في مثل هذه الأجواء التي يلتهب فيها الوطن بكل صنوف الاحتقان وكوارث فشل السياسات الاقتصادية والجرع الدورية التي ألهبت ظهر المواطن وجعلته يبحث عن موت آمن ينتقل به إلى الملكوت الأعلى عند مليك مقتدر، سياسات عاثت فساداً وإفساداً في شرايين المجتمع، ولوثت قطرات الدم وبلازما المناعة التي يحملها في جسده المنهك والنحيل، تعددت أخطاء السياسة ونكبات العبث بالمال العام للقط السمان التي ظهرت واستشرت كالسرطانات المتعددة معلنة عن نفسها بكل بجاحة وقوة، حداً جعلها تمسك بمفاصل المؤسسات الإرادية والخدمية وترفع في وضح النهار لافتات تعلن عن شركاتها ومؤسساتها الخاصة والعائلية التي تذهب إليها المناقصات للمشروعات التي تقتات منها مافيا المركز – صنعاء - بأدوات محلية دنيئة لا شريعة لها إلا الثراء الحرام. وما يدهش في هذه الظاهرة التي برزت خلال (17) عاماً الماضية أنها قد سرت كالنار في الهشيم فتحول الكثير من هذه المؤسسات إلى إمبراطوريات عائلية يراقبها الشارع عن بعد ويتحدث عن أفراحها الخيالية وجولاتها العالمية في عواصم الضباب والثلوج بحثاً عن أوقات رائقة تشعرهم بحقيقة الثراء الفاحش الذي يكنزونه من ثروة الوطن والمال العام، سار الأبناء على خطى الآباء الذين هيمنوا على مفاصل هذه المؤسسات وأصبح الجميع يدرك حدود اللعبة وقواعد التعامل مع مافيات المركز فصنعاء حوت كل فن. ولأننا بلينا بمجالس محلية ديكورية تتوارى عن قاعدتها الانتخابية بعد جلوسها لأول اجتماع للمجلس وإعلانهم المجلس سيد قراره، تختفي والكل يتحول إلى طالب الله ويا بخت من نفع واستنفع، والعيال كبرت وضمان مستقبلهم قبل كل شيء والسياسة تحتاج إلى نفس طويل، وهكذا يتم تخدير المواطن بمثل هذه التبريرات التي ما أقصت فاسد متناهي الصغير عن موقعه، لنجد أنفسنا بين مطرقة أدوات النظام وسندان المعارضة والكل صار( معسل) حكم يتجرعه في ساعات الصفاء بين الحكم والمعارضة. في العام الماضي رفعت المؤسسة العامة للكهرباء التعرفة لشرائح الاستهلاك المنزلي للمواطنين وثارت ثائرة مجالسنا المحلية وتعددت الاجتماعات وتكاثرت التصريحات ولم يتحرك ساكن على الرغم من إصرارهم في حملاتهم الانتخابية بتخفيضها بما يتلاءم والأجواء الشديدة الحرارة التي تعيشها المحافظات الجنوبية الساحلية والصحراء ليجد المواطن نفسه وحيداً في مواجهة غول الانقطاع وسحب (الفيوز) وعلى المتضرر اللجوء إلى الصمت، واليوم تقفز قيمة الشرائح المبهمة لفاتورة المياه إلى معدلات مقلقة ومجهزة على ما تبقى لدى المواطن من قدرات مادية تساعده في مواجهة أعباء المعيشة وارتفاع أسعار السلع الضرورية، والبركة في تجارنا وضميرهم الحي وسخائهم لمجلس حضرموت الأهلي وتبرعاتهم لحماية حضرموت من لحظة انهيار النظام!. واليوم تقفز فواتير الماء لشهر مارس بحركة خبيثة واستباقية تفرغ أية تخفيضات يقررها مجلس الوزراء من قيمة هذه الشرائح، كما هو مشاع، تخفيضات سيذهب دخلها لمصلحة المواطن ولكنه سيضر بامتيازات قيادة المؤسسة ومجلسها إدارتها الذي يوهب المبالغ الشهرية والحوافز السنوية بملايين الدولارات ولم نجد مجلسنا المحلي بالمحافظة يقف عند قائمة البدلات والهدايا والحوافز والصرفيات الباهظة التي تحصل عليها قائمة المجلس بدءاً بمحافظة المحافظة ووكيلي الساحل والوادي وقيادتي المؤسسة والتوابع الأخرى بما في ذلك ممثلي المواطنين المستفيدين من هذه الخدمة ساحلاً ووادياً. وقد صادف عند كتابتي لهذا المقال أن بحثت بين الزملاء عن فاتورة المياه لشهر مارس 2011م، فكانت كالآتي: القراءة: ثابت. الاستهلاك: 29. قيمة المياه: 2050 ريال. رسم صرف صحي: 620ريال. رسوم خدمات: 267ريال. مجالس محلية: 62ريال. وبحسبة بسيطة نجد أن قيمة الاستهلاك الثابت، لماذا؟ لا أدري!،(2050) ريالاً، بينما الفراطة، بلغت:(949) ريالاً، بما يقترب من نصف قيمة الاستهلاك، على الرغم من أن صاحب الفاتورة من حي أكتوبر – ديس المكلا – الذي يعلم القاصي والداني فضيحة مشروع المجاري الذي ذهب ، ولم يتنه- ثلاثة محافظون: هلال، هاجر، الخنبشي، والرابع الديني، ولم يغلق ملفه ولم يحسم ولم يجرؤ أحدهم على إعطائه صك البراءة الفنية، ومخلفات الحي تذهب إلى خور المكلا ملوثة مياهه الصافية الزرقاء التي تحولت إلى كتل سوداء مقرفة وروائح كريهة دائمة، وهناك رسوم الخدمات والمجالس المحلية وكلها تثقل كاهل المواطن ولا يلحظ فائدة منها في حياته اليومية. هذه الفاتورة، العينة العشوائية، تضعنا أمام حقائق شنيعة تظهر مدى الصبر الذي يتحلى به مواطنو حضرموت، فما بالنا بهذيان العدادات والاخلالات المستمرة التي يتحمل وزرها المواطن المستهلك، ويدفعها من قوت أولاده صابراً محتسباً إلى الله عز وجل أن يعجل في نهاية الباطل واجتثاث أهله وفضحهم على رؤوس الأشهاد وما ذلك ببعيد على رب العزة والجلال. ويبقى على الناس أن ينتفضوا لتغيير الباطل، فلن يغير الله ما بهم إلا أن يغيروا ما بأنفسهم، والبداية رفض الباطل وكره أصحابه، فهل تشهد حضرموت عصيات كهرمائي يجمع الجميع على عدم تسديد فاتورتي الكهرباء والماء في شهر الثورات العربية التي غيرت ملامح مجتمعاتها وتكنس بقايا أعوان الأنظمة التي تهاوت كأوراق الخريف تحت صيحات ساحات التحرير من العبودية والطغيان، اللهم إني بلغت اللهم فاشهد، وكفى!.