بعد أسابيع من قيامه بالكشف عن 90 ألف وثيقة عسكرية أمريكية تفضح الفشل في أفغانستان ، فوجيء الجميع في 21 أغسطس / آب بمذكرة اعتقال أصدرتها السلطات السويدية ضد جوليان أسانج مؤسس الموقع الإلكتروني "ويكيليكس" بتهمة اغتصاب امرأة والتحرش جنسياً بأخرى . وبالنظر إلى أن مذكرة الاعتقال جاءت في أعقاب تهديدات أصدرها البنتاجون من عواقب إصرار أسانج على نشر المزيد من الوثائق السرية حول الحرب بأفغانستان ، فقد رجح كثيرون أن الاتهامات الموجهة له غير بعيدة عن تلك التهديدات وهذا ما ظهر واضحا في عدة أمور من أبرزها الرسالة التي نشرت في الحساب الخاص ب "ويكيليكس" على خدمة تويتر وجاء فيها " لقد تم تحذيرنا من الحيل القذرة وها هي أولى تلك الحيل" . كما نشر أسانج هو الآخر رسالة في حسابه على تويتر قال فيها : "إن التهم الموجهة إليه لا أساس لها من الصحة وإن اثارتها في هذا الوقت بالذات مثير للريبة إلى حد بعيد" ، مشككاً في توقيت ظهورها الذي يتزامن مع الضغط الأمريكي عليه. وسرعان ما خرج أسانج في 22 أغسطس بتصريحات جديدة أكد خلالها أنه لا يستبعد بأن تكون وزارة الدفاع الأمريكية وراء الاتهامات بالاغتصاب التي وجهت له والتي أسقطتها السلطات السويدية لاحقا. ونقلت صحيفة "افتونبلادت" السويدية عن أسانج قوله :" إنه سبق وحذره البعض بأن جهات كالبنتاجون يمكن أن تستخدم حيلا قذرة لتدمير موقعه "، مضيفا أنه تم تحذيره حذر بشكل خاص من إمكانية اتهامه بفضائح جنسية. ومع أن البعض قد يستغرب أسباب قيام السويد بإصدار مذكرة الاعتقال ضد أسانج رغم أنها لا علاقة لها بالحرب في أفغانستان ، إلا أن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن أسانج كان زار السويد في منتصف أغسطس حيث تقدم بطلب للحصول على وثيقة تخول موقع "ويكيليكس" الاستفادة من القوانين السويدية التي تحمي المواقع التي تنشر الأسرار الحكومية ، كما ألقى ندوة في هذا الصدد في الحزب الديمقراطي الاشتراكي المعارض في السويد بل وتحدى واشنطن مجددا من استوكهولهم قائلا إن موقعه الإلكتروني الذي نشر في يوليو الماضي عشرات الآلاف من الوثائق السرية المتعلقة بالحرب الأمريكية في أفغانستان يستعد لنشر 15 ألف وثيقة سرية أخرى خلال أسبوعين. انتقادات أمريكية روبرت جيتس واللافت للانتباه أن زيارة أسانج للسويد جاءت بعد أن انتقد وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس عملية تسريب عشرات الآلاف من الوثائق المتعلقة بعمليات الجيش الأمريكي في أفغانستان ، معتبراً أن ذلك سيكون له عواقب وخيمة على حياة الجنود الأمريكيين في ساحة المعركة ، كما حذر من إمكانية أن تضر المعلومات المنشورة بعلاقة الولاياتالمتحدة مع حلفائها في المنطقة. وتابع جيتس في مؤتمر صحفي عقده في مطلع أغسطس في واشنطن أن الوثائق تهدد بفضح التكتيكات القتالية والأساليب الاستخباراتية التي تتبعها القوات الأمريكية في أفغانستان ، الأمر الذي قد يعرضها لمزيد من الأخطار، متعهداً بمراجعة سياسة تصنيف الوثائق لمنع وصول المعلومات السرية إلى أشخاص غير مصرح لهم بذلك. وأقر في الوقت ذاته بإمكانية وجود آلاف الوثائق الإضافية التي قد يكشفها موقع "ويكيليكس" خلال الأيام المقبلة ، واختتم قائلا إن الولاياتالمتحدة لديها "التزام أخلاقي" بحماية أرواح كل الذين قد يتعرضون للخطر جراء ورود أسمائهم في الملفات المسربة. وفي السياق ذاته ، قال الأميرال مايكل مولان قائد أركان الجيش الأمريكي إن مدير موقع "ويكيليكس" يحاول إثبات موقف سياسي عبر ممارسات تضع حياة الجنود الأمريكيين في خطر. وتابع مولان في مؤتمر صحفي خصصه للحديث عن القضية "يمكن للسيد أسانج قول ما يشاء عن الفوائد التي يراها لما يقوم به ، ولكن الحقيقة هي أن يديه ربما قد تلطختا بالفعل بدماء بعض جنودنا الشبان أو العائلات الأفغانية ". ورغم التصريحات السابقة إلا أن أسانج أصر على موقفه بالنسبة لنشر المزيد من الوثائق بل ورفض أيضا الكشف عن مصدر معلوماته ، قائلاً إن تعريض الأشخاص الذين يقدمون الوثائق السرية له للخطر قد يمنع الناس من الوثوق به مستقبلاً ما يحول دون حصوله على المزيد من المعلومات السرية. ويبدو أن واشنطن رأت في زيارته للسويد الفرصة السانحة للانتقام منه من ناحية وردعه من ناحية أخرى عبر تلفيق تهمة الاغتصاب له ، إلا أنه سرعان ما اتضح للسلطات السويدية أن الأمر لا أساس له من الصحة . وبعد ساعات من اتهامه باغتصاب امرأة والتحرش جنسياً بأخرى ، سحبت السلطات السويدية مذكرة اعتقال كانت أصدرتها في وقت سابق السبت الموافق 21 أغسطس / آب بحق جوليان أسانج . ووفقا للمدعي العام السويدي ايفا فين فإن التهم الموجهة إلى أسانج وهو استرالي الجنسية لا أساس لها من الصحة وأنه نتيجة لذلك تم سحب مذكرة الاعتقال ، قائلة :" لا أعتقد بوجود أي سبب يدعونا للاعتقاد بأنه ارتكب جريمة الاغتصاب" . الوثائق السرية أسانج لم يستبعد تورط البنتاجون ورغم تبرئة أسانج من تهمة الاغتصاب ، إلا أن كثيرين يرجحون أن ما سبق كان مجرد تحذير ضمني له من قبل واشنطن وأن القادم قد يكون أسوأ في حال لم يتراجع عن موقفه . وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشرت في 26 يوليو الماضي وثائق سرية مسربة على موقع "ويكيليكس" الإلكتروني تكشف خفايا الحرب في أفغانستان. وذكرت الصحيفة أنها حصلت على الوثائق التي يتجاوز عددها تسعين ألف وثيقة من موقع "ويكيليكس" على الإنترنت المتخصص في تسريب المعلومات والتقارير السرية ، موضحة أن تلك الوثائق تعد واحدة من أكبر التسريبات في تاريخ الجيش الأمريكي. وأضافت أن الوثائق التي حصلت عليها أيضا صحيفة " الجارديان" البريطانية و"دير شبيجيل" الألمانية تظهر أن باكستان تسمح لعناصر من مخابراتها بالتعاطي مباشرة مع حركة طالبان في أفغانستان ، كما أن عددا كبيرا من الوثائق أظهر صورة مدمرة لما وصفته بالحرب الفاشلة في أفغانستان. وكشفت الوثائق أيضا قوات الناتو قتلت مئات من المدنيين في أفغانستان في عدد من الحوادث لم يتم الإبلاغ عنها ، كما كشف مؤسس موقع ويكيليكس جوليان اسانج أن الوثائق تتضمن أدلة على احتمال ارتكاب قوات الناتو في أفغانستان لجرائم حرب ، كما أكدت الوثائق وجود زيادة كبيرة في الهجمات التي تشنها طالبان على قوات "الناتو" وأن قوة الحركة في تصاعد مستمر. وما أن تم الكشف عن الوثائق السابقة التي ركزت على عمليات القتال بين يناير/كانون الثاني 2004 وحتى ديسمبر/كانون الثاني 2009 والتي أودت بحياة ما يربو على 320 جنديا من القوات البريطانية وأكثر من ألف جندي أمريكي ، إلا وظهرت ردود أفعال غاضبة جدا في واشنطن وإسلام آباد . فقد سارع البيت الأبيض لإدانة نشر تلك الوثائق ووصف هذا الأمر بأنه عمل غير مسئول لأنه يعرض حياة جنود حلف الناتو والجنود الأفغان للخطر ويهدد الأمن القومي الأمريكي ، هذا فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها فتحت تحقيقا جنائيا حول الأمر . دلالات وحقائق قوة طالبان في تصاعد ومن جانبه ، نفى السفير الباكستاني في الولاياتالمتحدة حسين حقاني ما جاء في الوثائق ووصفه بأنه عمل "غير مسئول"، مشددا على أن بلاده ملتزمة بالكامل بمكافحة المسلحين . وتابع أن تلك الوثائق تضمنت معلومات غير دقيقة ، قائلا :" إنها لا تعكس الواقع على الأرض" . وبصرف النظر عن التصريحات الغاضبة السابقة ، فإن الوثائق أكدت بما لايدع مجالا للشك أن هناك انشقاقا واسعا داخل إدارة أوباما حول الحرب بأفغانستان ، صحيح أن إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان بعد انتقادات وجهها للإدارة الأمريكية ونشرتها مجلة "رولنج ستون " كانت فضحت المستور حول الخلافات بين المسئولين العسكريين والسياسيين الأمريكيين بشأن جدوى استراتيجية أوباما في أفغانستان التي تقوم على زيادة حجم القوات وتكثيف الضربات الجوية ، إلا أن نشر 90 ألف وثيقة سرية مرة واحدة أكد أن هناك انشقاقا واسعا داخل الجيش الأمريكي حول جدوى تلك الحرب بل ولم يستبعد البعض أن يكون أحد جنرالات الجيش الكبار هو من قام بتسريب تلك الوثائق . وإلى حين تظهر نتائج تحقيقات البنتاجون حول من قام بتسريب الوثائق ، فإن الكشف عنها كان بمثابة انتصار معنوي كبير لطالبان بل ومن المتوقع أن تستغلها لمضاعفة شعبيتها خاصة بعد الإشارة إلى ارتكاب قوات الناتو لجرائم حرب وتزامن ذلك مع مقتل 52 مدنيا أفغانيا بيد تلك القوات في لوجار. ويبقى الأمر الأهم وهو أن ما أظهرته الوثائق من تغطية الناتو على الكثير من جرائم قتل المدنيين الأفغان يؤكد أن استمرار تلك الحرب يعني فقط قتل المزيد والمزيد من الأبرياء ولذا لا مفر من الانسحاب السريع وترك أفغانستان لأبنائها . محيط