحة السياسية اليمنية. الأمر الذي يؤكد أنه إذا استمر حال البلد على ما هو عليه في ظل غياب رؤى صادقة ونوايا جادة لإنقاذ الحياة اليمنية برمتها فإننا نقرأ عليه السلام من الآن. وتكاد تتفق في ذلك رؤى كل المحللين والمتابعين للأوضاع المتفاقمة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في اليمن. وهو أن اليمن وشعبه هو الذي سيدفع التكلفة باهضاً من حياته وسمعته. مستندين على معلومات تراجع عملية التنمية والاستثمار مع كل انتشار جديد للأخطار وفي أي تطور لاحق للمشاكل التي تعتري جسد البلاد [email protected]