يبدو أن الحكومة اليمنية تواجه خصما ليس بالسهل، ولا يقل خطورة عن الحركة الحوثية في الشمال والحراك الانفصالي في الجنوب بل ربما يكون الأخطر بينها جميعا. هذا الخصم يشغل الآن حيزا كبيرا من جهود الحكومة اليمنية، ويسيطر على اهتمامات الساحة الدولية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصبح يشكل هاجسا لدى غالبية المواطنين اليمنيين الذين ينظرون له بأنه خصم عصي على الاستئصال.
إنه تنظيم القاعدة، ذلك التنظيم الذي جر الويلات للشقائق الثلاث أفغانستان وباكستان والصومال، والشقيقة الرابعة العراق التي ما تكاد ترى في الأفق بوادر استقرار حتى تهز الأسماع سلسلة تفجيرات عنيفة لا يكون ضحاياها إلا المدنيين الأبرياء وليس الأمريكان.
وبقدر ما يقلل كثير من السياسيين اليمنيين من خطورة القاعدة في اليمن، إلا أن هذا التنظيم يثبت يوما بعد يوم خطورة تستحق التوقف أمامها باعتبار أنه يمثل التهديد الأخطر لليمن حتى وإن قيل عنه عكس ذلك.
فقد أثبت ما يسمى بتنظيم القاعدة في اليمن قدرة كبيرة في إرباك الأجهزة اليمنية ومن ورائها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تدعم الحرب اليمنية تجاه هذا التنظيم، ولم يعد اليمنيون يصدقون ما تقوله الأجهزة الأمنية عبر وسائل إعلامها من أن الضربات التي وُجهت للقاعدة مؤخرا كان لها تأثيرا كبيرا على هذا التنظيم، لأن هذا النجاح إن صح، فقد فشل في عقر الأجهزة الأمنية عندما نفذت القاعدة عملية وصفت بالنوعية على مبنى الأمن السياسي بعدن الشهر الماضي.
خطر القاعدة .. أين؟
لا تتسم خطورة القاعدة على اليمن في أنها تستهدف المصالح الأجنبية أو الحكومية أو السياحية، ولا تكمن أيضا في قدرتها على الفتك، وتوجيه الضربات القوية، فكل ذلك لا يمثل خطرا كبيرا بقدر ما يمثله خطر الغموض الذي جعل من التنظيم قوة لم تنهزم في كل الدول التي يتواجد فهيا رغم الحرب العالمية التي تقودها أمريكا تجاهه.
في اليمن يعرف الجميع أن ما من قوة عسكرية لهذا التنظيم تجعله يقاوم ضربات الجيش اليمني المجهز بأسلحة قوية وحديثة، كما أنه لايمتلك العدد الكافي الذي يجعله يقاوم ملاحقة الجيش له، كما لايحظى هذا التنظيم بالتأييد الشعبي الذي تحضاه الحكومة اليمنية حتى من قبل أهالي المنتمين إلى القاعدة. لكن ورغم كل هذا فقد أظهرت العمليات التي تقودها اليمن وخلفها الولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه القاعدة عجزا إن لم نقل فشلا في تحقيق أهدافها، حيث ما تزال السلطات الأمنية تلاحق عناصر القاعدة في مأرب دون جدوى، ومايزال أنور العولقي المطلوب أمريكيا ويمنيا طليقا حر الحركة يتنقل بكل سهولة ويسر في شبوة، وما يزال عائض الشبواني على قيد الحياة رغم عمليات الاستهداف التي أصابت بشررها ثاني مسئول حكومي بمحافظة مأرب جابر الشبواني.
كما أن العمليات التي وصفتها الحكومة اليمنية بالنوعية والاستباقية لم تحقق المرجو منها، بل أصبحت الآن تشكل وبالاً يجر وراءه الويلات على الحكومة بسبب أن تلك العمليات لم يكتوي بنارها سوى المدنيين الأبرياء وليس أعضاء تنظيم القاعدة.
لقد أثبت تنظيم القاعدة منذ 2001 أنه القوة التي لم تنهزم في مواجهة العالم، فما زال قائده أسامة بن لادن يتخفى في جبال تورا بورا رغم قدرة المخابرات الأمريكية وتفوقها التكنولوجي الذي يجعلها قادرة على كشف ما تريده وفي أي مكان من العالم – حد زعم إعلامها.
وفي اليمن مازالت السلطات اليمنية - التي تلقت تدريبات أمريكية واسعة في مواجهة الإرهاب وخصصت إدارة بهذا الخصوص في وزارة الداخلية - ما تزال غير قادرة على إثبات تقدمها في مكافحة هذا الإرهاب، فالقاعدة حتى الآن تتخذ من اليمن المركز الرئيسي لإدارة عملياتها في جزيرة العرب، كما أن قياداتها المعروفين لدى الحكومة مايزالون جميعا خارج قبضتها ويقودون عملياتهم في أكثر من مكان رغم تأكيد الداخلية اليمنية لأكثر من مرة أن أجهزتها الأمنية في مأرب تحاصر عناصر القاعدة في وادي عبيدة.
الحكومة اليمنية تواجه حيرة كبيرة بكل تأكيد مع هذا التنظيم (الخصم الغامض)، وبكل تأكيد فهي لا تدري هل ستنجح في هذه المواجهة أم لا، ولا كم ستستمر؟، وكل هذه أسئلة محيرة، تقابلها إجابات لا تحل سوى جزءً من الغموض الذي يكتنف هذا الإرهاب المسمى قاعدة.
في ديسمبر من العام الماضي أعلنت اليمن بدء المواجهة مع تنظيم القاعدة من خلال تنفيذ سلسلة من الضربات الاستباقية لعناصر التنظيم بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث نفذت عدة عمليات في أبينوشبوةومأرب وأرحب، دون أن تحقق هذه الضربات نتائجها المرجوة، وحينها استبعد مراقبون ومهتمون نجاح اليمن في مواجهة التنظيم، كما استبعد أمريكيون ذلك أيضا، حيث رأوا حينها أن الرئيس صالح حليف غير قادر على مواجهة القاعدة.
وبحسب المتابعين فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى لأن يصل النظام اليمني إلى مرحلة يعلن فيها فشله في مواجهة القاعدة باعتبار أن الفشل سيوفر الذريعة لتدخل أمريكي بوحدات عسكرية – على الأقل - من أجل مواجهة القاعدة تحت مبرر حماية المصالح الأمريكية.
وقد سبق للولايات المتحدةالأمريكية أن ناقشت مخططا لجعل الجيش اليمني تحت قيادة غربية لمحاربة الإرهاب، كما طرح المحللون الإستراتيجيون في أمريكا عدة خيارات بعد اكتشاف ما كان يدبره عمر عبدالمطلب بالطائرة الأمريكية، وكان من ضمن الخيارات هو التدخل تحت غطاء دولي، حيث كان مقررا طرح هذه الخيارات في مؤتمر لندن الذي انعقد نهاية يناير الماضي، ولولا الموقف الشعبي الذي رفض بقوة حينها أي تدخل أمريكي ينتقص من سيادة اليمن لتم فرض هذه المقررات، وبالتالي فقد لجأ المحللون الغربيون إلى طرح خيار آخر يتمثل في أن تعمل أمريكا بشكل متعدد الأطراف من خلال السعودية والإتحاد الأوربي, وغيرها من الدول بحيث توسع التعاون العسكري والاقتصادي في اليمن.
وهنا نجدنا أمام عدد من الأسئلة التي تطرح نفسها حول قدرة اليمن على تنفيذ مقررات مؤتمر لندن والمتوقع في حال فشل اليمن؟
والجواب واضح، فاليمن إلى الآن ما تزال غير قادرة على الحد من هجمات القاعدة، بل إن التنظيم الإرهابي استطاع تنفيذ أشد الهجمات فتكا في اليمن منذ تفجير المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن عام 2000، حيث هاجمت عناصر القاعدة مبنى الأمن السياسي بعدن في ال 19 من شهر يونيو وقتلوا 11 شخصا وجرحوا مثلهم.
كما أن عناصر القاعدة نفذت عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت المنشئات الحكومية في مأرب، وأعلنت مسئوليتها أيضا عن استدراج الشبواني، وحاولت قتل السفير البريطاني، كما نفذت عددا من عمليات القتل بحق قيادات عسكرية كبيرة .. وكل تلك الأحداث جاءت بعد مؤتمر لندن وبعد إعلان الحكومة اليمنية حربها على القاعدة.
إذا فالمسألة هنا مسألة وقت حتى يعلن اليمن أنه غير قادر على مواجهة القاعدة وبالتالي لامجال أمام الغرب وعلى رأسه أمريكا الذي يدعم اليمن لمواجهة الإرهاب، إلا أن يعود إلى خيارات ما قبل مؤتمر لندن الآنفة الذكر، لأن هجمات القاعدة ستستمر على ماهي عليه وربما تتصاعد، مالم تتوفر الإرادة الجادة لدى اليمن وحدها في مواجهة هذا التنظيم.
من هي القاعدة
تثار أسئلة كثيرة حول القاعدة .. التنظيم الذي يزعم أنه يقاتل الكفار من الأمريكان ويواجه المخططات الصهيونية في المنطقة.. التنظيم الذي يقول إن السبيل في مواجهة ألئك الكفار هو من خلال استهداف المصالح الأجنبية في الدول الإسلامية والعربية.
بالفعل استطاع تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، من تنفيذ عدد من الهجمات التي استهدفت المصالح الغربية في المنطقة وقتل خلالها قليلا من "الكفار" في حين جزر المئات من المسلمين ومايزال.
هذا التنظيم الذي يهدف من وراء عملياته إيذاء الغرب لم يجني من عملياته التي نفذها في عدد من الدول العربية والإسلامية إلا مزيدا من الدمار والويل لهذه الدول، وكان الذريعة التي أتاحت للغرب التدخل في شئون هذه البلدان بل واحتلالها، مثلما هو حاصل في أفغانستان، وباكستان، وما هو حاصل الآن في الصومال التي تعيش حربا أهلية طاحنة أكلت الأخضر واليابس بسبب ما تديره القاعدة من حرب لا نعرف ماذا تريد من ورائها.
تنظيم القاعدة أصبح اليوم يثير الخوف لدى العرب والمسلمين أكثر مما يثيره للغرب جراء ما لحق بهم من إيذاء ودمار في بلدانهم وفي بلدان الغرب، بل أسهم فعليا في تراجع ما يسمى بالمد الإسلامي، وفي المقابل توسع ما يسمى بالإسلام فوبيا (العداء للإسلام).
كما أصبح تنظيم القاعدة يثير الشكوك حول نفسه أكثر، ويدفع البعض إلى اتهام هذا التنظيم بأنه تنظيم أمريكي صنعته أمريكا بغرض التدخل في شئون البلدان الإسلامية وتشويه الدين الإسلامي.
لقد كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز أقوى الشخصيات العربية والإسلامية التي لم تتوانى في توجيه ذلك الاتهام عندما اشتعلت السعودية في 2004 بالعمليات الإهابية، حيث قال صراحة "لقد اتضح لدينا مائة بالمائة أن الصهيونية وراء كل عمليات الإرهاب التي حدثت على أراضي المملكة لزعزعة الاستقرار فيها".
كما أن الأمير تركي الفيصل الذي تولى جهاز الاستخبارات السعودي ل 25 عاما لم ينفي ارتباط القاعدة بإسرائيل عندما تلقى سؤالا صحفيا أثناء عمله سفيرا لبريطانيا، وأكد أن هناك ارتباطا نسبته 95 بالمائة بين الصهيونية وعمليات الإرهاب التي شهدتها المملكة العربية السعودية.
وأيد الفيصل كلام عمه عبد الله بن عبد العزيز الذي اتهم فيه " الصهيونية، بأنها على علاقة وثيقة بعمليات الإرهاب التي شهدتها المملكة".
الرئيس علي عبدالله صالح هو الآخر توصل في 2010 إلى النتيجة التي توصل إليها شقيقه الملك عبدالله في 2004م، عندما اتهم قبل أقل من شهر عناصر القاعدة بأنها عميلة وخائنة، وقال إنها تربت على يد الصهاينة.
أنور العولقي..أسامة اليمن؟
مؤخرا أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن أنور العولقي اليمني الأصل الأمريكي الجنسية، مطلوب لديها وأن إدارة أوباما وافقت على قتله بسبب دوره المزعوم في نشاط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وبعيدا عن القرار الأمريكي الذي جاء بعد عودة أنور العولقي إلى اليمن ليمارس نشاطه مع القاعدة، فإن أسئلة تدور حول السبب وراء عدم إلقاء القبض على العولقي عندما كان ناشطا للقاعدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية قبيل 2002، فقد كان الرجل مطلوب للمخابرات الأمريكية منذ 2001 بعد أحداث سبتمبر ولم يتم القبض عليه، بل واستمر في أمريكا حتى نهاية 2002 وانتقل إلى بريطانيا، وتم قبوله في بريطانيا لدراسة الدكتوراه بعد هذا الحادث.
ورغم نفي الكثير عن ارتباط العولقي بتنظيم القاعدة فإن هناك من يرى في القرار الأمريكي الذي يبيح قتله، محاولة للفت الأنظار حول شخص أنور العولقي باعتباره عنصرا خطيرا يمثل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، وبالتالي فإن قتله هو السبيل للخلاص من خطره وهو مالم تقدم عليها أمريكا، باعتبار أن ذلك سيفوت عليها فرصة التدخل المباشر في اليمن لملاحقة العولقي في وديان العوالق بشبوة مثلما هو حصل بتورا بورا أفغانستان. كل الوطن