يقطع سليمان النعماني الذي يعمل في مسقط مسافة 300 كلم يوميا ليتناول إفطار رمضان وسط أسرته في ولاية صحار. ويتناوب سليمان مع ثلاثة من رفاقه قيادة السيارة بعد انتهاء دوامه في وزارة التربية، على أن يعود لمسقط في اليوم التالي بعيد صلاة الصبح. ويعاني الموظفون الذين يقيمون في المساكن المخصصة لغير المتزوجين في مسقط بعيدا عن أهاليهم الكثير من المصاعب خلال شهر رمضان، الأمر الذي يكبدهم الكثير من المشاق لقطع مسافات طويلة بشكل يومي. "د ب أ" ويعتقد الكثير من العمانيين أن تناول وجبة الإفطار وسط العائلة يعطي شهر رمضان طقوسا أكثر حميمية، ما يساهم في التقريب أكثر بين أفراد الأسرة الواحدة، وحتى القبيلة. تبدأ الطقوس الرمضانية التي تميز الشهر في عمان بعد صلاة العصر حينما يخرج المئات لشراء احتياجات الإفطار من فواكه وخضروات. ويحرص العمانيون على شراء أغنام من السلالة العمانية أو أغنام صومالية والأخيرة سعرها أقل بكثير من الأولى. اللحم شرط أساسي لإعداد طبقين مهمين على المائدة الرمضانية العمانية هما الثريد، والهريس، بالإضلافة إلى ما تحفل به المائدة أيضا من أطباق عمانية وشامية ومصرية أخرى. أما عادة أطلاق مدفع الإفطار فقد اندثرت في جميع الولاياتالعمانية ليكون أذان المغرب هو الميقات الرسمي والشعبي لانتهاء يوم من أيام الشهر وبدء ليلة مليئة بالفعاليات الرمضانية والطقوس الدينية. بعد صلاة التراويح، تبدأ الأسر في تبادل الزيارات من بيت لآخر، بحيث يحرص الجميع على الالتقاء في أحد البيوت ثم ينتقلون إلى بيت آخر، إلا أن هذه العادة أيضا تختلف من منطقة إلى أخرى. كما تنظم العائلات حفلات إفطار جماعي تدعو إليه المقربون والجيران، وربما يقطع البعض مسافات طويلة لحضور مثل هذه الدعوات. وتنظم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المئات من المحاضرات والندوات الدينية والثقافية طول أيام الشهر، ورغم أن نسبة حضورها لا يشكل شيئا مقابل حضور الفعاليات الرياضية إلا أن ذلك حال المشهد الثقافي في الكثير من الدول العربية كما يرى يوسف الذهلي أحد الحريصين على حضور جميع فعاليات النادي الثقافي في مسقط. قررت السلطات العمانية منع تنظيم أي فعاليات رياضية في الأندية الرسمية واستبدالها بفعاليات ثقافية، لكن آلاف الملاعب تنشأ في الحارات والقرى للممارسة كرة القدم والكرة الطائرة، بعيدا عن سلطة وزارة الشؤون الرياضية. وعلى طول الطرق العامة في سلطنة عمان يستطيع عابر الطريق أن يختار خيمة من خيام الرحمن ليوقف سيارته ويتناول وجبة الإفطار، والمساجد أيضا تقدم ما لذ وطاب من أنواع الأكل للإفطار. وفي صورة من صور التكافل الاجتماعي يحرص العمانيون على شراء كميات كبيرة من مستلزمات رمضان لتوزيعها على الأسر الفقيرة والمحتاجة بغض النظر عما تقدمه جمعيات المرأة العمانية والجمعيات الخيرية. وكما انقرضت ظاهرة مدفع الإفطار أوشكت ظاهرة المسحراتي على الانقراض من الكثير من المناطق العمانية أيضا. ويعزو سيف الجابري الأمر إلى أن "المسحراتي ظهر في وقت لم يكن يتوفر فيه آلية لإيقاظ الناس وقت السحور، لكن اليوم هناك عشرات الطرق للاستيقاظ للسحور إن كان الناس ينامون أصلا قبل السحور". إلا أن كبار السن يتندرون في جلساتهم المسائية بالكثير من الذكريات عن مدفع الإفطار وعن المسحراتي ورؤية هلال رمضان وهلال العيد في ظل غياب وسائل الإعلام في ذلك الوقت. يقول ناصر بن سليمان الوهيبي لوكالة الأنباء الألمانية "د ب أ":" في ستينيات القرن الماضي لم تكن هناك وسائل إعلام مثل الآن ولما نتحرى الهلال ولا نراه لا نصوم لكن قد يصلنا من القرى المجاورة لنا أنهم رأوه في عصر اليوم التالي فنمسك حينها عن الأكل والشرب، وكذلك كان الحال بالنسبة لعيد الفطر". ويحتفل الأطفال في عمان ليلة النصف من رمضان ب "القرنقشوه" أو ما يعرف في بعض دول الخليج بالقرقيعان. ويدور الأطفال على البيوت يرددون عبارات مثل " قرنقشوه يو ناس عطونا شوية حلواة .. دوس دوس في المندوس .. حارة حارة في السحارة" ويعود الأطفال بالفعل من رحلتهم حاملين الكثير من الحلويات وربما النقود. وتنظم السلطات المحلية العديد من المهرجانات لإحياء العادات والتقاليد التي كان يتميز بها شهر رمضان وبدأت في التراجع.